على غرار التطرف الإسلامي، يوجد تطرف مسيحي يتوسع في الظل نظرًا إلى تركيز وسائل الإعلام والمهتمين على التطرف الأول، وجريمة النرويج الأخيرة التي كانت من توقيع أحد المحسوبين على هذا التيار، تزكي انتقال هذا النوع من مرحلة إلى مرحلة أخرى، يمكن أن تربك حسابات المهادنين له من السياسيين والإعلاميين.
باريس: تفسر الإعلامية والباحثة حنان المنوري هذا التطرف بقولها: quot;كما يقوم الفكر المتطرف عند الإسلاميين على تأويل بعض نصوص القرآن حول الجهاد والكفر وغيرها تأويلاً متشددًا يخدم أهدافهم، ويستطيعون من خلاله استمالة من يقدرون على التأثير فيهم، فإن هناك نصوصًا مسيحية كثيرة تخضع للأسلوب نفسه من قبل متطرفين مسيحيين، حيث حوّلوها إلى آراء متطرفة لتبرير ما يقومون بهquot;.
ينشط هؤلاء المتطرفون المسيحيون سياسيًا لعلهم يصلون يومًا إلى الحكم لتنفيذ مشاريعهم السياسية العدائية تجاه الآخر، والرافضة أي شكل من أشكال التعايش الديني، مشاريع تستوحى أفكارها الكبرى من لغة التعصب للذات وللدين المسيحي، على أنه الأفضل، ولا يمكن أن يضاهيه دين آخر.
الأحزاب التي يختارونها هي التنظيمات السياسية لليمين المتطرف، والتي لا تخفي عداءها أولاً للمهاجرين وأخيرًا للإسلام والمسلمين، وإن في حقيقة الأمر، ليسوا المسلمين وحدهم من يعتبرون الهدف الأول لما يمكن أن نطلق عليه quot;التطرف الأشقرquot;، وإنما بني جلدة هؤلاء كذلك، ممن يختلفون معهم فكرًا وتصورًا.
المجزرة التي خطط لها ونفذها quot;باحترافيةquot; المجرمين متطرف من هذه quot;القبليةquot; الدينية المتعصبة، أكدت أن هؤلاء المتطرفين يعادون محيطهم كذلك، كما يعادون أنفسهم، بحسب الفهم المعروف عن فئة المتطرفين جميعًا مهما كانت ديانتهم.
ظهور التطرف المسيحي إعلاميًا
ظهر التطرف المسيحي الحديث إلى العلن، وأصبحت وسائل الإعلام الدولية توليه بعض الاهتمام، بداية من وصول المحافظين الجدد في الولايات المتحدة إلى الحكم، والكل يذكر قول بوش الشهير على شاشات القنوات العالمية، حيث تحدث عن مجموعة منهم استقرت في العراق بقصد التبشير وقوبلت بالكثير من الإعجاب أبهرت العالم.
وقال بوش في خطاب شهير فضح جزءًا من نوايا الإدارة الأميركية، وقتذاك، في غزوها للعراق quot;إن جميعهم يشعرون بأنهم مكلفون بنشر كلمة الربquot;، وquot;ليعلنوا مملكة الربquot;.
اتضح أن الحرب على العراق كان جزءًا من أهدافها شنّ حملة صليبية ضد الإسلام، يقودها المحافظون الجدد في الإدارة الأميركية، وعلى رأسهم بوش، الذي صرّح أن quot;الحرية ليست هدية أميركا إلى العالم، بل إنها هدية اللهquot;، بحسب تعبيره.
جنرال أميركي لم يخف، حينها، هذا الأمر، إذ عبّر عن quot;سروره عندما تتم مطاردة المسلمينquot;، واعتبر أن quot;العدو الحقيقي، ليس هو بن لادن، وإنما الدين الإسلاميquot;، في حرب أقيمت جنبًا إلى جنب مع التبشيريين الذين كانوا ينعتون من سقط منهم قتيلاً في العراق quot;بالشهيدquot;.
تفيد الباحثة المنوري في حوار لإيلاف quot;إن تعددت دوافع تلك الحرب بين السياسة والاقتصاد، فإن تلك الطائفة المسيحية المتطرفة جعلتها فصلاً من فصول ما يسمونه بـ quot;الحرب المقدسةquot;، الحرب ضد قوى الشيطان حسب منظورهم...quot;.
وزادت قائلة quot;هناك تقرير ألماني نشرته، وتحدثت عنه شبكات التواصل الاجتماعي، لما أثاره من جدل حاد. هذا التقرير المصور تناول هذه الطائفة، وأماط اللثام عن تشددها وجهودها في نشر المسيحية في الشرق الأوسط بدءًا من العراق، حتى إن أفرادها اعترفوا باستعدادهم للموت (مفهوم جهادي) في سبيل نشر المسيحية...quot;.
التطرف ليس صناعة إسلامية
التطرف كما يردد العديد من الباحثين ليس صناعة إسلامية، يمكن أن يوجد لدى المسلمين كما المسيحيين أو اليهود. والتفسير الآلي أو الميكانيكي لمحتويات هذا الدين أو ذاك تسقط في الراديكالية التي يمكن أن تقود إلى الارتماء في براثن الإرهاب.
