اللواء عبد الفتاح يونس

يشكّل اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس تطوّرًا هائلاً على الساحة الليبية لا يصبّ في مصلحة الثوارن حتى وإن اتضح أن عناصر موالية للعقيد القذافي هي الجانية. فالغرب، داعمهم الرئيس، يضع الآن قيادتهم السياسية والعسكرية تحت المجهر، ويوجّه أسئلة صعبة.


لندن: تضاربت الأنباء المحيطة بمقتل اللواء عبد الفتاح يونس، الذي شكّل انشقاقه عن نظام العقيد معمّر القذافي في 21 فبراير / شباط الماضي ndash; بعد أربعة أيام على اندلاع الثورة - أحد أكبر المكاسب للثوار. وقد سارع هؤلاء إلى تعيينه رئيسًا لأركان laquo;جيش التحرير الوطني الليبيraquo;، وإن كان هذا بحد ذاته غير مؤكد أيضًا.

وقد ورد أولاً أن يونس (67 عامًا)، الذي كان يشغل مصب وزير الداخلية في حكومة طرابلس، اعتقل من جانب قيادة الثوار بعدما علمت أن انشقاقه كان خدعة، وأنه يتواطأ مع قوات القذافي، ويمدها بالسلاح. وقالت هذه الأنباء إنه معتقل في أحد المعسكرات الحربية في بنغازي.

لكن رئيس المجلس الوطني الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، خرج في مؤتمر صحافي ليلة الخميس برواية مختلفة تقول إن المجلس استدعى يونس إليه من بريقا ليجيب عن بعض أسئلة قادة الثوار، لكنه اغتيل مع اثنين من مساعديه وهو في الطريق الى بنغازي.

وأضاف أن أحد الجناة اعتقل، موحيًا برابط له مع laquo;القاعدةraquo;. ومع ذلك فلم يشر إليها بالاسم، واكتفى بالتحذير من أن laquo;جماعات مسلحةraquo; تعمل بشكل مستقل عن الثوار داخل المدن التي يسيطرون عليها.

من جهتها قالت صحيفة laquo;ليبيا اليومraquo; إن بعض الأفراد المسلحين التابعين لإحدى كتائب الثوار قاموا باعتقاله وتصفيته بعد التحقيق معه في قضايا نسبت إليه. وأضافت أن عملية قتله جاءت حتى بعد إصدار الأوامر من قبل المجلس الوطني الانتقالي بإطلاق سراحه.

انقسامات خطرة

مهما يكن من أمر فمن الواضح أن اغتيال اللواء مرتبط على نحو أو آخر بصدق ولائه للثوار، وفقًا لمجلة laquo;فورين بوليسيraquo; الأميركية. فهو أحد قادة حركة الضباط الوحدويين الأحرار عام 1969 وشارك في قيادة انقلاب الفاتح من سبتمبر / ايلول. ومنذ ذلك الوقت أصبح قائدا للقوات الخاصة الليبية، ثم وزيرًا للداخلية في 2009.

مصطفى عبد الجليل

وليس خفيّاً على المراقبين أن قيادة الثوار العسكرية تعاني انقسامات، بعضها أو جلّها يمكن وصفه بأنه خطر. وقد دخل يونس نفسه في نزاعات استمرت شهورًا مع اللواء خليفة حفتر، الذي يُشاع أن له روابط وثيقة وعلى مدى زمن طويل مع وكالة المخابرات الأميركية laquo;سي اي ايهraquo;، حول من منهما هو القائد الفعلي لقوات الثوار.

ويكتب جون لي أندرسون في صحيفة laquo;ذي نيويوركرraquo; إن انشقاق اللواء يونس الى جانب الثوار laquo;لم يبدد شكوك الشباب الليبي والعديد من أعضاء المجلس الوطني الانتقالي إزاء نواياه الحقيقيةraquo;. ويشير ايضًا الى أن هرم القيادة العسكرية داخل معسكر الثوار يلتف بالكثير من الغموض.

