كان الغرض من خطاب الرئيس أوباما الأخير هو طمأنة العرب التواقين إلى الحرية إلى أن أميركا تقف إلى جانبهم. لكن الخطابة شيء وإتباع القول بالعمل شيء آخر.. لأسباب تتعلق بتوقيت ثورات المنطقة بالتلازم مع مصاعب أميركا الاقتصادية، ونوع الخيارات الصعبة المطروحة الآن.


مصريون يتابعون خطاب أوباما في أحد مقاهي القاهرة

واشنطن: بعد ستة أشهر من محاولات البيت الأبيض التوفيق بين مصالحه في ربيع العرب والقيم الأميركية، سعى الرئيس باراك اوباما في خطابه الخميس إلى الحديث عمّا يحدث في المنطقة من وحي الثورة الأميركية وحركة الحقوق المدنية.

ولكن، بينما ناشد الرئيس الشعوب العربية التمسك بحق تقرير مصائرهم، باعتباره السبيل الى السلام والازدهار، فقد ترك الباب مفتوحًا في ما يتعلق بالمدى الذي سيذهب اليه في نوع الدعم المالي الذي سيقدمه من أجل التغيّر الدائم في منطقة يأتي فيها الفقر نتاجًا مباشرًا للقمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وقد تحدث أوباما عن دمج شرق أوروبا بعد انهيار الشيوعية في الغرب كنموذج يحتذى. وحثّ الكونغرس على إنشاء صناديق استثمارية، تنشط خصوصًا في تونس ومصر، وضمنيًا في الدول العربية الأخرى التي يُتوقع سقوط طغاتها.

وقال: laquo;التحول الديمقراطي الموفَّق يعتمد على توسيع رقعة النمو والازدهار العريض القاعدةraquo;. على أننا لا نعيش في العام 1989. وفي السياسة الدولية، فإن مسألة التوقيت هي الأهم، كما هو الحال في الحياة عمومًا. والمشكلة الآن هي أن ربيع العرب الساعي إلى الحرية والديمقراطية يأتي في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة ضيق ذات اليد بشكل غير مسبوق، وتعاني فيه أوروبا أيضًا أزمة مالية طاحنة.

وكما أوضح المسؤولون المصريون في مجالس خاصة في واشنطن، فإن تخفيف أوباما عبء ديون بلادهم بمليار دولار مع مليار دول أخرى لتمويل إصلاح البنية الأساسية لا يمكن أن يوصف بأنه laquo;مشروع مارشالraquo;.

وفعلاً فقد أقرّ بعض كبار مسؤولي الإدارة الأميركية بعد خطاب اوباما بأن الواقع هو أن واشنطن، ببساطة، لا تملك نوع المال اللازم لمشروع كهذا.

وقال ستيفن كوك، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، لصحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; إن المساعدات الأميركية المقدمة لمصر laquo;شحيحة، ولا شك في هذا. مليارا دولار لا شيء يُذكر بالنظر الى ديونها الخارجية، التي تربو على 30 مليارا، لكن من الواضح أن يد واشنطن قصيرة، رغم أن العين بصيرةraquo;.

وتزداد حدة المشكلة بشكل خاص بسبب غياب مؤسسات في العالم العربي، على غرار الاتحاد الأوروبي، الذي صار كالمغناطيس، بالنسبة إلى دول شرق أوروبا، بعد انعتاقها من فلك موسكو، واختيارها تبني المؤسسات الرأسمالية الديمقراطية. ولكن حتى في حالات موفَّقة، مثل بولند، فقد استغرق الأمر زمنًا طويلاً ومؤلمًا. ومع ذلك، فقد وضع هدف الانضمام إلى الصف الغربي وسط تلك الدول حداً للجدل السياسي حول التوجه وطبيعته على الأقل.

من هذا الأساس يمكن القول إن الرئيس الأميركي والقادة الغربيين سيتسابقون الى laquo;الإتيان بشيء ماraquo; في قمتهم الباريسية خلال الأسبوع المقبل. لكن فريق اوباما يقول إنه ليس من داع لخطة مارشال بالنسبة إلى مصر في المقام الأول.

وقال أحد كبار مستشاريه الاقتصاديين: laquo;ما نراه في الاقتصاد المصري هو الخلل، وليس نوع الانهيار الكامل الذي ساد أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ما يلزم للصريين هو تفعيل القطاع الخاص وفتح الاقتصاد أمام التجارة والاستثمار وخلق الوظائف للعاطلينraquo;.

ولا شك في أن المساعدات التي تحدث عنها اوباما رمزية الى حد كبير، وتمثّل محاولة لـlaquo;إظهارraquo; أن الولايات المتحدة راغبة بالمساهمة في التغيّر الاقتصادي بالقدر نفسه الذي أظهرت به استعدادها لدعم الرئيس المخلوع حسمني مبارك.

وقد اختار أوباما كلمات خطابه بعناية ليوضح بجلاء أن الدعم الاقتصادي مربوط برغبة مصر في سيادة الديمقراطية. وهذه رسالة مشفّرة مفادها أنه في حال صار الإخوان المسلمون التيار الكاسح في البلاد، فإن هذا الدعم قد يتوقف تمامًا.

لكن هذا بحد ذاته أكثر من مجرد الجزرة والعصا الاقتصاديتين. فبعد ستة أشهر من تقديم محمد بوعزيزي حياته احتجاجًا على البطالة والفقر مشعلاً بذلك فتيل الثورة التونسية، ينظر أوباما بقلق مبرر إلى أي فراغ سياسي يمكن أن ينشأ في المنطقة ويرغب في أن يُسدّ بأسرع وقت ممكن.

وبالنظر إلى أن مصير الثورات في ليبيا واليمن وسوريا لم يحدد بعد، كان يُتوقع لأوباما أن يشدد بجلاء على أنه يقف يدًا بيد مع أولئك المطالبين بالتغيير، وأن يضع ربيع العرب في مرتبة الثورة الأميركية قبل 235 عامًا. وقد فعل هذا بالضبط حين قال: laquo;قامت الولايات المتحدة الأميركية على أساس الإيمان بأن يحكم الشعب نفسه بنفسه. ولن نتردد الآن في الوقوف جنبًا إلى جنب مع أولئك الذين يتطلعون لنيل حقوقهم، متيقنين من أن نجاحهم في هذا سيعود على العالم بمزيد من السلام والاستقرار والعدالةraquo;.

والواقع أن إشارة أوباما إلى القيم الأميركية التقليدية يوم الخميس تردد، وبشكل متعمد، صدى خطابه الشهير في القاهرة العام 2009 حين نادى ببدايات جديدة بين العالم الإسلامي وأميركا. لكن الأمر كان نظرياً وقتها. أما الآن فهو يجد أمامه خيارات صعبة.

فعليه أن يعثر على وسيلة يدعم بها المتظاهرين في البحرين بدون إطاحة حكومتها التي تستضيف أسطوله الخامس.

وعليه أن يبقي على السعودية داخل المعسكر الأميركي في الوقت نفسه الذي يشجّع فيه على إصلاحات قد يرى فيها بعض أفراد العائلة المالكة مساعدة على الانتحار السياسي.

فوق ذلك، عليه أن يجعل من الدول العربية التي تنفذ إلى سماء الحرية والديمقراطية منارات يهتدي بها الآخرون.. وهذه مهمة شاقة حتى في الظروف العادية.. دعك من وقت الشدة الاقتصادية هذا.