تختلف الأحزاب السياسية الجزائرية ndash; حسب معاضدتها للنظام أو معارضتها له ndash; في تقويم ما يسمّى جلسات الاستماع الرمضانية التي أقرّها الرئيس بوتفليقة كعمل رقابيّ على أداء الوزراء. فبعض الأحزاب تعتبر تلك الجلسات تقزيمًا والتفافًا على دور البرلمان، في حين تراها أحزاب أخرى حدثًا سياسيًا مهمًا وتقليدًا محمودًا.


إحدى جلسات البرلمان الجزائريّ

الجزائر: أقرّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، منذ وصوله إلى سدة الحكم بعد انتخابات العام 1999 تقليدًا جديدًا في ممارسة العمل الرقابي على أداء الجهاز التنفيذي، من خلال تكريس ما يسمّى بجلسات الاستماع الرمضانية لأعضاء الطاقم الوزاري، كل على حدة، هذه الجلسات كانت مصدر خلاف بين أطياف الطبقة السياسية، وفي هذا المنحى يعتبرها حزب جبهة التحرير الوطني صاحب الغالبية البرلمانية، من خلال عضو المكتب السياسي قاسى عيسي كإجراء رقابي لابد منه، من أجل ترشيد عمل الوزراء وتقويمهم.

في حين يراه في المقابل رئيس حزب الجبهة الوطنية موسى تواتي اغتصابًا لسلطة البرلمان لأنه من يمتلك سلطة الرقابة على أداء الحكومة، وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، الذي اعتبر جلسات الاستماع الرمضانية بمثابة عملية تقزيم لمؤسسات الدولة الدستورية.

في تصريحه لـquot;إيلافquot;، قال زعيم حزب الأفانا المعارض موسى تواتي: quot;كنا ننتظر أن يستمع رئيس الجمهورية إلى الحكومة من خلال مجلس الوزراء، وليس على انفراد بين المكلفين بقطاعات محددة، لا نعتقد أن اللقاءات التي تمت بين الرئيس ورؤساء الحقائب التنفيذية في الحكومة سيأتون بجديد خارج إطار مجلس الوزراء، هذاهدر للوقت لا أكثر ولا أقلquot;.

ويعتبر موسى تواتي أن جلسات الاستماع سلبت نواب الأمة حقهم في رقابة نشاط الجهاز التنفيذي بقوله: quot;أنا اعتبر هذه الجلسات اغتصابًا للسلطة التشريعية التي تمتلك في الأصل سلطة وحق مساءلة أعضاء الحكومة في جلسات المجلس الشعبي الوطنيquot;.

ذهب تواتي بعيدًا حينما اعتبر أن الرئيس بوتفليقة يريد أن يمارس دعاية إعلامية من خلال تقليده الجديد قائلاً quot;أظن أن رئيس الجمهورية اختار هذا الموقع لاستغلاله إعلاميًا، ولكنه في الحقيقة لا يقدم ولا يؤخر في الأمر شيئاquot;.

عن نتائج وجدوى هذه الجلسات، يضيف تواتي قائلاً quot;النتائج التي تتمخض عليها هذه اللقاءات مع رئيس الجمهورية لا نعرف جدواها، وما الهدف منها، بما أن رئيس الجمهورية هو الذي يترأس مجلس الوزراء، ومن خلال هذا المجلس كل وزير يقدم تقريره المالي والأدبي، ونحن لا نقول إن هذا الإجراء روتيني، وإنما نقول هو اغتصاب لسلطة المجلس الشعبي الوطني، لأنه من يملك الحق في استجواب الحكومة كأفراد،فهذا اغتصاب لسلطة البرلمان من طرف الرئيسquot;.

المعارض الجزائريّ موسى تواتي

وفي تقويمه لمستوى أداء الحكومة يقول: quot;هناك تفشي للفوضى واللامبالاة والتسيّب في المال العام، وفي شفافية ونزاهة المشاريع التي تقوم بها الحكومة. ونقول إن حصيلة الحكومة سيئة للغاية، بل أقول إن الحكومة الحالية هي أسوأ حكومة جزائرية من حيث الأداء منذ الاستقلال، هناك هيئات موازية لأعضاء الحكومة تابعة لرئاسة الجمهورية... هؤلاء يتلقون تعليمات وبرامج للتنفيذ من طرف رئاسة الجمهورية.

وعليه فإن كل البرامج يتم تنفيذها من طرف الوزراء، لكنها تخطط من طرف مصالح رئاسة الجمهورية، إذا المشكل أكبر مما نتصور، السؤال المطروح هو هل الوزير له الاستقلالية في أدائه بعد ذلك نحاسبه على حسن أو سوء الأداء، لذلك أنا أطرح تساؤل من يحاسب من؟quot;.

