حاول النظام السوري التخفيف من حدة الأزمة السياسية التي يواجهها بإتهام عصابات مسلحة بالمسؤولية عن مقتل 12 شخصا في مدينة اللاذقية، متعهدًا بإلغاء قانون الطوارئ في وقت قريب. ولاحظمراقبون غياب الرئيس السوري بشار الأسد، رغم الإعلان بأن سيوجه كلمة إلى الشعب السوري مساء الأحد، وبقاءه متواريًا خلال الاحتجاجات التي تهدد رئاسته.
لاحظ مراقبون غياب الرئيس السوري بشار الأسد رغم الإعلان بأن سيوجه كلمة إلى الشعب السوري مساء الأحد، وبقاءه متواريًا خلال الاحتجاجات التي تهدد رئاسته بعد 11 عاماً على توليها، وما يربو على 40 عاماً من حكم العائلة بقبضة من حديد. وكان 61 شخصًا على الأقل قُتلوا خلال حملة النظام ضد المحتجين في مدن متعددة.
وكانت دمشق هادئة يوم الأحد، فيما تواصلت التكهنات بإندلاع نزاعات في قمة القيادة السورية، وقرر كثير من السوريين ملازمة منازلهم خشية إندلاع مزيد من الإحتجاجات وسفك مزيد من الدماء. وسرت شائعات عن حدوث تصدعات في القيادة، التي دأبت طيلة السنوات الماضية على العمل وراء أبواب مغلقة وبتكتم شديد. في غضون ذلك كانت الحكومة توجه رسائل متضاربة بين الإستعداد للتوصل إلى حلول توافقية والتوعد بالبطش.
كما توجد بلبلة بشأن الإعلان عن توجه النظام إلى إلغاء قانون الطوارئ. إذ قالت الناطقة الرسمية باسم الرئاسة السورية بثينة شعبان للصحافيين في دمشق ان القانون سيُلغى قريباً، لكنها لم توضح ما يعنيه إلغاء القانون إزاء وجود العديد من القوانين الأخرى التي تقيد الحريات وتمنح حصانة لأجهزة الأمن.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الناشط من أجل حقوق الإنسان والخبير القانوني في جامعة جورج واشنطن رضوان زيادة قوله quot;ان لا شيء سيتغيرquot;. لكن المؤكد ان الأزمة مستمرة. وقال زيادة ان اكثر من 21 شخصا قُتلوا في مدينة اللاذقية وحدها يوم السبت، في حين تقول منظمات حقوق الإنسان ان 61 شخصا قُتلوا في انحاء البلاد حتى قبل أحداث يوم السبت.
ويرى محللون ان موجة الاحتجاجات تثير قلق القيادة بصفة خاصة لأنها اندلعت في معقلين من معاقل النظام. فإن درعا منطقة قبائل سنية ظلت فترة طويلة تشكل قاعدة تأييد للنخبة الحاكمة، وهي موطن مسؤولين كبار في الجيش والحكومة، بينهم نائب الرئيس فاروق الشرع. واللاذقية واحدة من المناطق القليلة في سوريا التي تقطنها غالبية علوية. وإذا امتدت الاحتجاجات إلى مدن كبيرة ذات غالبية سنية، فإن النظام كله يمكن ان ينهار، كما حدث في تونس ومصر.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن دبلوماسي غربي في دمشق طلب عدم ذكر اسمه quot;ان القضية منتهية، وهي مجرد مسألة وقت. قد تكون عملية بطيئة أو جنونًا من النمط القذافي خلال الاسابيع القليلة المقبلة. فالوضع شديد التوتر هنا، ويمكنك ان تتلمسه في الجوquot;.
ورغم وعود بشار الأسد بالتغيير منذ توليه الرئاسة فإن حزب البعث احتفظ باحتكاره السلطة، ولا تزال الدولة تعمل بخمسة أجهزة امنية على الأقل ومحكمة عسكرية ومحكمة لأمن الدولة والمادة 16 التي يقول الخبير القانوني زيادة انها تعفي عناصر الأمن من المحاسبة عن الجرائم التي يقترفونها اثناء اداء عملهم.
لكن تماسك مؤسسات النظام بات موضع تساؤل رغم هذه الحصانة. وقال الكاتب السوري المعارض ميشيل كيلو لصحيفة نيويورك تايمز ان quot;هناك في النظام من يريدون اطلاق النار على المحتجين ومن يريدون ضربهم ومن يريدون ان يفعلوا كل شيء لقمعهم. ولكن هناك آخرين في سلطة يقولون لا. وهناك في السلطة من يقول ان مطالب المحتجين مشروعةquot;.
وقال عمار قربي رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الانسان ان رأي النخبة في سوريا منقسم على ثلاثة محاور، الرأي الأمني ورأي الحكومة ورأي حزب البعث. واشار قربي إلى مثال صحيفة الوطن التي يملكها رامي مخلوف ابن خال الرئيس الأسد. فقد سمع القربي ان رئيس تحرير الصحيفة رباح عبد ربه استُدعي الاسبوع الماضي إلى وزارة الاعلام ليُقال له ألا يصدر عدد ذلك اليوم. وبعد نصف ساعة على مغادرته استُدعي إلى مديرية الأمن ليُقال له ان يواصل إصدار الصحيفة بلا توقف.
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية quot;ساناquot; ان عشرة اشخاص على الأقل قُتلوا في اللاذقية على ايدي quot;عصابات مسلحةquot;. وأُرسل مؤيديون للحكومة مهمتهم نقل وجهة نظر الحكومة التي نفت ان قوى الأمن فتحت النار. وفي إتصالات هاتفية اجريت مع مواطنين سوريين، قال كثيرون انهم يخافون الكلام، وتراجع آخرون عن اتهامات سابقة وجهوها إلى السلطة باستخدام العنف. وقال رجل الدين المعتدل وعضو البرلمان محمد حبش ان quot;عصابة مسلحة جاءت للسرقة والتخريبquot;، مرددًا الرواية الرسمية بعدما استنكر في وقت سابق استخدام العنف. واضاف ان القتلى كانوا من افراد هذه العصابة، ولا علاقة لهم بنشاط سياسي في سوريا.
في سياق متصل، قال الخبير القانوني في جامعة جورج واشنطن ان النظام يهدد المواطنين، وقدم نفسه مثالا على ذلك. فهو يقيم في الولايات المتحدة، ولكن عائلته في سوريا، وقال لصحيفة نيويورك تايمز انه تلقى رسالة بالبريد الالكتروني مساء السبت، تقول انه خائن، وعليه ان ينتبه إلى والدته. واضاف ان الرسالة ارعبته.
أما في دمشق فقالت مستشارة الرئيس بثينة شعبان ان الرئيس سيتحرك قريبًا لإلغاء قانون الطوارئ، ولكنها لم تحدد موعدا. ويرى خبراء في الشؤون السورية ان إلغاء قانون الطوارئ مطلب اساسي من مطالب المتظاهرين، ولكن ذلك وحده لن يضمن حرية التعبير والتجمع والنشاط السياسي. وقال جوشوا لانديز مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة اوكلاهوما ان في سوريا قوانين عدة تجيز للشرطة اعتقال مَنْ يثيرون متاعب للنظام أو يتجمعون من دون موافقة السلطة.
التعليقات