الأطباء يتظاهرون لتحقيق مطالبهم

بعد سلسلة طويلة من الإعتصامات والمدّ والجزر لا تزال مطالب الأطباء المقيمين في الجزائر تراوح مكانها، في الوقت الذي أعلن فيه الأطباء إستمرار إضرابهم حتى تحقيق مطالبهم المشروعة كافة.


الجزائر: لا تزال حركات الإحتجاج التي يقوم بها الأطباء في الجزائر مستمرة للشهر الثالث على التوالي، وعلى الرغم من المشاورات الماراتونية بين ما يسمى quot;التكتل‭ ‬المستقل‭ ‬للأطباء‭ ‬المقيمين‭ ‬الجزائريينquot; ووزارة الصحة، إلا أن المستشفيات الجزائرية لاتزال تعاني حالة من الشلل ونقص الخدمات.

كما إن شبح السنة البيضاء (الإعتصام) بدأ يلوح في الأفق، في حال لم يتم استئناف الدراسةوالعمل في غضون أسبوع، وذلك حسب ما أعلن عميد كلية الطب في جامعة الجزائر قبل يومين موسى عوادة. في المقابل، دعا التكتل خلال اجتماع عقد في ولاية سطيف إلى مواصلة الإضراب وتنظيم وقفات احتجاجية في قسنطينة ووهران يوم 15 من الشهر الجاري.

وحسب تصريح كل من الدكتوررضوان‭ ‬بن‭ ‬عمر والدكتورة أسماء سعد جاب الله لـ quot;إيلافquot; فإن تاريخ هذه الحركة الاحتجاجية يعود إلى السابع من شهر مارس/آذار الماضي، عندما قامت فئة منالأطباء المقيمين، وهم أطباء على شهادة الدكتوراه، من بينهم أطباء الأسنان والصيادلة، يتابعون مسارهم التخصصي، وبصفته ممارسًا (أي الطبيب مقيم) فهو يمتهن مهنته بمعدل دوام عمل يصل إلى 44 ساعة أسبوعيا داخل المراكز الصحية الجامعية، إضافة إلى المناوبات الليلية بمعدل 4 مناوبات شهريا تمتد كل واحدة منها 24 ساعة.

البداية كانت تلويح بالإضراب ولكن

على حد قول بن عمر: quot;كانت البداية بتنظيم وقفات احتجاجية من قبل أطباء المستشفيات الجامعية في البلاد، الذين قدموا تلك المسودة كدليل لوقوف جميع الأطباء المقيمين وراء هذه الحركة، وقاموا بتسليم نسخة منها إلى وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات، وأخرى لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لكن أمام تجاهل السلطات المعنية لمطالب الأطباء، قاموا بتصعيد الحركة الاحتجاجية بتنظيم إعتصامين محدودين،دام الأول يومين quot;15 ـ 16 مارسquot;، والثاني دام ثلاثة أيام quot;21 ـ 22 ـ 23 مارسquot;.

قوات الأمن يردعون مجموعة من المتظاهرين

لكن السلطات المعنية حسب كلام بعض الأطباء لـ quot;إيلافquot; فضلت لعب دور المتفرج على الأحداث، عندها تم الدخول في إضراب مفتوح بداية من 28 مارس المنصرم، مع ملازمة ضمان الحد الأدنى من الخدمات الصحية.

وأمام الضغط الهائل الذي نتج من شلل معظم المستشفيات الجامعية في البلد بفعل الإضراب، جاء أول رد فعل من طرف وزارة الصحة، تمثّل في اقتراحتشكيل ثلاث لجان لدراسة مطالب المقيمين، لكن ndash; حسب قول الأطباء- quot;منذ اللحظة الأولى ثبت غياب النية للتفاوض الجدي والإصلاح من طرف‭ ‬المسؤولين‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،
‬مما أرغمنا على الانسحاب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللجان،‭ ‬التي‭ ‬تأكدنا‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬تشكيلها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬كسب الوقتquot;‭ .

ويتابع الأطباء: quot;كانت وزارة التعليم العالي قد أخذت على عاتقها التكفل بالانشغالات البيداغوجية والقانون الأساسي، التي تجسدت من خلال اجتماعات عقدت مع عمداء كليات الطب، وتمكنا من الوصول إلى الاتفاق على نقاط محددة، ووعدنا بالإمضاء والمصادقة عليها، ولكن للأسف تفاجئنا بتراجع غير‭ ‬مبرر،‭ ‬وبلغ الأمر إلى حد ‬التهديد والوعيد ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نوقف‭ ‬الإضراب‭.quot;

وإعتبر بن عمر وجاب الله أن التكتل المستقل للأطباء المقيمين لا يزال منفتحاً على كل مبادرة جدّية من شأنها الخروج من عنق الزجاجة، وإيجاد مخرج لهذه الأزمة التي أرهقت الجميعquot;.

