مدريد: تشير إحصائيات وزارة العدل الإسبانية إلى تراجع غير مسبوق خلال العامين الماضيين في ملفات طلب الحصول على الجنسية الإسبانية أو الجنسية المزدوجة من قبل آلاف المهاجرين الاجانب، حيث تراجع عدد ملفات طلب الجنسية الإسبانية عبر أكبر مكتب للتجنس في مدريد ليتراوح من قرابة 40 ألف طلب خلال عام 2009 إلى نحو 33 ألف طلب عام 2010، و الرقم مرجح للتراجع خلال العام الجاري 2011، والسبب يعود إلى تداعيات الازمة الإقتصادية و العراقيل البيروقراطية التي تواجه مجموعة من طالبي الجنسية الإسبانية من أصول متعددة من غير دول أميركا اللاتينية والسفارديم (يهود اسبانيا) الذين يستفيدون من تسهيلات قانونية حيث بإمكانهم التجنس بعد إقامتهم لمدة عامين فقط في إسبانيا عكس المهاجرين من أصول عربية ودول أخرى والذي يجب عليهم الإقامة عشرة أعوام للإستفادة من حق طلب الجنسية الإسبانية التي يراها البعض وسيلة لتسهيل معيشته في الغرب بعدما ضاقت بهم الحياة في أوطانهم... إيلاف حققت في مشوار وعراقيل حصول الاجانب على الجنسية الإسبانية.

quot;المهم جنسية غربية ولا عربيةquot;

حلم حصول المهاجر العربي على الجنسية الإسبانية هو حلم لا يعرف السكينة عند الألاف من أبناء الجالية العربية المقيمة في إسبانيا فالعديد منهم لا ينقطع في العد التنازلي للتوجه إلى مكتب وزارة العدل من أجل طلب الحصول على الجنسية بعد تحقيقه للشرط الاساسي و هو إقامته لمدة 10 أعوام بصفة شرعية و دائمة في التراب الإسباني.

والأسباب متعددة لدى كل مهاجر عربي يتوجه لطلب الجنسية الإسبانية او الأوروبية لكن الكل يجتمعون على هدف واحد و هو التخلص من الإجراءات البيروقراطية الخاصة بتجديد بطاقة الإقامة في كل مرة وحرية التنقل والسفر بعد الحصول على الجنسية المزدوجة والحقيقة أن الهدف إجتماعي لا يرتبط بأي غايات أو أهداف سياسية أو إقتصادية واسعة الابعاد.

وحسب إستطلاعات أجرتها إيلاف شملت أوساط الجالية العربية فإن أغلبهم يريد تحيقيق الإستقرار الإداري والمعيشي في إسبانيا لا غير لأنهم يعتقدون بأن تجنسهم يحميهم من أية مضايقات او عراقيل عند سفرهم إلى أوطانهم العربية رغم أن أغلبهم يحافظ على الجنسية المزدوجة الأم و المكتسبة قانونيا.

ويقول لنا محمد وهو مغربي الأصل و الذي تحدثنا إليه في مكتب إيداع الجنسية في العاصمة مدريد بأنه بعد أن إستوفى شروط طلب الجنسية جاء بسرعة ليودع ملفه، و حول الأسباب التي جعلته يطلب الجنسية الإسبانية يقول هذا المهاجر المغربي لـ إيلاف بصراحة quot;جنسية غربية ولا عربيةquot; ويضيف قائلا بأن الجنسية الإسبانية تتيح له فرص أكثر للحصول على عمل في إسبانيا وأوروبا ويروي لنا بأنه واجه عراقيل عدة عند بحثه عن عمل بمجرد تقديمه لبطاقة الإقامة التي تحمل جنسية المغربية.

