أكد السفير الأميركي في دمشق روبرت فورت عدم تلمسه أي تغيير على الأرض يثبت جدية النظام السوري في الإصلاح، وأن الشارع سيطيح به إذا لم يتحرك بجدية أكبر. ووصف غالبية مقترحات الاصلاح التي قدمها النظام بأنها مقترحات quot;لا يُعتد بهاquot;.

السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد

لندن: أكد السفير الاميركي في دمشق روبرت فورد انه لم ير دليلا واحدا تقدمه تغييرات ملموسة على الأرض على رغبة النظام السوري في الاصلاح بالسرعة التي يطالب بها المحتجون. واضاف فورد في مقابلة هاتفية مع مجلة فورين بولسي أن الشارع سوف يكنس النظام إذا لم يتحرك بقدر أكبر من الجدية.

وحمل فورد بشدة على استمرار النظام السوري في قمع المحتجين المسالمين داعيا الرئيس بشار الأسد الى quot;اتخاذ قرارات صعبةquot; للشروع في إصلاحات ذات معنى قبل فوات الأوان. وأوضح فورد أن السبب ليس قلق اميركا بل نفاد صبر المعارضة السورية نفسها.

وقال فورد في حديثه لمجلة فورين بولسي quot;ان الأمر لا يتعلق بالاميركيين بل بطريقة الحكومة السورية في التعامل مع شعبهاquot;. وشدد مرارا على ان المسألة quot;في الحقيقة مسألة تفاعل سوريين مع سوريين ، وأنا شيء هامشي خارج الساحة. فأنا لست بتلك الأهميةquot; ، على حد تعبيره.

ولكن بعض المراقبين قد يختلفون مع هذا الرأي. إذ قام السفير الاميركي يومي الخميس والجمعة من الاسبوع الماضي بزيارة الى مدينة حماة تعبيرا عن دعم الولايات المتحدة للمحتجين المسالمين وإدانتها عنف النظام السوري ضدهم. وألهبت زيارته حماسة المعارضة وكانت مؤشر تصعيد حاد في الجهود الاميركية للتعامل مع الوضع السوري. كما استثارت الزيارة رد فعل عنيفا على الصعيد الرسمي عندما هاجم موالون لنظام الأسد مبنى السفارة الاميركية في دمشق وألحقوا به أضرارا مادية كبيرة. واستخدم فورد صفحته على فايسبوك لدعوة النظام السوري الى quot;الكف عن ضرب المتظاهرين ورميهم بالرصاصquot;.

وحذر السفير الاميركي من ان النظام السوري لم يدرك حتى الآن عمق التغييرات التي حدثت في سوريا ومداها. وقال ان quot;عليهم ان يبدأوا انتقالا جديا حقيقيا لا ان يتكلموا أو يطلقوا الوعودquot; ، وعليهم ان يمنحوا حريات حقيقية ويشرعوا بتفكيك الجهاز الأمني القمعي الذي لا يخضع للمحاسبة على اعماله.

واقر السفير الاميركي بأهمية بعض الخطوات التي اتخذها النظام السوري نحو الإصلاح في اطار محلي ولكنه وصف غالبية مقترحات الاصلاح التي قدمها النظام بأنها مقترحات quot;لا يُعتد بهاquot;. وقال ان النظام السوري إذ يستمر في قمع التظاهرات السلمية بالعنف أو اعتقال الأطفال لكتابتهم شعارات معادية ، لن تكون له مصداقية بأعين شعبه نفسه بصرف النظر عن موقف قوى خارجية مثل الولايات المتحدة. وقال ان النظام السوري quot;ليس حتى قريبا من الاستجابة لهذه المطالب. وهذه مشكلة حقيقيةquot;.

واعرب فورد عن اعتقاده أن الوضع في سوريا أكثر ديناميكية بكثير مما يبدو في الظاهر. وبالمقارنة مع اشهر قليلة قبل اليوم فإن المعارضة شهدت توسعا كبيرا في صفوفها وتحسنا كبيرا في تنظيمها ، وابدت شجاعة استثنائية وبقيت سلمية في الأساس. وقال إن من اسباب اختياره حماة للقيام بزيارته quot;ان اهل حماة خلال الشهرين الماضيين حرصوا بشكل واضح على تفادي العنفquot;. واشار فورد الى انه خلال تجواله في حماة رأى نحو 12 مبنى حكوميا بلا حراسة وشباكين فقط تحطم زجاجهما في احد هذه المباني. ودعا بلغة ذات مغزى الى مقارنة ذلك مع الضرر الواسع الذي ألحقه بسفارته الموالون للنظام.

وأكد فورد ان الشعب السوري كسر حاجز الخوف وان السوريين الآن يتكلمون بحرية أكبر. وقال ان سوريا تتغير وعلى الحكومة ان تدرك ذلك وتستجيب بدلا من مواصلة محاولتها العقيمة لمقاومة التغيير بالقوة.

