الفتنة الطائفية ساهمت في هدم روابط الكثير من الأسر العراقية

بدأت ظاهرة الطلاق القسري القائم على خلفية طائفية تنحسر في العراق، بعد انتشارها بشكل لافت في السنوات الماضية. وتركّزت حالات الطلاق الطائفي آنذاك في مناطق النزاع الداخلي، وتحديداً خطوط التماس الطائفي. ويقول البعض إن أجندة خارجية وتحريضات المسلّحين الآتين من الخارج تقف وراء ذلك.


بغداد: بعد انتشار ظاهرة الطلاق القسري لأسباب طائفية بين العراقيين بشكل ملحوظ بين الأعوام 2003 و2009، بدأت اليوم بالإنحسار بشكل تدريجي.

وعبّر الكثير من الأزواج الذين فرّقتهم الاختلافات الطائفية، عن شعورهم بالندم، وهم يعونأن ما حدث كان استجابة لظروف أمنية وسياسية طارئة وفتنة طائفية عصفت بالبلد.

لكن الأمر يتطور بصورة إيجابية، حتى إن زيجات من مذاهب مختلفة تجد مكانًا لها في بغداد ومدن أخرى، في دلالة واضحة على أن العراقيين تجاوزوا مرحلة الاحتقان الطائفي.

وكان مصير النساء في العراق في وقت من الأوقات مصدر قلق، ليس بسبب الطلاقات الطائفية فحسب، بل بسبب عمليات القتل والاغتصاب والاختطاف لأسباب طائفية أيضًا. وتركزتغالبية حالات الطلاق الطائفي في مناطق النـزاع الداخلي، التي تضم خليطًا من مذاهب مختلفة، لاسيما عند خطوط التماس الطائفي.

ففي مناطق اللطيفية وشمال المحمودية والكثير من مناطق جنوب بغداد وديالى، التي تضم مواطنين عاشوا لفترة طويلة متحدين ومنصهرين في بوتقة عائلية وعشائرية من مختلف الاطياف، لاسيما السنة والشيعة، حدث الكثير من حالات الانفصال والتشرذم العائلي.

ولعل أشهر حوادث الاغتصاب التي أرجعتها وسائل الإعلام الى أسباب طائفية... حادثة اغتصاب الفتاة صابرين، التي أثارت جدلاً في المجتمع العراقي والعربي، حين إدّعت اغتصابها في العام 2007 من قبل جنود عراقيين من مذهب آخر، لتصبح رمزًا من رموز الصراع الطائفي في العراق، مؤجّجة المشاعر ودعوات الثأر، وملقية مسؤولية ما حدث على طائفة معينة. وفي تلعفر، حدث الكثير من حالات الطلاق القسري في العام 2007، تزامنًا مع اتهام جنود أمن عراقيين باعتداء جنسي على امرأة من مذهب آخر أيضًا.

الشد الطائفي

بحسب الشيخ فيصل الكلابي، فإن ما حدث كان حالة طارئة، وهو انجرار وراء عنف طائفي فرّق بعض العوائل في هذه المناطق.

لكن الشيخ الكلابي يجزم بأن السبب وراء ذلك أجندة خارجية، لاسيما المسلحين الذين قدموا من الخارج من جنسيات من جنسيات مختلفة، وانجر بعض البسطاء وراء أفكارهم التحريضية ضد طائفة معينة. والكلابي الذي يضم quot;فخذهquot; العشائري، أفراد من الطائفتين السنية والشيعية، تنتابه السعادة لأن الشد الطائفي انحسر فيمعظم المناطق، ولم يعد ثمة من يحمل أفكار التطرف وكره الآخر.

ويروي الكلابي اكثر من حالة طلاق حدثت في قرى مدينة اليوسفية بسبب الطائفة او المذهب بعد العام 2003، واضاف: quot;لم نستطع لجم من ينجر وراء الموجة الطائفية بسبب الظروف السياسية والفوضى الأمنية التي رافقت ذلكquot;.

وفي العام 2004، أرغم مسلحون عائلة جاسم المحمداوي على طلاق زوجته، التي تسكن قضاء المحمودية، لأنها من مذهب آخر. لكن انحسار العنف والمسلحين مهّد للمحمداوي لمّ شم عائلته من جديد. وتحظى أم الأولاد اليوم برعاية خاصة من قبل أفراد الأسرة، الذين يجلّونها ويقدرونها، على رغم انتمائها إلى مذهب آخر.

وطيلة فترة حكم صدام حسين، كانت هذه المناطق في جنوب بغداد، التي تضم خليطًا من سنة وشيعة، تنعم بالأمن والاستقرار، وكانمعظم سكانها يعملون في مفاصل الدولة المهمة من جيش وتصنيع عسكري ومؤسسات أمن.

ولم يحصل يوماً، بحسب المحمداوي، أن سأل الشخص عن هويته الطائفية والمذهبية، بل إن ذلك كان أمرًا محظورًا، والاقتراب منه، ولو بالهمس او الكلام، أمر تعاقب عليه الدولة، اضافة الى انه كان يعد أمرًا شائنًا بعيدًا عن القيم والأخلاق والبوح به يسبب لصاحبه مشكلة كبيرة، فالعشائر المختلفة في هذه المناطق لا يحمل أفرادها مذهبًا واحدًا، بل إنمعظمهم خليط من مذاهب مختلفة منصهرة في بوتقة العائلة والأسرة والعشيرة.

يقول الباحث الاجتماعي عماد الزبيدي إن مناطق جنوب بغداد هي مناطق ريفية، وأكثر من تعرض الى العنف الأسري والطائفي هن النساء في تلك المناطق لأن المسلحين اتخذوا من هذا المناطق مأوى لهم للقيام بأعمال مسلحة. يضاف الى ذلك أنهم تزوجوا ببعض النساء هناك بعدما أقنعوا السكان أنهم مجاهدون جاءوا لإنقاذهم من الاحتلال.

