يُمارس المسيحيون الجزائريون عقيدتهم في جو من الحرية شرط أن لا تتعرض ممارستهم تلك مع قانون تنظيم ممارسة الشعائر الدينية في البلد، وهو قانون يهدف للحد من التنصير. ويعدّدُ مهتمون لـ(إيلاف) شواهد تنفي ما يُروج من مزاعم التضييق على المسيحيين في الجزائر.


كنيسة السيدة الإفريقية التي أعيد افتتاحها بالجزائر مؤخرا

الجزائر: خلافا لما يطبع راهن المسحيين في مصر والعراق، تحظى الطائفة المسيحية في الجزائر بكثير من الترحاب والتسامح والحرية أيضا، وتعدّد مراجع محلية تحدثت لـquot;إيلافquot; شواهد تنفي ما يُروج من مزاعم التضييق على المسيحيين في الجزائر، وتبرز تمتعهم بهامش واسع يمكنهم من ممارسة شعائرهم تماما مثل المسلمين الذين يمثلون الغالبية الساحقة هناك.

تختلف الآراء حول أعداد المسيحيين في الجزائر، فيشير الباحث محمد العربي منقلاتي لـquot;إيلافquot; إلى أنّ عدد المسيحيين بالجزائر يبلغ حوالي 12 ألفاً، يتوزعون على المذهبين الكاثوليكي والبروتستانتي، إلى جانب مجموعة قليلة من أتباع شهود يهوه، ويمثل المسيحيون بالتالي أقلية في مجتمع محلي قوامه 36 مليوناً.

بينما يقول عدة فلاحي المتحدث بإسم وزارة الأوقاف الجزائرية في مقابلة مع quot;إيلافquot; إنّه quot;لا توجد أية إحصائيات لأتباع الديانة المسيحية، معتبرا أنّ غالبية هؤلاء هم من الأجانب الذين يأتون إلى الجزائر في إطار سياحة أو عمل وحتى الدراسة، وصاروا مع الوقت جزءاً من تركيبة المجتمع الجزائري لا سيما بالنسبة لأولئك الذين اختاروا الإستقرار نهائياًquot;، ويخص بالذكر الآسيويين كالصينيين والكوريين، إضافة إلى الهنود، والأفارقة أيضاً.

وينتقد فلاحي إقدام بعض الهيئات الدولية على إعطاء أرقام في الهواء لأعداد المسيحيين في الجزائر، quot;وتوظيفها مثلما يحلو لها، منبّها إلى أنّه في الجزائر يستحيل أن تتعرف على من يتبع الديانة المسيحية، لأن الناس لا يعلنون عن إنتماءهم الديني ويعتبرونه أمراً شخصياً، تماماً مثل الجزائريين الذين إعتنقوا المسيحية وعددهم محدود جداًquot; على حد تعبير فلاحي.

حرية العقيدة

نظراً لقلة عددهم، يبرز السؤال عن مدى تمتع المسيحيين بحقهم في أداء الشعائر الدينية والإعلان عن عقيدتهم، فيعترف القس مصطفى كريم رئيس الكنائس البروتستانتية في الجزائر، أن quot;الضغوطات التي كانت تمارس على الطوائف المسيحية قد زالتquot;، مشيراً إلى أن quot;جميع الطوائف تمارس عملها في ظروف حسنةquot;، وإن أبدى قلقه من quot;استمرار عدم رد السلطات على ملفات خاصة بإعادة فتح كنائس في البلادquot;، وهو ما أرجعته مصادر مطلعة إلى عدم تطابق نشاط تلك الكنائس مع القوانين الجزائرية السارية المفعول، وجرى إعلام القساوسة بالأمر، وشدد مسؤولون على أنّه لن يمكن إعادة فتح هذه الكنائس إلا بعد تسوية وضعيتها قانونياً.

ووفقا لقانون تنظيم ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين الصادر في 28 فبراير- شباط 2006، طالبت الحكومة الكنائس البروتستانتية التكيف مع القانون المذكور، على أن تتم الممارسات الجماعية للشعائر الدينية في البنايات المخصصة لذلك دون غيرها وتكون عامة وظاهرة المعالم من الخارج، كما نص القانون المذكور على منع كل كلمة أو كتاب أو وسيلة سمعية بصرية تحتوي على استفزاز أو إغواء هدفه تحويل المسلم لديانة أخرى.