من جانبه يذهب رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور في الاتجاه نفسه حينما اعتبر أن quot;جلسات الاستماع هي مجرد عملية تقزيم للمؤسسات الرسمية التي تمتلك صلاحيات الرقابةquot;، ويقصد بذلك البرلمان ومجلس المحاسبة ومفتشية المالية.

واعتبر رئيس الحكومة السابق أن quot;هذه الجلسات سوف تؤدي حتمًا إلى إضعاف المؤسسات الدستورية وتكريس مبدأ الانفراد والتسلط في الحكم،وبالتالي عدم ممارسة رقابة جـدية على أعضاء الحكومةquot;، على حدّ تعبيره.

ودعا بن بيتور بالمناسبة إلى quot;ضرورة الاستفادة من عامل الوقت من أجل إجراء إصلاحات جدية وتغيير النظام بكامله، لتفادي وقوع انفجار اجتماعي وشيكquot;.

أما عضو المكتب السياسي والناطق الإعلامي لحزب جبهة التحرير الوطني قاسى عيسي فقد وصف جلسات الاستماع الرمضانية بـquot; الحدث السياسي المهمquot;، الذي يستقطب اهتمامًا واسعًا للطبقة السياسية والمحللين ووسائل الإعلام.

حول ذلك يقول لـ(إيلاف): quot;جلسات الاستماعأصبحت من التقاليد إلى دأب عليها رئيس الجمهورية بعد وصوله إلى الحكم بعد انتخابات 99، وأصبحت أيضًا حدثًا سياسيًا ينتظره كل من أعضاء الحكومة، وكذلك السياسيون، وأصبحت هذه الجلساتإحدى مراحل التقويم لعمل الحكومة، ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهوريةquot;.

ويؤكد عيسى أن حزب quot;الآفلانquot; باعتباره أحد مكونات التحالف الرئاسي فإنه يتابع باهتمام بالغ الأنشطة التي تمارسها المؤسسات الدستورية الممثلة في مجلسي الأمة والبرلمان، من أجل مراقبة ومساءلة الحكومة.

في هذا الصدد، يشير عيسي إلى أن quot;الوزير الأول يقدم بيانًا للسياسة العامة، وتتم مناقشته من طرف النواب، هذه المناقشة تشمل كل القطاعات الوزاريةquot;.

ويعتبر عيسي أنquot; آليات المتابعة والتسيير والتقويم بالنسبة إلى الجهاز الحكومي تدخل في إطار تحسين أسلوب ممارسة الحكم ومتابعة سير المؤسسات، وفي الوقت نفسه، معالجة النقائص المسجلـة في كل قطاع، وكذا تكييف هذه الخطط والبرامج مع المستجداتquot;.

القياديّ في حزب جبهة التحرير الوطنيالجزائريةقاسى عيسي

وعن محتوى هذه الجلسات، يقول عيسي quot; نحن كحزب سياسي نتابع هذه الجلسات من خلال ما ينشر من بيانات ختامية، ومن خلال هذه البيانات، نلاحظ التركيز في قطاعات محددة، وأحد الملفات الثقيلة المطروحة يتعلق بطريقة إيجاد إطار اقتصادي يتم من خلاله استثمار مداخيل المحروقات، ويعمل مستقبلاً على إيجاد بدائل أخرى للاقتصاد الوطني من دون الاعتماد بشكل واسع على مداخيل النفط.

وبالتالي ضمان استمرارية نمو الاقتصاد الوطني. أما الرهان الثاني فيتعلق بالتبعية الغذائية، فالجزائر لا تزال رهينة لتقلبات الأسعار في الأسواق الدولية وبقدرة الدينار الذي يأتي عن طريق تصدير البترول، ومن خلال هذه الجلسات يصدر الرئيس بوتفليقة إلى أعضاء الحكومة تعليمات من أجل أداء أفضل ومواجهة هذه الرهانات والتحديات المستقبليةquot;.

ورفض عيسي أن تكون هذه الجلسات مجرد إجراء روتيني معتبرا أن quot;النظام الدستوري في الجزائر يعتبر رئيس الجمهورية هو الرئيس الفعلي للجهاز التنفيذي، وعليه فان هذا التقييم الذي يقام في كل رمضان يعتبر مرحلة من مراحل تقييم دائم و مستمر، لذلك لا يمكن القول أن عملية الرقابة غير دائمة لأن مؤسسات الجمهورية على مدار السنة تقوم بهذا العمل في كل المستويات، ثم إن معالجة القضايا الكبرى على غرار الفساد لا يتطلب جلسة عمل واحدة، هناك مجالس ولائية ومؤسسات رقابية أخرى تتابع باستمرار عمل المؤسسات الحكوميةquot;.

اتهم عيسي الأحزاب التي تنتقد هذه الجلسات، وقال إنها quot;تنتقد السلطة التنفيذية، لكنها في المقابل لا تقدم شيئًا، عليها أن تسأل نفسها ماذا قدمت؟quot;.