بلغت الحبكات الإعلامية في اليمن ذروة التهويل والتبجيل وتكبير الأحداث خلال الاحتجاجات التي خرجت في البلاد منذ شباط- فبراير الماضي. وشهدت الأسابيع الماضية حربا إعلامية يقودها خطباء المساجد ووسائل الإعلام الحكومية وكذلك الرئيس علي عبدالله صالح نفسه.
تجمّع يضّم مؤيّدين للرئيس اليمني علي عبدالله صالح |
كان اليمنأخيراعلى موعد معضربة إعلامية لم تكن لتمر مرور الكرام وإنشغل بها اليمنيون كثيرا. يتعلق الامر باخر تلكالحكايات التي انتشرت في البلاد مع بدء موجة الاحتجاجات، وهي الأغرب ربما على مستوى الوطن العربي إن لم تكن في العالم حيث تحدث أحمد الصوفي السكرتير الصحافي للرئيس اليمني علي عبدالله صالح عبر الهاتف لقناة الجزيرة على اعتبار أنه أحد الشباب المتواجدين ضمن مسيرة توجهت من quot;ساحة التغييرquot; صوب مقر رئاسة الحكومة.
المشاهدون في اليمن يعرفون جيدا صوت أحمد الصوفي ولم يشك أحد فيه على الإطلاق، حيث تحدث للجزيرة عن أن الشباب وصلوا إلى مجلس الوزراء وهم يحاولون اقتحام مكتب رئيس الوزراء وأخذ الوثائق، وأن الجنود استقبلوهم بالورود وان الشباب يرفعون الأعلام الآن ولم يوضح أي أعلام إلا في تصريح لاحق.
الصوفي ظهر مرتبكا وأحيانا كان يقول إن الجنود استقبلوا المتظاهرين بالأحضان وأحيانا أخرى يسأل المذيعة هل تسمعين الرصاص ويقول إن الجثث تملأ الشوارع، ثم يصف الرئيس صالح بأنه طاغية ويبدو أنه ربما قد فر إلى الخارج.
بعد أن انكشف أمر الصوفي اضطر للتصريح لوسائل الإعلام الحكومية وقال إنه تعمد تضليل الجزيرة والكذب عليها وأنه قال إن المعتصمين رفعوا راية الإخوان المسلمين، وأن الجزيرة لقنته ما يقول.
أخبار عجيبة
وكانت الأسابيع الماضية قد شهدت حربا إعلامية يقودها خطباء المساجد ووسائل الإعلام الحكومية وكذلك الرئيس علي عبدالله صالح نفسه.
بدأت الحكايات منذ وقت مبكر حيث بدأ الإعلام الحكومي ببث خبر مفاده إن شابا من عمران انتحر بعد أن كان قد هدد بالانتحار إذا تنحى الرئيس، وحين بثت قناة الجزيرة خبرا إن الرئيس صالح سيتنحى انتحر الشاب وذلك بعد مذبحة 18 مارس/آذار في اتفاق تم بينه وبين المشترك والقيادي العسكري علي محسن الأحمر وبحضور السفير الأميركي.
حينها تم توجيه تهمة جنائية لقناة quot;الجزيرةquot; وجاءت قنوات التلفزة الرسمية بمحام يؤكد أن الحادثة جنائية وتتحمل مسؤوليتها قناة الجزيرة بشكل مباشر، ثم ظهر أحد أقارب الشخص بعد أيام وقال إن الانتحار كان لأسباب شخصية.
خبر آخر لحادثة أخرى مشابهة تحدثت عن إن تصريح وزير الخارجية القطري لقناة الجزيرة بأن المبادرة الخليجية تضمنت تنحي الرئيس خلال شهر تسببت في وفاة شخص في ذمار بسكتة قلبية بعد سماع الخبر.
الجديد في هذا السوق كان خلال الأيام القليلة الماضية والذي تحدث عن إن فتاة في محافظة الضالع انتحرت بسبب رفض والدها مغادرة ساحة التغيير بصنعاء.
قبلها وبنفس الكيفية قال الإعلام الرسمي إن فتاة في السادسة عشرة من العمر أقدمت على شنق نفسها في محافظة حجة بعد سماعها خبرا من قناة الجزيرة عن أن الرئيس سيتنحى من منصبه لنائبه عبدربه منصور هادي عملا بالمبادرة الخليجية.
قتلوه ثم أحيوه في أسبوع
حكاية أخرى عن عجوز أظهرته قنوات التلفزة الرسمية يجرجره عدد من المتظاهرين، فوضعت له تلك القنوات موسيقى تصويرية حزينة وأعلن أنه توفي من قبل الإعلام الرسمي ومن قبل نائب وزير الإعلام ثم الرئيس صالح وكذلك خطيب الجمعة الذي صلى عليه صلاة الغائب مع جموع مساندي الرئيس.
الفضيحة كانت أن الرجل لم يمت، وأظهرته بعد أيام قناة quot;سهيلquot; المعارضة على إنه قاتل وأنه قام بقتل عدد من المتظاهرين جوار المدينة الرياضية في 27 إبريل/نيسان، فيما تكفلت القنوات الحكومية بإظهار عجوز آخر ينفي أن العجوز في القناة المعارضة هو المعني باللقطة وأنه هو الذي ظهر يتم جرجرته وأعلن وفاته.