عند البحث في خارطة المسيحيين في الجزائر، تشير إفادات إلى أنهم ينتشرون في سبع مدن كبرى هي: الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة وتيزي وزو وعنابة وبجاية وسكيكدة، كما يُشار إلى وجودهم في مناطق أخرى كالصحراء على غرار مدينة تميمون الجنوبية.

ويبرز الباحث منقلاتي في دراسة أكاديمية أنهم يتوزعون على ستة تنظيمات هي: الجمعية الأسقفية الجزائرية واللجنة المسيحية للخدمة وجمعية الكنيسة البروتستانتية وجمعية الطوائف الدينية الكاثوليكية والبعثة السبتية لليوم السابع والجمعية النسائية لجمعية بعثات الكنيسة الميتودية الموحدة. في حين تشير مصادر مطلعة إلى وجود 16 جمعية ذات طابع تبشيري في الجزائر، ينشط على مستواها نحو مئتي راهب وراهبة، مما ينتج عنه اعتناق 150 جزائريا للمسيحية كل عام.

الكنائس تتحول إلى مساجد

يتوقف منقلاتي في بحثه عند حجم الهامش الذي ظلّ متاحاً للمسيحيين في الجزائر منذ سيتينيات القرن الماضي، حيث أحصى 327 كنيسة كانت تستوعب نحو سبعة آلاف مسيحي ممن فضلوا البقاء في الجزائر بعد زوال الإحتلال الفرنسي. والمثير أنّ عدد الكنائس بعد إستقلال الجزائر كان يتجاوز عدد المساجد التي لم تتجاوز 116 مسجداً لما يربو عن ثمانية ملايين مسلم، بيد أنّ العشريات الأربع المنقضية شهدت تحويل عدد من الكاتدرائيات إلى مساجد.

عدة فلاحي المتحدث بإسم وزارة الأوقاف الجزائرية

وللدلالة على قدر الحرية المُتاح للمسيحيين في الجزائر، يلفت عدة فلاحي إلى أنّ ثمة إشكالية مطروحة في بلاده حالياً، وتتعلق بإحتفال الشعب الجزائري بعيد الميلاد المسيحي وإعطائه حظاً هائلاً من الزخم والبهرجة، أكثر من الإحتفال بالمولد النبوي الشريف، وهي صورة تغني - بحسب فلاحي - عن أي تعليق.

ويقحم المسؤول السامي في وزارة الأوقاف الجزائرية، إقبال المسلمين في الجزائر بإختلاف شرائحهم على تقديم التهاني لنظرائهم المسيحيين، لا سيما الشخصيات المسيحية والسفراء وغيرهم، في وقت تروج جهات إلى أن المسيحيين لا يستطيعون ارتداء الصليب علناً أو المجاهرة بإنتمائهم.

وفي معرض رده على انتقادات أطلقها أحد ممثلي الفاتيكان مؤخراً، يدرج فلاحي مثالاً آخراً للتوافد الكبير للمسيحيين لممارسة طقوسهم التعبدية في الكنائس بمنأى عن أي مضايقات، متسائلا:quot;متى سمعتم بمسيحي واحد في الجزائر تعرّض إلى اعتداء أو مساس؟quot;، وهو واقع ينسحب على كنيسة السيدة الإفريقية الواقعة بأعالي العاصمة الجزائرية التي أعيد إفتتاحها قبل أقل من شهر، وتشهد حركة كثيفة في محيطها لقوافل من المتنزهين الذين لم يتعرضوا بالسوء للمسيحيين.

قانون الشعائر الدينية

يتهم فلاحي جهات لم يسمها، تسعى لإستغلال ظروف بعض الناس لتسويق أطروحات سياسية، وإثارة الرأي العام عن طريق إثارة مزاعم لتسويد قانون الشعائر الدينية المعمول به للعام الخامس على التوالي.