فوضى في القيادة

من جهتها نقلت laquo;فورين بوليسيraquo; عن ديرك فانديوالي، البروفيسير الخبير بالشؤون الليبية في جامعة دارتسموث الأميركية، قوله: laquo;ما لا شك فيه هو ان الفوضى تضرب أطنابها وسط قادة الثوار العسكريين. فقد ظلوا عاجزين عن وضع استراتيجية واضحة ومحددة المعالم لطبيعة القيادة. وإحساسي هو أنها لن تنجح في هذا الصدد بالرغم من المساعدات الكبيرة التي تتلقاهاraquo;.

والواقع ان المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل امسية الخميس لإلقاء الضوء على مصير اللواء يونس أثار من الأسئلة أكثر مما قدم من إجابات. فلم يخض في تفاصيل مقتله، مثل مكانه أو كيف تمكن الجناة من الوصول اليه. وربما كان الأهم من هذا أنه لم يقدم الأسباب التي حدت بالمجلس الوطني لاستدعائه في المقام الأول.

اللواء خليفة حفتر

ويقول فانديوالي إن حادثة الاغتيال laquo;تلقي بالضوء على نوع المخاطر التي تواجهها طبيعة القيادة الارتجالية للثوار. وما نراه هو دولة ابتدائية لا تستند الى أي شكل من أشكال مؤسسات الدولة.. ونرى أيضًا أن المجلس الوطني الانتقالي مؤلف من أعضاء عيّنوا أنفسهم بأنفسهم، ولذا صار محتمًا للفوضى أن تسود بالكاملraquo;.

الغرب أدى دوره

تقول laquo;فورين بوليسيraquo; إن الثوار تمتعوا بدعم كبير من أوروبا والولايات المتحدة. وبالطبع فقد كانت ضربات حلف شمال الأطلسي laquo;الناتوraquo; الجوية أكبر العوامل في تمكنهم من الصمود أمام قوات القذافي، وفوق ذلك، تقدمهم نحو طرابلس نفسها.

لم يكتف الغرب بهذا، فدعم الثوار على الجبهة الدبلوماسية ايضًا. فقد اعترفت إدارة الرئيس باراك اوباما بشرعية المجلس الوطني قبل اسبوعين. وأتاح هذا الوضع للثوار وضع يدهم على أكثر من 30 مليون دولار في شكل أصول مجمّدة. وكانت فرنسا سبّاقة الى الاعتراف بالمجلس، وانضمت اليها يوم الأربعاء الماضي بريطانيا، التي طردت سائر الدبلوماسيين في سفارة حكومة القذافي في لندن.

وقد قام كل هذا الدعم على إجماع غربي عريض على أهلية المجس الوطني الانتقالي للقيادة، وعلى حسن نوايا الثوار ndash; رغم افتقارهم السلاح ndash; وشرعية حربهم في سعيهم إلى التخلص من رجل مختل عقليا يقبع في طرابلس هو العقيد القذافي.

نهاية شهر العسل

على أن مقتل اللواء يونس قد يلطخ النظارة الوردية التي ينظر العالم عبرها الى الثوار. وقد يتضح بعد كل هذا أن عناصر موالية للقذافي هي التي اغتالته ثأرًا لانشقاقه. ولكن حتى إذا ثبت أن هذا هو ما حدث، فإن ظلالاً قاتمة من الشك تظل معلقة في أذهان المراقبين، وتصبّ في خانة السبب الذي منع عبد الجليل من الإجابة على أسئلة بسيطة وأساسية عن حادثة الاغنيال، وأيضًا عن الثغرة الأمنية الهائلة التي أتاحت للقتلة الوصول الى اللواء.

وفي حال اتضح أن أحدًا ما من صفوف الثوار أنفسهم هو الذي قتله، فسيترك هذا الوضع المسؤولين والصحافيين الغربيين أمام أسئلة تتعلق بما إن كان المجلس الوطني يعاني انقسامات عميقة وخطرة، وما إن كانت القيادة العسكرية تغوص في مياه طينية. وفي كل الأحوال فيبدو أن شهر العسل الغربي مع الثوار يأتي الآن الى ختام.