تباينت آراء ومواقف الطبقة السياسية في الجزائر تجاه انتقادات مقررة الأمم المتحدة حول السكن اللائق وطريقة توزيع السكنات الاجتماعية، التي وجهتها أخيرًا إلى الحكومة الجزائرية. وانقسم السياسيون في الجزائر بين معارض وداعم لسياسات الجزائر حول أزمة السكن التي تشهدها البلاد.
السكنات الاجتماعية quot;بعبعquot; قد يفجر الجزائر كامل الشيرازي |
الجزائر: دعت راكيل رولينك، التي تشغل منصب مقررة الأمم المتحدة، السلطات الجزائريّة إلى ضرورة إشراك المواطنين في عملية توزيع السكن اللائق.
وفي الوقت الذي ساندت فيه حركة النهضة المعارضة هذه التصريحات، واعتبرت أن quot;السياسة المتبعة من قبل السلطة التي تريد تأطير العملية وحدها من دون إشراك المجتمع أثبتت فشلهاquot;، ثمّن القيادي البارز في جبهة التحرير الوطني الصادق بوقطاية في اتجاه آخر جهود الحكومة الجزائرية في سبيل احتواء أزمة السكن.
وكانت راكيل رولينك مقررة الأمم المتحدة حول السكن اللائق قد انتقدت الحكومة الجزائرية بسبب ما أسمته quot;عدم إشراكها المواطنين في عملية توزيع الشقق والسكنات الاجتماعية التي تمنح مجانًا للمواطنينquot;.
وقالت رولينك إنه quot;لا يكفي فقط نشر قوائم المستفيدين وفتح المجال للطعن فيها فقط، بل يجب إشراك المواطنين في كل أطوار العملية من بدايتها وصولا إلى تحديد معايير الاستفادة ووضع وتحديد القوائمquot;.
وأضافت أن quot;الحركات الاحتجاجية التي شهدتها الجزائرأخيرًا احتجاجًا على سوء التوزيع دليل فشل الحكومة الجزائر في تسيير هذا القطاع ودليل على وجود أزمة سكن حقيقية في هذا البلدquot;.
تأتي هذه التصريحات بعدما شهدت ولايات/محافظات عدة في الجزائر حركات احتجاج واسعة طالب من خلالها المواطنون بضرورة مراجعة قوائم المستفيدين من برامج السكن الاجتماعي، وحسب رولينك quot;يبلغ عدد الشقق الشاغرة في الجزائر نحو مليون شقةquot;.
واعتبر الصادق بوقطاية عضو المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني صاحب الغالبية في المجالس المنتخبةفي تصريحات لـquot;إيلافquot; أن quot;برنامج الإسكان في الجزائر برنامج طموح، وأن السلطة عازمة على مواصلة الانجاز لاحتواء أزمة السكنquot;، مؤكدا في الوقت نفسهأن quot;تصريحات مقررة الأمم المتحدة راكيل رولينك تأتي في سياق محاولات متكررة من أجل الضغط على الجزائر للتخلي عن مختلف البرامج التي تهدف إلى دعم المواطنين، سواء في ما يتعلق بالإسكان أو التعليمquot;.
ويضيف: quot;يجب أن تعلم هذه السيدة والهيئة التي تعمل لمصلحتها أن الجزائر تنتهج سياسة في مجال الإسكان لا تُنتهج في أي دولة أخرى من دول العالم، بداية من الولايات المتحدة الأميركية، وليس هناك أي دولة تقوم بإنجاز مئات الآلاف من السكنات ثم تقدمها مجانًا للمواطنين، هذا في ما يتعلق بالسكن الاجتماعي، وهناك آليات أخرى في ما يتعلق بانجاز السكنات وتوزيعها، هناك quot;السكن التساهميquot; وهو سكن ذو جودة ونوعية وحجم أكبر، في هذه الصيغة تقدم الدولة مبلغًا ماليًا يصل إلى 700 ألف دينار، وهو ما يعادل 10 آلاف دولار، لا يسترد للمواطن الذي يفوق راتبه الشهري حوالي 24 ألف دينار جزائري.
وهناك احتمال لزيادة هذا المبلغ خلال الفترة المقبلة، والمبلغ المتبقي لسعر الشقة يستطيع المواطن الحصول على قرض بنكي من طرف الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط quot;لاكنابquot; ويتم سداده عبر مراحل وسنوات طويلة.
ويؤكد الصادق بوقطاية أنّ هناك آلية أخرى للإسكان، وهي البناء الريفي، حيث يستفيد المواطن الذي يمتلك قطعة أرض من مبلغ مالي لا يُستردّ لبناء مسكن جديد أو لترميم مسكن قديم، وهذا من أجل تشجيع المواطنين على البقاء في القرى وممارسة أنشطتهم الزراعيةquot;، على حدّ تعبيره.
بخصوص غياب الشفافية والتوزيع غير العادل للحصص السكنية يقول بوقطاية quot;عندما يكون لديك نحو مائة ألف وحدة سكنية، وتقوم بتوزيعها، بدون شك هذه العملية ستشوبها بعض الشوائب، والدولة تحاول بقدر الإمكان خلال إعداد قوائم المستفيدين تجاوز هذه الأخطاء والشوائب، لكن هذه الشوائب تزول حينما تأتي إلى الجزائر، وتزور ورشات البناء وتطلع على الانجازات التي تحققت في مجال السكن فسترى أنه لا توجد أية دولة في العالم تقوم بهذا الجهد والعمل الكبير.