في هذا المنحى يسير قول الباحثة حنان المنوري على quot;أن التطرف فكري بالأساس، فقد تجد متطرفًا إسلاميًا... وآخر يهوديًا أومسيحيًا، ومتطرفين لإيديولوجيات مختلفة عقائدية وغير ذلك...quot;.
بخصوص التطرف المسيحي، تقول المنوري، quot;فلا أدل على وجوده من quot;طائفة الجنوب المعمدانيةquot; في أميركا التي يتبعها الملايين حول العالم، والتي كان لها دور محوري في دفع نظام جورج بوش إلى شنّ حرب على العراقquot;. quot;في الواقع ما حدث في النروج لم يكن البداية، فما شهده العالم من حوادث كثيرة يؤكد لا محالة أن التطرف المسيحي هو واقع يعود إلى سنوات، بل لقرون عدة...quot;، تقول الإعلامية والباحثة حنان المنوري، مضيفة أن quot;المشكلة تكمن في الإنكار العالمي لظاهرة التطرف المسيحي...quot;.
وتابعت المنوري في السياق نفسه quot;في الوقت الذي يركز فيه الإعلام على كل ما يمت بصلة إلى سلوكيات المتطرفين الإسلاميين، نجده يغض الطرف أو يتناول بخجل أحداثًا كثيرة تثبت أن التطرف المسيحي قائم بالمثلquot;.
quot;وهذا الإنكار لوجود مثل هذه الظاهرةquot;، تفيد محاورتنا، quot;أدى إلى إهمال دراستها وتحليلها، في حين خصصت أموال ضخمة وجهود كبيرة لمحاولة سبر أغوار الجماعات الإسلامية المتطرفة. هذا الأمر جعل التطرف المسيحي ينمو ويتوسع، ولا أحد يعلم حتى الآن إلى أين بلغت حدته...quot;.
وأوضحت هذه الباحثة في التعايش الديني أن quot;ما يحدث هنا وهناك ليس إلا مؤشرات على أن الوضع قد ينفجر، وقد لاحظنا جميعًا كيف أن الإعلام صوّر ما حدث في النروج على أنه اعتداءات، ولم ترد كلمة إرهاب في التغطيات الإعلامية.. ولا حتى في التصريحات السياسية...quot;.
نماذج من التطرف المسيحي
قدمت ضيفتنا بعض الأمثلة التي تشهد على تعصب ما يعرف باليمين المسيحي المتطرف في أوروبا وأميركا وغيرها، quot;كقيام رجل دين ألماني في عام 2006 بحرق نفسه احتجاجًا على ما أسماه انتشار الإسلام في أوروبا، فضلاً عن القس الأميركي الذي خطط لحرق المصحف في الكنائسquot;.
وأضافت المنوري أنه quot;في المنطقة العربية أيضًا طفا إلى السطح وضع الأقباط في مصر وما بدر من بعض المتشددين منهم كقضية quot;وفاء قسطنطينquot;، وأخيرًا الشابة المسلمة التي اختطفها مسيحيون ووشموا الصليب على يدها، والجدل حول فيلم quot;بحب السيماquot; الذي تناول الفكر المتشدد عند فئة من الأقباط. وكذلك ما تم تداوله من فتاوى لكاهن قبطي تجيز قتل المنتقلين من المسيحية إلى الإسلامquot;.
التعايش الديني يقاوم التطرف
في موازاة التطرف حضر باستمرار التعايش الديني، quot;فظاهرة التسامح والتعايش أكثر قدمًا وأكثر حضورًا إن صح التعبيرquot;، بحسب قراءة المنوري، quot;فنماذج عديدة لمجتمعات، تتعايش فيها طوائف وعرقيات مختلفة تفوق العشرات، بل المئات في بعض المناطق، تبين أن التسامح هو الأصل في العلاقة التي تربط بين هذه المكونات المختلفة...quot; طبقًا لرأيها.
وتضيف هذه الإعلامية والباحثة أن quot;التطرف - على الرغم من أنه فرض وجوده من خلال ما نعيشه من أحداث - استثناء لكونه أداة تحركها جهات كثيرة ذات مصالح سياسية واقتصادية أكثر من كونه ذا طابع ديني...quot;.
تستشهد حنان المنوري بهذا التعايش في عدد من البلدان العربية، quot;في مصر أو في سوريا ولبنان والعراق، فتاريخ التعايش أطول بكثير من تاريخ الصراع الطائفي، الذي كان في معظمه هو الآخر مدفوعًا وتم التحريض عليه...quot;، تقول محدثتنا.
ترى المنوري في quot;التنوع بشتى أشكاله وبالخصوص الطائفي منهquot;، أنه quot;لابد أن يكون عامل استقرار، وليس العكس، من خلال الحوار الدائم والمستمر بين الطوائف والمكونات المتعددة، وبين الديانات المختلفة لتفادي التعصب وسوء الفهم الذي يولد التطرف بشتى ممارساتهquot;.
التعليقات