ومن جهته يقول لنا صديقه منير بأنه يقيم في إسبانيا منذ عقدين من الزمن وهو يعول على طلب الجنسية لأنه مل من العراقيل البيروقراطية والإدارية و يؤكد بانه فخور بكونه عربي ومغربي لكن الواقع أمر آخر ويدعو الحكام العرب لتحسين أحوال شعوبهم حتى لا يفر الابناء لطلب جنسيات غربية.

من جهته يقول لنا عبد الكريم ميصايلي الذي يقيم في إسبانيا منذ نحو أكثر عن 20 عاما بأنها المرة الثانية التي يتوجه فيها بطلب الجنسية الإسبانية بعد أن تم رفض طلبه عام 2005 بسبب خطأ بيروقراطي، وهذا لم يحطم مساعيه في التوجه مرة ثانية إلى مكتب التجنيس التابع لوزراة العدل ليعيد الكرة من جديد ويطلب حقه في الجنسية الإسبانية بعد موافاته لكل الشروط ولكن هذه المرة يبدو أنه قد وافق في سعيه بعد إيداع ملفه وقبوله شهر مارس 2010 وهو ينتظر رد وزارة العدل على طلبه.

ويقول عبد الكريم أنه إضطر الإنتظار خمسة أعوام دون تلقيه ردا على طلبه الأول للحصول على الجنسة الإسبانية رغم الخطأ البيروقراطي الذي إعترفت به الإدارة الإسبانية و الذي تمثل في أنها ردت عليه بخطأ جاء فيه بأنه لم يوف مدة الإقامة الشرعية في التراب الإسباني لعشرة أعوام قانونية تسمح له بالحصول على الجنسية وهذا ليس صحيح كما يؤكده عبد الكريم والذي يعتبر أن هذا خطأ إداري عمدي هدفه وضع حواجز قانونية لا أساس لها من الصحة أمام أبناء الجالية العربية في سعيهم للحصول على الجنسية الإسبانية... وحول الأسباب التي دفعت الجزائري عبد الكريم في حلمه للحصول على الجنسية الإسبانية يقول محدثنا بأنه قد مل من بطاقة الإقامة التي مدتها لا تتعدى الخمسة أعوام ويريد أن يغادر إسبانيا التي ليس فيها فرص عمل لدولة أوروبية أخرى والجنسية الإسبانية تسهل له العمل في بلد أوروبي آخر أو على الأقل كما يقول تنهي كابوس تجديده لبطاقة الإقامة في كل مرة.

تراجع غير منقطع في طلب التجنيس

ويقول المسؤول القانوني على استقبال ملفات الجنسية بوزارة العدل الإسبانية quot;خوسي ماريا فريرquot; في حديثه لـ إيلاف بأن قانون الحالة المدنية الإسباني واضح فهو يسمح لكل مهاجر أو أجنبي مقيم على التراب الإسباني بطلب الجنسية الإسبانية بعد عشرة أعوام من إقامته الشرعية في البلد، وهذا القانون يطبق على كل الاجانب وليس العرب فقط، لكن القانون الإسباني يسمح لكل أجنبي وافد من أميركا اللاتينية بطلب الجنسية الإسبانية بعد عامين فقط من إقامته الشرعية والغير منقطعة في التراب الإسباني وهذا إستثنائي نظراً للروابط التاريخية والحضارية كما يقول المسؤول بأنه بين مملكة إسبانيا ودول أميركا اللاتينية علاقات تاريخية عريقة، ويقر بأنه ليس هناك قانون خاص يستثني الجالية العربية المقيمة في إسبانيا رغم الإمتداد الحضاري بين إسبانيا و العالم العربي ويرى بان محاولة بعض الجمعيات و الأحزاب السياسية الإسبانية لم تستجب لها السلطات في تعديل قانون الحالة المدنية ليتيح الفرصة للحصول على الجنسية لأبناء الموريسكوس وهم مجموهة من المسلمين تم طردهم من الاندلس قبل 5 قرون ويرى بأن الأمر صعب جدا عند لشروع في التحقيق وإثبات إمتداد اصول هؤلاء الأحفاد.