ورداً على دعوة بدر غالب رئيس أساقفة الجزائر الذي دعا السلطات لمراجعة القانون المذكور بسبب ما سماها quot;تحفظات تعمدها من صاغوا نصوصهquot;، يؤكد فلاحي أن quot;قانون ممارسة الشعائر الدينية يمارس أيضا على المسلمين، مثلما يفرض تدابير صارمة بالنسبة للمساجد وأحيانا قاسية، إذا ما قورنت بما هو وضع للكنائسquot;، ويسجل أن بلاده quot;لا يمكن لها أن تتسامح مع إتجاه البعض لإستغلال ظروف قاسية وإجتماعية لتمرير أجندة سياسيةquot;.

ويضيف فلاحي أن جميع انشغالات المسيحيين مأخوذة بعين الاعتبار، على غرار ما طرحه كاردينال قسنطينة قبل أيام، عندما عرض إشكالا يخص كوريين في منطقة سكيكدة الشرقية، وجرى حل المشكلة بالترخيص لهم بإحياء عيد الميلاد.

ويشرح فلاحي أن السلطات تتعاطى بإيجابية مع الأشياء، شريطة إتباع الطرق القانونية، وعما إذا كان هناك تخوف جزائري من التغيير الديموغرافي نتيجة استقطاب المسيحيين، يُسقط الناطق باسم وزارة الأوقاف الأمر رأساً، ويجزم بإنتفاء أي مخاوف خصوصاً أن عدداً من الجزائريين اعتنقوا المسيحية لظروف معينة مثل ذاك الشاب الذي ألّف كتاب quot;كنت نصرانياًquot;، ويركّز فلاحي على أنّ الخشية تكمن في هاجس quot;التطرّفquot; وعدم الإلتزام بقوانين البلاد.

يذكر أنه بعد quot;تنصرquot; عشرة آلاف شخص خلال الفترة ما بين 2002 و2005، إعتمدت الجزائر إجراءات جديدة لتنظيم ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، نصت على عقوبات تصل إلى حد السجن لنحو 5 سنوات وغرامات مالية، لكل من يثبت تورطه في نشاط تبشيري مشبوه.

وتمنح التدابير المستحدثة، صلاحيات واسعة للمسؤولين المحليين لمنع أي تظاهرة وصد أي نشاط، إذا ما رأوا أن ذلك يشكل خطراً على حفظ النظام العام، كما سيتم إخضاع التظاهرات الدينية للتصريح المسبق وإشتراط أن تكون أسماء وألقاب وعناوين المنظمين متضمنة في طلب الترخيص، علاوة على تحديد الهدف من التظاهرة ومقر الجمعية المنظمة لها.

كما تحرم القوانين الجزائرية، ثلاثة أعمال هي quot;إستعمال وسائل إغراء أو مؤسسات تعليمية أو تربوية أو إستشفائية أو ثقافية أو أي مؤسسة أخرى لحمل مسلم على تغيير دينهquot; وquot;إلقاء الخطب أو القيام بممارسات مشبوهة مثل جمع التبرعات أو قبول الهبات دون ترخيصquot; وquot;القيام داخل الأماكن المعدة لممارسة الشعائر الدينية بأي نشاط يتعارض مع طبيعتها أو مع الأغراض التي وجدت لأجلهاquot;.

ولم يتردد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ووزيره للأوقاف بوعبد الله غلام الله عن إنتقاد سفارات غربية، وقالا أنها أكثرت من زياراتها لمنطقة القبائل، لأغراض quot;مبيّتةquot;، مع الإشارة إلى أن هذه المنطقة ظلت قبلة مفضّلة لعموم المبشرين، الذين استغلوا الوضع الإجتماعي المتهالك للسكان المحليين.

وأثار إصدار محكمة جزائرية الشهر الماضي، حكما بالسجن مع تعليق النفاذ بحق أربعة جزائريين اعتنقوا المسيحية، جدلاً لا يهدأ، ورفض عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تلك القراءات التي صنفت الإدانة في خانة quot;التضييقquot;، إذ ربطها بإحترام التشريعات المحلية الخاصة بالممارسة الدينية، نافياً التمييز في التعامل مع المسيحيين.