ونوه السفير الاميركي بدور القنوات التلفزيونية الفضائية والانترنت في تشكيل نظرة الشباب السوري الى العالم وتطلعاته. وقال ان الشباب لن يقبلوا بما قبلت به الأجيال السابقة وأكدوا بقوة انهم لن يسكتوا امام التهديد بالبطش. ورفض فورد مرارا الحديث بالملموس عن طرح مطالب سياسية محددة قائلا quot;ان هذا ليس قرارا اميركيا. وما لن نفعله هو ادعاء الحديث باسمهم. فهم قادرون على التعبير عن أنفسهم بأنفسهمquot;.

وحين سُئل فورد متى يتجاوز عنف النظام السوري الخط الأحمر ومتى يصبح الانتقال السلمي متعذرا بسبب تمادي النظام في قمعه وتنكيله قال السفير الاميركي quot;ان هذا ليس سؤالا يُطرح على الاميركيين بل على المعارضة السورية ، التي فيها الكثير من العناصر الصلبةquot;. واضاف: quot;التقيت بما يكفي منهم وصدقوني انهم أشد بأسا بكثير من أي أحد في واشنطن بوست او مجلس الشيوخ الاميركي. انهم يعرفون على وجه الدقة ما يفعلون. وقد تحدثتُ مع اشخاص نُكبوا بأفراد من عائلاتهم قُتلوا أو سجنوا. ولا شيء يشحذ الذهن كهذاquot;.

ونفى فورد انه قبل زيارة حماة كان اسير سفارته لا يستطيع التواصل مع أحد. وقال انه على العكس من ذلك كان يتواصل مع الحكومة السورية ومع اوساط مهمة من المجتمع السوري مثل قطاع الأعمال. ولكن خطر الانتقام العنيف وترهيب السوريين الذين يلتقون بمسؤولين اميركيين خطر حقيقي واعترف بأن البعض يرفض الدعوات خوفا منذ لك.

وقال عدة مسؤولين في الادارة الاميركية لمجلة فورين بولسي ان فورد يعتبر من أهم مصادر معلوماتهم لتقييم الوضع في سوريا. وهذا أحد الأسباب الأساسية لاعتقادهم بأن بقاءه ضروري حتى قبل زيارته لمدينة حماة التي اقنعت غالبية منتقدي فورد بأهميته.

واكد السفير الاميركي انه لن يحد من نشاطه رضوخا للضغوط الرسمية. وقال انه لا يستطيع أن يتوقف مشيرا الى ان الرئيس اوباما أصدر توجيها واضحا يقول فيه ان مثل هذا التحرك صائب اخلاقيا. واضاف انه يعتزم القيام بزيارات أخرى في انحاء سوريا والاستمرار في لقاء اكبر عدد ممكن من السوريين والمطالبة بفتح الفضاء السياسي ولجم عنف النظام. واستبعد ان تستدعيه ادارة اوباما من دمشق ، وليس لديه ما يشير الى طرده بقرار من الحكومة السورية.

ويرى فورد أن دوره في الوقت الحاضر يملي عليه ان يعمل ما بوسعه من اجل فتح فضاء سياسي للشعب السوري كي يطرح مطالبه بالحريات السياسية وكبح جماح الجهاز الأمني الذي يتحرك بلا حسيب أو رقيب ، واجراء انتقال سياسي ذي معنى. وأكد السفير الاميركي ان الولايات المتحدة لا تدعم أي حركة معارضة أو شخصية محدَّدة في سوريا ولا تضع ثقلها وراء مشروع محدَّد لعملية الانتقال مشيرا الى ان مثل هذا الموقف سيكون تكرارا للأخطاء التي ارتكبتها ادارة بوش في العراق عام 2004. وقال ان العملية quot;يجب ان تسير بسرعة سورية وليس بسرعة تُحدد في واشنطن أو لندن أو بروكسلquot;.

ويعكس تشديد فورد على دور الشعب السوري والعمل متعدد الأطراف موقف ادارة اوباما من الانتفاضات العربية عموما. ورفض فورد ان يضع الولايات المتحدة في مركز ما هو اساسا انتفاضة سورية من اجل حقوق سياسية أو أن يطرح خطة انتقالية اميركية بديلة من الأفكار التي تصوغها المعارضة السورية نفسها. وقال ان هذا قرار سوري quot;ونحن بالتأكيد نشجع الشعب السوري على المطالبة بحقوقهquot;. ويشمل هذا استمرار العمل مع الاوروبيين وجيران سوريا لتنسيق عقوبات محدَّدة تستهدف اشخاصا في النظام بسبب دورهم في اعمال القمع ، ودفع مجلس الأمن الدولي للتحرك بهذا الشأن.

وقال السفير الاميركي في دمشق ان الهدف هو ايجاد فضاء للسياسة الحقيقية وحرية التعبير بعيدا عن التهديد بالعنف. وامتنع فورد عن القول عما إذا كانت مثل هذه الحصيلة ممكنة مع بقاء نظام الأسد في السلطة. وشدد فورد مرارا على ان الشعب السوري هو الذي يقرر ذلك في نهاية المطاف وليس الولايات المتحدة. ولكن مجلة فورين بولس لاحظت ان الحفاظ على هذا الموقف المتوازن سيزداد صعوبة مع تصاعد لهجة الادارة الاميركية وافعالها.