لم تنجح المعارضة الجزائرية صباح اليوم السبت، في السير وسط العاصمة، مثلما لم تفلح محاولات دعاة التغيير في تجييش الشارع الذي فضل الكثير من أطيافه التزام التحفظ.

فيما انتشرت قوات الشرطة بكثافة واعتقلت العشرات من المتظاهرين، بينما أكدت مصادر لـquot;إيلافquot; أنّ فصيل المعارضة ينوي تنظيم إضرابا عامًا، وتحريك مسيرات عبر المحافظات لتجسيد رهانها القاضي بالتغيير السلمي لنظام الحكم.


كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف صباحًا بالتوقيت المحلي (10:30 غرينيتش) حينما تجمّع المئات في ساحة الفاتح مايو في قلب العاصمة، في مظاهرة دعت إليها quot;التنسيقية الوطنية للديمقراطية والتغييرquot;، ورفع منظموها شعار quot;تغيير النظامquot; في الذكرى التاسعة عشر لحالة الطوارئ.

وخلافًا لما حصل قبل 20 يومًا، حينما اقتصر الأمر على ناشطي الحزب العلماني المعارض quot;التجمع من أجل الثقافة والديمقراطيةquot;، شهدت مسيرة اليوم زخمًا أكبر بانضمام قياديين في حركة الإصلاح الإسلامية والحركة الديمقراطية الاجتماعية (الحزب الشيوعي) وحتى وجوه معروفة في حزب الغالبية quot;جبهة التحريرquot; وأخرى محسوبة على تيار رئيس الوزراء السابق quot;علي بن فليسquot; كانوا بين الحاضرين، لكن بصفتهم الشخصية، فضلاً عن شخصيات حقوقية، كعلي يحيى عبد النور، ومصطفى بوشاشي، وفضيل بومالة وشريفة خضّار، وفنانين مثل quot;ماسينسا كاتبquot; وquot;صافي بوتلةquot;، ليكتمل المشهد بالتحاق quot;علي بلحاجquot; الرمز البارز في جبهة الإنقاذ المحظورة رفقة العشرات من أتباعه.

بيد أنّ الجدار الأمني الكثيف الذي فرضته ترسانة مؤلفة من ثلاثين ألف شرطي، لم يمكّن المحتجين من مغادرة المربعات التي جرى محاصرتهم داخلها، فاكتفى هؤلاء بترديد هتافات quot;مسيرة سلمية، الشعب يريد إسقاط النظام، لا للعنف- نعم للتغيير السلمي، لا لنظام الفساد، أين العدالة والكرامة في جزائر الشهداءquot;.

على نحو خاطف، شرع عناصر الأمن بالزيين المدني والرسمي في إيقاف المتظاهرين، حيث شوهد العشرات من الشباب والكهول والنساء وهم يتعرضون لحملة اعتقالات، ليحتدم الموقف أكثر بعد احتجاز أربعة نواب وإيقاف الناشط الحقوقي quot;فضيل بومالةquot;. وأكّد شهود أنّ الشرطيات قمنّ باعتقال ما يزيد عن الخمسين من مواطناتهنّ، كما سُجّلت حالات إغماء وإصابات طالت عشرين شخصًا، وسط تململ امتدّ إلى حدود منتصف النهار.

وكانت العلامة الأبرز، لحظة انضمام quot;علي بلحاجquot; الرقم الثاني في الحزب الإسلامي المحلّ quot;جبهة الإنقاذquot; إلى المظاهرة، حيث شكّل بلحاج رفقة مؤيديه طوقًا متلاحمًا مع نظرائهم العلمانيين، علمًا أنّ بلحاج تعرّض للإيقاف نهار الجمعة، وظلّ رهن الحجز التحفظي إلى آخر ساعات الليل.

