اتهمت مصر إسرائيل بخرق اتفاقية السلام، وإتخدت حزمة من القرارات الحازمة، أهمها سحب السفير المصري من تل أبيب إلى حين موافاتها بنتائج التحقيقات في حادث مقتل ستة جنود وجرح سابع على أيدي قوات إسرائيلية، واستدعاء السفير الإسرائيلي في القاهرة، وطلب اعتذار رسمي عن الحادث.


مصريون يحتجون امام السفارة الاسرائيلية في القاهرة مساء الجمعة

صبري حسنين من القاهرة، وكالات: قررت مصر سحب سفيرها من تل أبيب إلى حين موافاتها بنتائج التحقيقات في حادث مقتل ستة جنود وجرح سابع على أيدي قوات إسرائيلية، فيما تصاعدت الدعوات إلى مراجعة اتفاقية السلام.

وشهدت مصر مظاهرات حاشدة أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة والقنصلية الإسرائيلية في الإسكندرية، فيما تستمر المظاهرات أمام السفارة منذ صلاة الجمعة حتى اليوم.

اللهجة الأشد منذ عشرات السنين

فيما اعتبره الخبراء البيان الأقوى والأشد لهجة لمصر في مواجهة إسرائيل منذ عشرات السنوات. وبعد اجتماع للحكومة المصرية برئاسة الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء، وبحضور رئيس المخابرات وقيادات في الجيش، واستمر لأكثر من خمس ساعات بدأ في العاشرة مساء أمس وانتهى في الثالثة صباح اليوم، قررت مصر سحب سفيرها من تل أبيب إلى حين إبلاغها بنتائج التحقيقات، واستدعاء السفير الإسرائيلي في القاهرة، وإبلاغه رسمياً احتجاج مصر على إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي على الحادث، وبإجراء تحقيق رسمي مشترك لكشف ملابسات الحادث وتحديد المسؤولين عنه واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدهم بما يحفظ حقوق الضحاياquot;.

كما دعت إسرائيل إلى تقديم اعتذار رسمي عن الحادث، مؤكدة أن quot;مصر لن تتهاون في حقوق أبنائها وحماية أرواحهمquot;.

وفي بيان لاحق قررت الحكومة المصرية سحب السفير المصري من تل أبيب quot;إلى حين موافاة الحكومة بنتائج تحقيقات السلطات الإسرائيلية واعتذار قياداتها عن تصريحاتهم المتعجلة والمؤسفة تجاه مصر سيتم سحب السفير المصري من إسرائيلquot;.

واعتبرت الحكومة في بيانها شديد اللهجة أن الحادث quot;يعتبر خرقاً لبنود اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية، وتدعو إسرائيل بشكل فوري إلى فتح تحقيق في الحادث وموافاتنا بنتائجه في أقرب وقتquot;.

وحملت الحكومة إسرائيل المسئولية السياسية والقانونية المترتبة على هذا الحادث. وأكدت في البيان الذي يعد الأكثر حدة في مواجهة إسرائيل منذ عشرات السنوات أن quot;مصر ستستخدم كل الإجراءات الواقية لتعزيز منطقة الحدود من جانبها مع إسرائيل ودعمها بما يلزم من قوات قادرة على ردع إدعاءات لتسلل أي نشاط أو عناصر خارجة عن القانون، وكذلك الرد على أي نشاط عسكري إسرائيلي باتجاه الحدود المصريةquot;.

تكشير عن الأنياب

واعتبر الخبراء أن قرار استدعاء السفير الإسرائيلي وطلب اعتذار رسمي بمثابة تكشير لمصر عن أنيابها للمرة الأولى في مواجهة إسرائيل منذ 3 عاماً، حيث وقعت مثل تلك الاعتداءات في عهد الرئيس السابق حسني مبارك مرات عدة، ولكن لم يتخذ مثل هذا الإجراء الدبلوماسي الشديد.

غير أن المحتجين المرابطين أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة اعتبروه ضعيفاً، مؤكدين أنهم لن يغادروا أماكنهم قبل طرد السفير الإسرائيلي من مصر، وقال محمد سيد أحد المحتجين لـquot;إيلافquot; إن قرارات مجلس الوزراء جيدة، ولم تحدث من قبل، لكنها لا تلبّي تطلعات الثورة التي اندلعت من أجل الحفاظ على كرامة المواطن المصري، سواء في الداخل أو الخارج.

وأضاف سيد أنه لم يعد مقبولاً أن يتم قتل جنود مصريين على أيدي إسرائيليين كما كان يحدث في عهد مبارك بدون أن نقتص لهم ممن قتلهم، ويرى سيد أن إسرائيل لن ترتدع إلا بالقوة، لأنها لا تفهم لغة الدبلوماسية.

quot;مشاوراتquot; في اسرائيل بشأن قرار مصر سحب سفيرها

صرح ناطق باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية لوكالة فرانس برس السبت ان مسؤولي الخارجية الاسرائيلية يجرون مشاورات بشأن قرار مصر سحب سفيرها من اسرائيل.