بعدها جاءت جمعة قطع اللسان التي تحدث عنها خطيب الجمعة والرئيس صالح وتم اتهام المشترك في حادثة قطع لسان شاعر شعبي يدعى وليد الرميشي حتى قبل أن يتم التحقيق في الحادثة، وعجز الكثير من الناس عن معرفة سبب قطع لسان الرجل بينما نقل حديث على لسان قريب له إن المشكلة شخصية مع أناس عاديين، ثم نقل للعلاج في الخارج ولم تكشف الحقيقة بعد، في حين لا تعرف له أشعار مساندة أو معارضة أساسا.
ولا يتوقف الإعلام الرسمي بما فيهم الوكالة الحكومية للأنباء quot;سبأquot; عن بث الأخبار من طرف واحد ولا يتم الحديث عن سقوط قتلى أو أحداث ويكتفون بنشر أخبار تقول إن المشترك يقتل أعضاءه لكي يتهم الجانب الحكومي، وغير ذلك من التهم المكررة.
واستغل الإعلام الحكومي الخبر الذي وزعه مكتب الناشطة الحقوقية توكل كرمان بأنها اختيرت ضمن قائمة 100 شخصية أكثر تأثيرا في العالم تنشرها مجلة تايم حيث ظهر أن الخبر غير صحيح وأن القائمة لم تضم الناشطة، فتم تداول الخبر في الوسائل الحكومية بشكل واسع.
غرف نوم واختلاط
في الطرف الآخر اعتبر تصريح محمد قحطان الناطق باسم أحزاب اللقاء المشترك عقب مجزرة 18 مارس/آذار التي قتل فيها أكثر من 52 شخصا، اعتبرت التصريحات قاصمة لظهر الثورة التي كانت على وشك النجاح كما يتحدث العامة.
قحطان قال حينها لقناة الجزيرة إن الشباب سيزحفون إلى القصر الرئاسي وإلى غرف الرئيس علي عبدالله صالح، فاستغل الرئيس صالح وحزبه المقولة ليتم الترويج لها بين القبائل إنهم سيزحفون إلى غرف النوم وهو أمر اعتبر معيبا، وهو ما جعل الكثيرين يخرجون لمساندة صالح.
في المقابل وقع الرئيس علي عبدالله صالح في فخ الحديث عن النساء حيث تحدث في أحدى خطبه أمام جموع كبيرة من أنصاره عن وجود اختلاط بين الرجال والنساء في ساحة الاعتصامات أمام جامعة صنعاء.
الأمر أثار سخطا واسعا وتم استغلاله من قبل المعارضين لصالح بشكل واسع وخرجت مسيرات نسوية كبيرة في كثير من محافظات اليمن.
يقول الإعلامي أحمد الزرقة إن quot;صالح ونظامه لا يتورعان في تصوير اليمنيين واليمنيات في ساحات التغيير على أنهم مجموعة بلا أخلاق، تلك الوسائل تكشف حالة الإفلاس السياسية والأخلاقية للطبقة الحاكمةquot;.
وأضاف الزرقة لـ إيلاف: quot;أن يكرس رأس النظام خطاباته السياسية للنيل من أعراض اليمنيات وأن تلقى تلك الإساءات ترحيبا هائلا من وسائل الإعلام الرسمية والحزبية التابعة للحزب الحاكم التي تبادر لنشر الإساءات وفبركة الأخبار حولها، فذلك يستدعي وقفة جادة ومسؤولة من جميع اليمنيين مواطنين وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني وصحافيين لمواجهة ذلك الإسفاف الأخلاقي، وملاحقة المسيئين للإعراض بكافة الوسائل والسبل القانونية وإدانة تلك التصرفات الهمجيةquot;.
وتابع: quot;الرئيس اعتبر تصريحات محمد قحطان عن الزحف للقصر الرئاسي وغرف الرئيس عيبا اسودا وكلام غير حصيف واستخدمه لاستدرار عطف أنصاره، يصبح كلامه ممجوجا أمام اتهام الرئيس صالح للمعتصمين في ساحة التغيير بالاختلاط وما يترتب عليه، ويصبح كلاما غير لائق مقارنة بما ينشره الإعلام الرسمي من اتهامات للنساء اليمنيات في شرفهن وبعضها يعد جريمة قذف وسب علني، واستخدام قذر للزج بأعراض اليمنيات في الصراع السياسيquot;.
كثيرة هي الأخبار الكاذبة التي تم تداولها من بينها وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني بحادث مروري، في حين لازال الطرف الآخر من المعادلة ينشر وثائق صرف أموال وأسلحة ويتم نفي بعضها من قبل الإعلام الرسمي.
آخر تلك المواد المثيرة للسخرية هو تقديم رئيس كتلة الحزب الحاكم في البرلمان سلطان البركاني للرئيس في مهرجان الاسبوع الماضي، اذ قال البركاني quot;نبقى مع كلمة الصادق الأمين.. الرئيس علي عبدالله صالحquot;.. ولكم أن تتخيلوا ردة الفعل.
التعليقات