يعيد سفراء ودبلوماسيو بعض الدول العربية التي شهدت الإنتفاضات والثورات الشعبية تقويم أمور حياتهم، على الصعيدين الشخصي والوظيفي، بعدما تقدم كثيرون منهم بإستقالاتهم من مناصبهم، جراء إنقلابهم على قادتهم وإنضمامهم إلى صفوف الثوار.

السفير العجيلي


يبدو أن سفراء ودبلوماسيي بعض الدول العربية، لا سيما التي بدأت تشهد أخيراً موجات من الإنتفاضات والثورات الشعبية، سيكونون مضطرين خلال الفترة المقبلة إلى إعادة تقويم أمور حياتهم، على الصعيدين الشخصي والوظيفي، بعدما تقدم كثيرون منهم باستقالاتهم من مناصبهم، جرّاء انقلابهم على قادتهم وإنضمامهم إلى صفوف الثوار.

وذكرت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية اليوم أن الخارجية الأميركية قامت الأسبوع الماضي بإغلاق السفارة التي أدارها العجيلي على مدار أكثر من عامين (في ذلك الجناح الموجود في الطبقة السابعة في فندق ووترغيت). وقالت إن ذلك دفع بالعجيلي، الذي استقال من منصبه بعد خلافه مع القذافي نهاية الشهر الماضي، لإقامة ورشة عمل في منزله، حيث يحاول الآن عبر مجموعة من الحواسيب الموجودة في غرفة الطعام في الطبقة السفلى لمنزله أن يعيد اكتشاف نفسه، باعتباره المندوب الرسمي للحكومة الليبية الجديدة (التي لم تخرج إلى النور بعد) لدى واشنطن.
ونقلت الصحيفة هنا عن العجيلي، قوله: quot;لم أعد أُمَثِّل النظام ndash; بل أمثل الشعبquot;. أو كما أوضح علي أبو زعقوق، أحد الناشطين الليبيين الداعمين لحقوق الإنسان والصديق المقرب من العجيلي، بقوله: quot;هو الآن سفير لانتفاضة شعبيةquot;. ويعتبر العجيلي، الذي خدم ليبيا على مدار 40 عاماً، جزءاً من موجة غير مسبوقة من الدبلوماسيين الذين تقدموا باستقالاتهم بشكل مفاجئ، واعتماداً على وجهات نظرهم الخاصة، يظهرون الآن شجاعة غير مألوفة وغريزة ماكرة تهدف إلى الحفاظ على الذات.
وهو الموقف نفسه الذي اتخذه سفير ليبيا لدى الأمم المتحدة وغيره من المسؤولين، وكذلك دبلوماسيون ليبيون بارزون في فرنسا والهند والصين. كما تقدم ثلاثة سفراء يمنيين لدى الأمم المتحدة وسوريا ولبنان باستقالاتهم، احتجاجاً على الممارسات القمعية التي تنتهجها حكومة بلادهم ضد المتظاهرين هناك.

وفي واشنطن، حيث غالباً ما يكون الدبلوماسيون مجهولي الهوية، أجبرت حمى الثورات الديمقراطية التي اجتاحت العالم العربي أخيراً، كثيرين على التكيف مع الوضع الجديد. في حين ظل سفيرا مصر وتونس، حيث كانت التظاهرات سلمية، في منصبيهما. لكنّ الخيارات كانت أكثر تعقيداً في ما يبدو بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص الذين تحولت الإحتجاجات في بلدانهم إلى إحتجاجات دموية مثل البحرين واليمن وخصوصاً ليبيا.

وقد فضَّلت سفيرة البحرين هدى عزرا نونو، أن تتوارى عن الأنظار. وهي الخطوة نفسها التي لجأ إليها السفير اليمني عبد الوهاب عبد الله الهاجري. بينما تقدم سفير اليمن لدى الأمم المتحدة عبد الله الصايدي، باستقالته يوم الجمعة الماضي. وقال الصايدي في محادثة هاتفية مع النيويورك تايمز: quot;أن يكون لديك قناصة في الشرفات وفي المنازل يقومون بإطلاق النار على الناس في الرأس والعنق، فإنني لم أعد أجد ما يمليه عليّ ضميري لكي أوضح به موقف الحكومة لسلطات الأمم المتحدةquot;.

ومضت الصحيفة تقول إن الصايدي يبحث الآن عن مكان يعيش فيه، بعدما قامت الحكومة اليمنية بتعيين بديل منه، وبات يتعين عليه أن يغادر الشقة التي كان يقيم فيها (وتتبع حكومة بلاده) في مانهاتن. أما العجيلي، سفير ليبيا السابق لدى واشنطن، فقرر اتخاذ مسار أكثر عدوانية. فبعدما أصبح عام 2009 أول سفير ليبي لدى الولايات المتحدة بعد انقطاع في العلاقات استمر على مدار 35 عاماً، حاول جاهداً أن يعمل على تحسين العلاقات بين الدولتين.

ومنذ الإعلان عن خروجه من حكومة القذافي قبل أسابيع عدة، سعى العجيلي خلال كل اللقاءات التي جمعته بمراسلي الصحف وأعضاء مجلس الشيوخ وكذلك وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إلى التأكيد على ضرورة أن يعترف البيت الأبيض بمجلس حكومة الظل الخاص بالمتمردين. وشدد أيضاً على ضرورة أن تتم الإطاحة بالعقيد معمر القذافي.

وقال إن ما يريد تحقيقه الآن على الفور هو أن تقوم وزارة الخزانة الأميركية بتحرير مبلغ الـ 30 مليار دولار الذي جمدته في الأصول الليبية. في حين قال مسؤول من داخل الإدارة الأميركية، بعدما رفض الكشف عن هويته، إن وزارة الخارجية الأميركية قبلت العجيلي كممثل عن المجلس، وأضاف: quot;كما نعتبره مواطناً ذي خصوصية الآن، ولا بد أن يضبط تأشيرته وفقاً لذلكquot;.

وبينما نظر أصدقاء العجيلي إلى الخطوة التي قام بها على أنها خطوة شجاعة، رأى بعض الخبراء الليبيين أن هناك نوعًا من أنواع النفعية السياسية. وهو ما جعل الصحيفة تقول إن الأمور قد تعود إلى نصابها بالنسبة إلى العجيلي، إذا ما نجح المتمردون في بسط نفوذهم، وتمكنوا من الإطاحة بنظام القذافي، فحينها ستعود إليه الخادمات وسائقه وكل شيء.

ولعل التغيير الكبير الذي طرأ على حياة سفير ليبيا لدى الولايات المتحدة، علي سليمان العجيلي، بعدما تقدم أخيراً باستقالته، هو خير دليل على التوجه الجديد الذي ينتظر أن يسير على حذوه آخرون. فالخادمات الفلبينيات اللواتي كُنَّ يوجدن في مقر إقامة العجيلي قد عُدنَ إلى بلادهنّ، وتم الاستغناء عن سائقه الشخصي، كما استعادت وزارة الخارجية الأميركية اللوحات الرسمية التي كانت مثبتة على سيارتيه المرسيدس السوداء اللامعة والأخرى من طراز أودي المتوقفتين في المرآب الخاص به.