نظام الخدمة المدنية مجحف وتمييزي

عن مطالب الأطباء، تؤكد الدكتورة ‬أسماء‭ ‬غربي‬والدكتورquot; ‬سيد‭ ‬علي‭ ‬مروانأنها تتمثل في أربعة محاور رئيسة، أبرزها ما يتعلق بمسألة الخدمة المدنية، وهو نظام اعتمدته وزارة الصحة الجزائرية منذ عام 1999، يلزم بموجبه الأطباء المتخصصون وحديثو التخرج بالعمل لمدة تتراوح بين سنة وأربع سنوات حسب المناطق في القطاع العام بهدف ضمان تغطية صحية للجميع.

لكن الواقع أثبتت الفشل الذريع لهذا النظام في تحقيق الغاية المنشودة، حسب ما يعتبر الأطباء، وأكدوا أن المواطن البسيط في المناطق الداخلية لا يستفيد من كفاءات الأطباء المختصين العاملين في إطار الخدمة المدنية، لافتقار المراكز الصحية أدنى الإمكانيات المادية والبشرية، التي تسمح لهم بأداء مهامهم على أكمل وجه، مما يجبر المريض للإنتقال إلى المدن الكبرى في حال سنحت له الفرصة، وهذا ما نراه يومياً داخل المستشفيات الجامعية التي تستقبل يوميًا الكم الهائل من المرضى المناطق الداخلية.

ويعتبرون من جهة أخرى أن نظام الخدمة المدنية عبارة عن إجراء تمييزي يتعارض مع الدستور الذي ينص على أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات،فيقولون: quot;في الفترة الممتدة من سنة 1984 إلى 1989 كانت كل الأسلاك المهنية خاضعة لهذا القانون، وتم إلغاؤه ليستأنف العمل به عام 1999 مقتصرة على الأطباء المختصين فقط، في حين أن الوطن يحتاجكل الكفاءات المهنية وليس المتخصصين فقطquot;.ومن مآخذ الأطباء على هذا القانون أيضًا أنه لا يراعي الوضع الأسري للطبيب المختص، مما يجبره لترك أسرته لفترة طويلة خلال مدة خدمته.

إستبدال الزامية الخدمة المدنية بسياسة صحية

وزير الصحة الجزائري جمال ولد عباس

ويضيفون quot;البعض يقول إن الدولة أخذت على عاتقها تكوين الأطباء الاختصاصيين مجاناً، وبالتالي هم ملزمون بتأدية هذه الخدمة، ولكننا نرد عليهم بالقول إن مجانية التعليم مضمونة لكل المواطنين الجزائريين، ونحن واعون بمسؤوليتنا نحو الوطن وجاهزون لخدمته، ولكن في ظل ظروف تمكننا‭ ‬من‭ ‬تأدية‭ ‬ما‭ ‬علينا،‭ ‬وبطرق‭ ‬عادلة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الإجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬التعسفية‭ ،‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬للمتخصص ‬كرامته‭ ‬كإنسان‭ ‬وكمواطن‭ ‬وكطبيبquot;. ‭

من أجل ذلك، طالب الأطباء بإلغاء إلزامية الخدمة المدنية، واستبدالها بسياسة صحية جديدة، تضمن التكفل الصحي اللائق والفعال لكل المواطنين على حد سواء، من خلالاستحداث فرص عمل للأطباء الأختصاصيين، موزعة على كل المراكز الصحية العمومية في ‬كل الولايات‭‬ومرفقة‭ ‬بإجراءات‭ ‬تحفيزية، مثل ‬إرسال ‬فريق‭ ‬طبي‭ ‬متعدد‭ ‬التخصصات،‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬كاف‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تخصص،و‬تسخير‭ ‬الإمكانات‭ ‬اللازمة‭ ‬للطواقم‭ ‬الطبية،‭ ‬التي‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬مهامها‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه،‬إلى جانب ‬توفير‭ ‬سكنات‭ ‬وظيفية‭ ‬لائقة‭ ‬للممارسين‭ ‬الأختصاصيين‭ ‬مجاورة‭ ‬لأماكن‭ ‬عملهم.‬ و‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الأجور‭ ‬حسب‭ ‬منطقة‭ ‬العمل‭.‬

أما المطلب الثاني فيتعلق‭ ‬بالقانون‭ ‬الأساسي،‬ وعن هذا الأمر يقول كل من الدكتور سيد علي والدكتورة أسماء إن: quot;الطبيب المقيم يخضع للقانون الأساسي الصادر منذ سنة 1996 والذي لم تتم مراجعته منذ ذلك الحين، هذا القانون يلزم المقيم على العمل حوالي 44 ساعة في الأسبوع، إضافة إلى المناوبات الليلية التي تمتد 24 ساعة بمعدل 4 مناوبات في الشهر، ويشمل هذا العمل النشاطات العلاجية، التأطير والتدريس ويتقاضى بموجب ذلك quot;منحة مساهمةquot; فقط.