في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، قال quot;محسن بلعباسquot; الناطق باسم quot;التجمع من أجل الثقافة والديمقراطيةquot; إنّ المسيرة حققت أهدافها، رغم القمع ومحاولة السلطات quot;تغليطquot; الرأي العام على حد قوله، معلّقًا بشأن انسحاب الحزب اليساري quot;العمالquot; والنقابة المستقلة quot;السنابابquot; وكذا الحركة الشبابية quot;راجquot; من المسيرة، أنّ ذلك quot;محض تدليسquot; أريد من ورائه زرع التشويش وإشاعة انطباع مغلوط عن عدم انسجام قوى المعارضة.

وتوعدّ بلعباس بالذهاب بعيدًا في خطة الاحتجاجات وتوسيع نطاقها، وعدم التوقف عند منعطفي 22 يناير/كانون الثانيو12 شباط/فبراير، إذ كشف عن تفكير جار في مخطط لشنّ إضراب عام وتنظيم مسيرات عبر المحافظات الـ48.

بدوره، أكّد quot;علي يحيى عبد النورquot; عميد الحقوقيين الجزائريين على حاجة الشارع في الجزائر للتنفيس عن مكبوتاته، مبديًا حزنه لرفض السلطات استلام رسالة المتظاهرين وإجهاض مسيرة سلمية بذريعة quot;عدم المساس بالاستقرارquot;، وهو quot;عذر أقبح من ذنبquot; على حد تعبيره.

وجزم علي يحيى (93 عامًا)، أنّ استمرار السلطات في الانغلاق والتضييق على مواطنيها لن يحل شيئًا، بل سيزيد من تأزيم الأمور، محذرًا من مغبة التستر على فضائح التلاعب بالمال العام والتحايلات التي صارت عنوانًا كبيرًا بحسبه لجزائر 2011.

من جانبه، أوضح مصطفى بوشاشي رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أنّ النظام خيّب الآمال بامتناعه عن التعاطي على نحو إيجابي مع مواطنين خرجوا للتظاهر بشكل سلمي.

وبشأن حديث الرئيس عبد العزيز بوتفليقة برفع حالة الطوارئ في أقرب الآجال، وصف بوشاشي أنّ الخطوة ليست بالحازمة، متسائلاً quot;كيف يمكن رفع حالة الطوارئ، ويتم عزل عاصمة البلاد عن باقي المناطق، بمبرر حفظ النظام العام؟quot;.

في غضون ذلك، يرى مراقبون أنّ قوى المعارضة لم تفلح في تحقيق الهدف الرئيس الذي سطرته، وهو استمالة الشارع وكسر حاجز الخوف، ورغم أنّ المسيرة المُحبطة أتت بعد ساعات من انتصار الشعب المصري على نظام بلاده وإطاحته بالرئيس المخلوع quot;حسني مباركquot;، إلاّ أنّ هذا المعطى لم تظهر انعكاساته إيجابًا على صعيد التعبئة، ووجد منظمو المسيرة أنفسهم وحيدين في إحدى زوايا ساحة الفاتح مايو.

وبدا واضحًا أنّ سكان الجزائر العاصمة، بما فيها الأحياء الموصوفة بـquot;الساخنةquot; على غرار بلوزداد، والقصبة، وباب الوادي وغيرها، لم يظهروا تجاوبًا مهمًا مع نداءات المعارضة. وأكّد كل منquot;إلياسquot; وهو تاجر أثاث، وبن يوسف الموظف في إحدى الإدارات الحكومية، إضافة إلى حمزة، والصديق، وعمار، وهم شباب حديثو السن، أنّهم لا يشعرون بحماسة تجاه الذي حدث هذا الصباح، أو ما يمكن أن يحدث في الأيام المقبلة.

معتبرين أنّ الجزائر رغم (انفجاريتها) ليست تونس أومصر، ولها خصوصيتها، وثمة تراكمات تطبع واقع بلد خرج لتوّه من حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس، وأودت بحياة ربع مليون شخص، ناهيك عن آلاف المعطوبين والمفقودين وخسائر زادت عن العشرين مليار دولار.