واتهم بوقطاية الدول الأوروبية بمحاولة الضغط على الجزائر من اجل مراجعة سياستها في ما يتعلق بدعم قطاع السكن أو مجانية التعليم، ويقول: quot;لا غرابة أن تجد في كل مرة هذه المنظمات الدولية تحاول تنغيص وتشويه الجزائر، وفي كل مرة تجد الأوروبيين يطالبون الجزائر بضرورة وقف انجاز مشاريع السكن الاجتماعي الموجه للطبقات الفقيرة وميسورة الحال، ويطالبون الجزائر أيضا بضرورة التخلي عن مجانية التعليم، وتخفيض المساعدات الموجهة للمواطنين.
لكن الجزائر ترفض كل هذه المطالب، وهي كدولةتبقى مصممة على مواصلة الاهتمام بالسكن الاجتماعي والتساهمي والترقوي ومجانية التعليم، وكل ما له علاقة بدعم ومساعدة المواطنين.
واختتم حديثه قائلا quot;هناك عملية سياسية كبيرة تقوم بها الحكومة الجزائرية من اجل التخفيف من حدة الطلب على السكن بمختلف أشكاله، وأخيرًا أعلن الرئيس بوتفليقة عن تخصيص نحو 10 آلاف هكتار من الأراضي لبناء 500 ألف مسكن جديد، تضاف إلى مليوني مسكن مبرمجة في المخطط الخماسي المقبلquot;.
من جانبها أكدت حركة النهضة المعارضة أنها quot;تتابع باهتمام كبير تداعيات ملف توزيع السكن الاجتماعي، الذي يعرف غليانًا واحتقاًنا شعبيًا وخروجًا إلى الشارع للتعبير والاحتجاج على غياب العدالة في التوزيع، نظرًا إلى فشل الآلية الحالية في تحقيق العدالة وعدم تحكم السلطات العمومية في الرقابة على أجهزتها المكلفة بإدارة الآلية، وهو ما أدى إلى تدخل خارجي من الأمم المتحدة لتفرض أجندتها وتضع الملف السكن اللائق على أجندة لجنة حقوق الإنسان الدولية، وهو ما سينعكس سلبا على الدولة الجزائرية في المحافل الدولية واستغلال هذا الموقف من طرف جهات معادية للجزائر لتوظيفهquot;.
وحسب ما جاء في بيان صادر من المكتب الإعلامي للحركة ــ تلقت (إيلاف) نسخة منه ــ فإن quot;خروج المواطنين واحتجاجاتهم دليل على فشل الآلية المعتمدة في تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع السكن، وان أزمة الجزائر لا تكمن في تسويق الأرقام الضخمة في حجم انجاز السكن أو المخصصات المالية الضخمة، بقدر ما تكمن في غياب تحقيق العدالة وانتشار مظاهر الفساد والمحاباة في هذه الآليةquot;.
وتعتبر الحركة أنه quot;لا يمكن للإدارة وحدها أن تدير عملية التوزيع وتدير الطعن في الوقت نفسه، فلا يمكن لممثل الوالي/المحافظ الذي هو رئيس الدائرة أن يقوم بتوزيع هذه السكنات والوالي نفسه الذي يكون محل الطعن، هذه الآلية تفتقد إطارًا قانونيًا للرقابة للمحاسبة، وهو ما أدى بهذه الآلية إلى الإفلاس أمام صمت السلطات المركزية من الحكومة عن الخروقات التي تحصل من دون تحرك نظرًا إلى تداخل المصالح على حساب المصلحة العامة للاستقرار الوطني الذي هو خط احمر لكل الجزائريينquot;.
و تضيف الحركة حسب ما جاء في بيانها: quot;آلية التوزيع الحالية تقوم على عدم الشفافية والوضوح وثغرات قاتلة في ثقة المواطن اتجاه مؤسسات الدولة ، وهو ما يسجل عدم توسيع دائرة مشاركة المواطنين في العملية وأصبحت العملية ريع للولبيات تتحكم بها وتضمن الولاء السياسي نتيجة فساد الإلية واستغلالها لتحقيق أغراض غير التي أقرت لها، وهي نتاج الأزمة السياسية التي تعانيها الجزائر بسبب عمليات التزوير لإرادة الأمة والمحسوبية في تولية المناصب على حساب الكفاءة والنزاهةquot;.
الى ذلك اعتبر رئيس المرصد الوطني لحقوق الانسان في الجزائر فاروق قسنطيني خلال حديثه للاذاعة الرسمية أن quot;تصريحات المقررة الأممية في الاتجاه الصحيحquot; داعيًا في الوقت نفسه الحكومة إلى quot;ضرورة إرساء مزيد من الشفافية في توزيع السكنات الاجتماعية للوقوف دون حدوث احتجاجات كتلك التي شهدتها مختلف ولايات الجزائرquot;، واعتبر أن quot;هذه الاحتجاجات هي دليل على غياب العدالة في التوزيعquot;.
يشار إلى أنّ الجزائر تشهد احتجاجات عنيفة في كل مرة يعلن فيها عن قائمة توزيع الشقق الاجتماعية، وهي التي توفرها الدولة مجانًا لذوي الدخل الشهري الذي لا يتعدى 24 ألف دينار (240 يورو).
التعليقات