من جانب آخر، فإن الطبيب المقيم مهدد بعقوبات تصل حتى الطرد النهائي في بعض الأحيان، وفي المقابل ليس له الحق في أجر كباقي العاملين معه في الحقل الطبي، ولا حتى في العلاوات والمنح المعممة على بقية الموظفين،‭ ‬حتى‭ ‬الإداريين‭ ‬منهم‭ ،‬كعلاوة‭ ‬الخطر‭ ‬وعلاوة‭ ‬العدوى‭ ‬وعلاوة‭ ‬التأطير،‭ ‬هذا فضلاً عما‭ ‬تعانيه‭ ‬المقيمات‭ ‬من‭ ‬حرمانهن‭ ‬من‭ ‬عطلة‭ ‬الأمومة. وهذا ما يعتبر تعدياً واضحا على أبسط‭ ‬حق‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان حسب الدكتورة أسماء.

ويضيف الدكتور سيد علي قائلاً quot;هل يعقل أن يسهر طبيب على راحة مرضاه طوال 24 ساعة متواصلة مواجهًا فيها مخاطر تهدد سلامته ومستقبله -خصوصًا في مصالح الاستعجالات- يقوم فيها غالبًا بدور الطبيب والممرض والمعالج النفسي والمسؤول عن نقل المرضى، وبعد هذا كله لا يستفيد حتى من راحة ما بعد المناوبة‭ ‬مقابل‭ ‬أجر‭ ‬لا‭ ‬يتعدى ‭‬ 10دولار، والذي‭ ‬لا‭ ‬يقبله‭ ‬أي‭ ‬عامل‭ ‬بسيط‭ ‬مقابل‭ ‬ساعات ‬عمل‭ ‬نهاريةquot;.

وانتقد الأطباء أسلوب التكوين الذي وصفوه بالمتدني، وذلك في معرض حديثهم عن quot;المطالب البيداغوجيةquot;، وهم يعتبرون أن quot;الطبيب خلال تخصصه في طور ما بعد التدرج لا يجد إلا صعوبات وأتعابًا ومستوى متدنيًا في التكوين، ما جعل شهادة التخصص في كلية الطب غير معترف بها دوليًا رغم كفاءة أطبائنا ورغم الطاقات المبذولة.

وطالب الأطباء في هذا الصدد بضرورة تحديث البرامج وتفعيل استخدام اللغة الانجليزية، التي تعتبر اللغة الأولى في العالم اليوم، حتى يتمكن الأطباءمن مواكبة آخر الاكتشافات العلمية، وكذا إعادة النظر في معايير التقويم الدورية التي يخضع لها المقيمquot;.

كماطالب الأطباءفي نقطة أخرى من سرد المطالب بضرورة الاستفادة من إجراءات الإعفاء من الخدمة العسكرية، خاصة أن quot;الطبيب لا يتم مشواره الطويل، إلا ببداية العقد الرابع من عمره، مع العلم أنه كان مستثنى من إجراءات الإعفاء التي شملت كل الجزائريين خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬وتسبب‭ ‬هذا‭ ‬المشكل‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬نزيف‭ ‬الأطباء‭ ‬خارج‭ ‬الوطن،‭ ‬معمقا‭ ‬بذلك‭ ‬النقص‭ ‬الفادح‭ ‬للأخصائيين‭ ‬داخل‭ ‬الوطنquot;. ‬

الوضع على حاله بعد 3 أشهر من إعلان الإضراب المفتوح

بعد مرور أكثر من 3 أشهر على بداية الإضراب المفتوح، يقول الدكتور مهساس سمير: quot;هذه الشريحة لا تزال في انتظار تلبية مطالبها، ورغم خروجهم في مسيرتين متتاليتين يومي10 و 08 حزيران في كل من الجزائر العاصمة ووهران، قوبلتا بالردع الوحشي من طرف السلطاتquot;.

يستغرب الدكتور مهساس ممثل التكتل عن ولاية سطيفمن صمت الوزارتين المعنيتين، وكشف بالمناسبة عن اجتماع وطني انعقد في سطيف، وقرر التكتل المستقل للأطباء المقيمين مواصلة الإضراب مع تنظيم وقفات احتجاجية مشتركة مع جمعيات الأمراض المزمنة في كل من الجزائر قسنطينة ووهران، وذلك يوم 15 حزيران، مع إعلانه يومًا مخصصًا للتبرع بالدم كرد فعل على الضرب الذي تعرض له الأطباءquot;.

من جانبه، اكتفى وزير الصحة جمال ولد عباس بالقول إن quot;وزارته استجابت لكل المطالب، وما تبقى منها فهو خارج عن صلاحياته، ويقصد بذلك الوزير مطلب الأطباء المتعلق بالخدمة المدنيةquot;، معتبرًا أن quot;هذا الأمر مرتبط بقوانين الجمهوريةquot;.