ومن جهتها تقول quot;بيلار سيرياquot; رئيسة قسم إجراءات الجنسية لدى مصلحة الإيداعات بوزارة العدل الإسبانية بأن أغلب من يطلب الجنسية هم من أميركا اللاتينية و يمثلون نسبة 90 بالمائة من الملفات المودعة لدى وزارة العدل و السبب يرجع أساسا إلى تمتعهم بحق طلب الجنسية بعد عامين فقط من إقامتهم في إسبانيا عكس جاليات أخرى كالجالية العربية التي يجب عليها أن توفي بمدة 10 أعوام قانونية لطلب التجنس.

وتقول بيلار بأنه بعد تقديم الطلب ليس هناك إمتيازات في تعجيل ملفات المهاجرين الوافدين من أميركا الجنوبية بل القانون يطبق على الجميع و عليهم الإنتظار كبقية الجنسيات الأخرى مدة تتراوح مابين عامين إلى ثلاثة اعوام للحصول النهائي على الجنسية الإسبانية... وبصفتها تدير أهم مركز لإيداع ملفات طلب الجنسية ترى المسؤولة الإسبانية بأن هناك تراجع طفيف في طلب التجنس والسبب هو الأزمة الإقتصادية التي تعيشها إسبانيا إلى جانب تفضيل آلاف المهاجرين التوجه إلى دول أخرى أو العودة إلى أوطانهم.

وحسب الإحصائيات التي إستطلعت عليها إيلاف على مستوى مكتب التجنيس بمدريد فإنه خلال عام 2009 بلغ عدد ملفات طلب الجنسية الإسبانية بهذا المكتب نحو 39275 طلب و قد تراجع هذا العدد خلال عام 2010 ليصل إلى 33095 طلب و تتوقع السلطات الإسبانية تواصل تراجع ملفات طلب الجنسية خلال العام الجاري وقد لا يتعدى الرقم 26 ألف طلب بمدريد فقط حيث تم تسجيل نحو 6 آلاف طلب منذ بدء عام 2011.و حاليا يستقبل مركز التجنس بالعاصمة مدريد نحو 165 طلب يومي و قرابة ألفين طلب شهريا.

طريق الزواج يقود إلى الجنسية

تقول الإسبانية quot;روساquot; بأن هناك تلاعب بالقانون والمشاعر من قبل عدة أجانب وذلك من خلال عقد قرانهم مع إسبانيات بهدف حصولهم على بطاقة الإقامة ثم طلبهم للجنسية الإسبانية وهذا ما عاشته هذه الإسبانية التي تقول لـ إيلاف أنها تزوجت من مهاجر و بعد خمسة أعوام إتضح لها أنه إستغل مشاعرها للحصول على الجنسية الإسبانية. وتقول ان هناك المئات ممن واجه خلال السنوات المنصرمة نفس حالتها وتتوعد في حديثها بأنه ستلجأ لوزارة العدل لطلب إلغاء جنسية زوجها المهاجر الذي صار اليوم إسباني مثلها وتعلم جيدا أن الإجراءات جد صعبة ومعقدة كما أن عليها دفع مبلغ مالي في حالة إلغاء قرانها مع زوجها.

لكن أبوبكر مهاجر من السنغال يقول بأنه يجب ألا تعمم الظاهرة على كل الناس فقد تحدثت إليه إيلاف وهو يودع ملف طلبه للجنسية الإسبانية بعد أن اوفى بكل الشروط القانوينة وتزوج قبل عامين من إسبانية وهذا ما يمكنه من طلب التجنس بدون عراقيل بيروقراطية تواجه أجانب آخرين رغم أن مدة إقامته في إسبانيا لم تتعدى الخمسة أعوام لكن زواجه بإسبانية يتيح له الفرصة في طلب الجنسية بعد عامين من عقد قرانه.