تزوجت امينة صيهود من احد المسلحين، وانجبت منه طفلاً، لكن زوجها قتل في عملية مسلحة. وتقول امينة انمعظم المسلحين كانوا يحثون على الزواج الطائفي من المذهب نفسه، لأنهم يكفّرون المذاهب الأخرى. وأضافت: quot;اقنعونا بأن أبناء الطائفة الأخرى كفار جاءوا لغزونا والسيطرة علينا بتعاونهم مع القوا ت الأميركيةquot;.

الجدير بالذكر أن الطريق الدولي شمال مدينة المحمودية ومناطق اليوسفية وغرب الصويرة تشكل مثلثا اطلق عليه اسم quot;مثلث الموتquot; إبان سنوات الاقتتال الطائفي. وعلى الطرق الدولي، قتل الكثير من العراقيين من مختلف الطوائف.

ويفسر الزبيدي سيادة العنف في تلك المناطق الى أخطاء تسريح الجيش ومنتسبي مؤسسات الأمن وإغلاق معامل التصنيع العسكري، التي كانت تعيلمعظم أهل هذه المناطق، لاسيما فئة الشباب، فغالبية سكان هذه المناطق كانت كادرًا حكوميًا، إما ضباطًا صغارًا أو جنودًا متطوعين وجدوا أنفسهم فجأة عاطلين عن العمل، ومع تأثير التحريضين السياسي والطائفي شارك بعضهم في الأعمال المسلحة ضد الحكومة، وانجرف البعض منهم الى الاقتتال الطائفي كرد فعل على الحالة السلبية التي يعيشونها.

ومن أمثلة هؤلاء غازي ثجيل الساكن في قرية المحامدة التي تقع على الطريق الدولي الى العمق قليلاً باتجاه الصويرة، حيث طلق ثجيل زوجته، التي تسكن منطقة الشحيمية، وهي من المناطق التابعة لمحافظة واسط.

يقول غازي: quot;ظلت زوجتي طوال سنتين عند أهلها الذين ينتمون إلى مذهب آخر، لكنها عادت الى بيتها في العام الماضي، بعدما زالت أسباب ابتعادها. ويتابع: quot;لم يكن الأمر إلا استجابة لضغوط المسلحين الذين يقتلون من يعصي أوامرهم، اضافة الى انه في فترة من الفترات اقتنع البعض، وانا منهم، بسبب الدعاية الطائفية، بأن عليه الدفاع عن طائفته من قبل طائفة أخرى تريد ان تسلبه حقهquot;.

ويضيف: quot;أثبتت الأيام أن هذا الأمر مجرد إدعاء، فالعراقيون عاشوا طوال قرون متحابين، ودليل ذلك أن قريتهم اليوم تنعم بالسلام، وهي تضم عوائل من مذاهب مختلفةquot;.

الطلاق القسري

في مدينة ديالى وقراها في شمال شرق بغداد، حيث كان النسيج الطائفي يتناغم منذ القدم، لم يحدث ما يعكر صفو ابناء البلد الواحد الا بعد العام 2003 حين نجحت الفتنة الطائفية في هدم روابط الكثير من الاسر، ووجدت حالات الطلاق الطائفي أرضًا خصبة لها، وسجلت العشرات من حالات الطلاق القسري في شهرين العام 2005، بسبب انتماء الأزواج إلى طوائف مختلفة.

كما ادى نزوح العوائل لأسباب طائفية الى تفرّق الأسر أيضًا، فثمة نساء ورجال رفضوا الطلاق، وكحلّ مؤقت، قررت المراة الهجرة مع اولادها من مناطق التوتر الطائفي إلى حين استتباب الامن.

تقول الناشطة النسائية جليلة المتوكل ان ارتفاع معدلات الطلاق ألحق ضررًا نفسيًا بالنساء أكثر مما هو مادي، وفي بعض الأحيان عانى الاطفال (بسبب ذلك) ازدواجية الولاء المذهبي، وفي مثل هذه الحالات فإن الذكور غالبًا ما يلتحقون بالأب. أما الإناث فيرغبن في البقاء إلى جانب الأم، وتخلل ذلك نزاع أسري وطائفي لم يشهده العراق من قبل، لاسيما في القرى.

ففي قرية quot;ذيبةquot; على أطراف بعقوبة، قتلت امراة مع ابنتها لدواع مذهبية، ولرفضها الانصياع إلى رغبات الأب، الذي كان ينتمي إلى مذهب آخر.

وفي ديالى وبغداد، أسست ملاجئ لإيواء الأيتام من ضحايا الطلاق الطائفي، تضم أطفالاً من ديانات وطوائف مختلفة، كصورة من صور الاندماج الوطني بعد سنوات من الصراع.

على أن العنف الطائفي والطلاق الطائفي أو المذهبي القسري ينحسر نهائيًا في المناطق التي يسودها نسيج اجتماعي وعشائري متجانس، فمدن مثل الأنبار لم تحصل فيهاإلا حوادث نادرة بسبب الارتباط القبلي والعشائري الوثيق.

وتنظر المتوكل بأمل كبير إلى المستقبل الواعد للمرأة العراقية، بعدما أدرك الرجال والنساء أنهم من أبناء بلد واحد، مع انحسار الإرهاب، كما إن الدعاية الطائفية التي تحرّض على الفتنة لم يعد لها موطئ في النفوس، ومن دلائل ذلك - بحسب المتوكل - أنها كانت شاهد على حفلات زواج عراقيين من مذاهب مختلفة في بغداد، في إشارة إلى عودة الانسجام بين أبناء العراق.