ويقول بأنه تزوج عن حب بهذه الإسبانية وليس طمعا في الحصول على الجنسية و قد بدى لنا أنها تكبره سنا بكثير كما أنها رفضت الحديث معنا ولما علمت أننا جريدة عربية لم تمانع في إلتقاط صورة لها مع زوجها السنغالي الذي سيصبح إسباني بعد اشهر فقط.

ويضيف ابوبكر انه يعرف الكثير من اصدقائه ممن دفعوا مبالغ مالية تصل إلى 10 آلاف يورو من أجل عقد قرانهم مع إسبانيات والحصول على الجنسية فيما بعد... لكنه قال بإن القانون جد صارم في حالة إنكشاف الامر و قد يعرض إلى عقوبة مالية و حرمان المهاجر حتى من وثائق الإقامة، فالمغامرة على حد قوله تبقى مسموحة للعديد من الاجانب الذين في الحقيقة يستغلون الأزمة الإقتصادية و تواجد العديد من الإسبان في حالة بطالة للقيام بمتاجرة قران بهدف الحصول على الجنسية.

فشل مساعي حصول الموريسكوس على الجنسية الإسبانية

وشهد قانون الأحول المدنية الإسباني عام 1990 تعديلا في البند 17 إلى غاية 26، و على وجه الخصوص المادة 22.1 من قانون الأحوال المدنية التي أتاحت إمتيازا خاصا لحصول الأجانب الوافدين من دول أميركا اللاتينية وأندوراس والفيليبين وغينيا الإستوائية والبرتغال إضافة إلى السفارديم وهم يهود من اصل إيبيري عاشوا في إسبانيا و البرتغال وطردو منها في القرن 15 فبإمكان هؤولاء طلب الحصول على الجنسية الإسبانية بعد مكوثهم بطريقة شرعية في إسبانيا... بينما العرب و الجنسيات الأخرى فعليهم أن يجتازوا مدة عشرة سنوات إقامة شرعية لطلب التجنيس رغم أن تعداد الجالية العربية والمغربية على وجه الخصوص يجعلهم ضمن اهم الجاليات في إسبانيا.

لكنه منذ عام 2002 لم تنقطع محاولات مجموعة من أحفاد مسلمي الاندلس المقيمين في دول المغرب العربي في مطالبة الحكومة الإسبانية بتعديل قاون الأحوال المدنية و السماح لمن أراد منهم طلب الجنسية الإسبانية ومساواتهم بالحق الذي يتمتع به يهود السفارديم و حتى أحاد الإسبان المقيمين في دول أخرى اثبتوا بان اصولهم إسبانية... وقد إنتظر أحفاد الموريسكوس 5 قرون لرفع طلبهم خلال اشغال مؤتمر عقد في مدينة شوين المغربية بمناسبة ذكرى مرور 5 قرون عن طرد أجدادهم من بلاد الأندلس والذين عاشوا بعد ذلك في دول المغرب العربي.

وقد خاطب مؤتمر الموريسكو المنعقد في المغرب ملك إسبانيا العاهل خوان كارلوس لتعديل قانون الاحوال المدنية و تمكين احفاد الموريسكوس من إسترجاع جنسيتهم الإسبانية التي ضاعت في مرحلة طردهم من بلاد الاندلس و التي سبقتها محاكم التفتيش ومرسوم الملوك الكاثوليك الصادر يوم 14 فبراير 1502 الذي سن قرار طردهم و مصادرة أملاكهم في الاندلس و قد توجه الألاف منهم ممن نجى من المجازر إلى شمال إفريقيا سواء إجبارا أم طواعية و اليوم تبقى مساعي أحفادهم في كسب الجنسية الإسبانية مجرد حلم صعب المنال في ظل تجنب الدولة الإسبانية الإعتذار الرسمي على مجازر وحرب إبادة راح ضحيتها آلاف من أبناء الموريسكوس في بلاد الاندلس قبل 5 قرون مضت.