وقال الناطق يغال بالمور ان quot;اعلانًا مصريًا في هذا الشأن صدر ونجري مشاورات في هذا الصددquot;. وقررت مصر ليل الجمعة السبت سحب سفيرها من اسرائيل احتجاجًا على مقتل ثلاثة من مجنديها على الحدود مع الدولة العبرية، كما اعلن التلفزيون الحكومي.

وقال التلفزيون ان quot;مصر قررت سحب سفيرها من اسرائيل إلى حين تقديم اعتذارات رسميةquot; من الدولة العبرية.

وكانت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية ذكرت ليل الجمعة السبت ان الحكومة المصرية quot;طلبت اعتذارات اسرائيلية رسميةquot; بعد اجتماع اللجنة الوزارية الطارئة المكلفة بحث تداعيات في المنطقة الحدودية.

وقالت الحكومة في بيان ان quot;مصر تطالب باعتذارات اسرائيلية رسميةquot;. وهي المرة الثانية التي تسحب فيها مصر سفيرها من اسرائيل منذ توقيع اتفاق السلام في 1979.

وكانت مصر استدعت السفير في اسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر 2000 احتجاجًا على quot;الاستخدام المفرط للقوةquot; من قبل اسرائيل ضد الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية.

استجابة لضغوط شعبية

يأتي التصعيد الرسمي استجابة لضغوط شعبية وسياسية، حيث شهدت مصر العديد من الاحتجاجات ضد إسرائيل بسبب مقتل جنودها، فانطلقت التظاهرات في القاهرة والإسكندرية وأسيوط وحلوان والسويس، وأثناء تشييع جنازات القتلى في المحافظات،وطالب المحتجون بقطع العلاقات مع إسرائيل وطرد سفيرها من القاهرة، والقصاص من قتلوا أبناءهم.

واستمرت التظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة طوال الليل، وأدّى المحتجون صلاتي العشاء والفجر في الشارع أمام السفارة، فيما كثفت قوات الشرطة والجيش من وجودها حولها، ومنعت المحتجين من الاقتراب منها، فيما استطاع محتجون رفع العلم المصري على مقر القنصلية في الإسكندرية، وطالبت القوى السياسية المختلفة المجلس العسكري والحكومة باتخاذ إجراءات حازمة مع تل أبيب رداً على مقتل الجنود.

ومن أمام السفارة الإسرائيلية أعلن منتدى اللجان الشبابية المشارك في التظاهرات أن الاحتجاجات سوف تستمر أمام السفارة الإسرائيلية إلى حين تلبية المطلب العادل المتمثل في طرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات الدبلوماسية وتعليق اتفاقية كامب ديفيد.

وأضاف المنتدى في بيان له فجر السبت 20 أغسطس، أن quot;ما حدث يتطلب إعادة صياغة تلك الاتفاقية التي عادت بالسلب على أبناء الشعب المصري، الذي لا يستطيع تنمية وتعمير جزءًا مهماً من أراضيه وهي سيناء. وطالب المنتدى بوقف ما أسماه quot;استخدام الجيش المصري، والذي هو ملك الشعب كحامي للكيان الصهيونيquot; على حد قوله.

منتقداً المجلس العسكري في رد فعله على الاعتداءات الإسرائيلية ضد الجنود، وقال إنه على نهج النظام السابق، وهو الشجب والإدانة والاحتجاج الرسمي، متناسيًا دماء الشهداء الذين راحوا ضحايا نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الحدود المصرية.

إعادة النظر

جاء الموقف الرسمي المصري استجابة للمطالب الشعبية والنخبوية، غير أنه تجاهل مطلب آخر مهم، ألا وهو مراجعة بنود إتفاقية كامب ديفيد، وأعلنت 28 منظمة حقوقيةتقديم الدعم المطلق وغير المحدود لأسر الضحايا والمصابين في أي إجراءات قانونية أو تصعيدية يرغبون في اتخاذها تجاه الجانب الإسرائيلي، مؤكدة على حقهم فى مقاضاة إسرائيل. وشددت المنظمات على أهمية إعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد بما يحفظ الحق المصري في تأمين كامل أراضيها والحفاظ على سيادتها.

خرق لمعاهدة السلام

واعتبر إتحاد شباب الثورة أن quot;الاعتداء على الجنود المصريين والأراضي المصرية يمثل خرقًا لمعاهدة السلام، ولكل المواثيق الدولية، محذرًا في بيان له من أن quot;الشعب المصري لن يصمت حيال أي مساس بالحدود المصرية أو الجنود المصريينquot;. وقال إن quot;الشعب المصري الذي قام بثورة 25 يناير، ووقف أمام الرصاص وفتح صدوره أمام الدبابات لإسقاط مبارك ونظامه لن يتردد لحظة واحدة في مواجهة الكيان الصهيوني وإسقاط هذا الكيان الهشquot;.

quot;انتهاك اتفاقية السلامquot;، هذا ما وصف به حزب المصريين الأحرار الذي يترأسه رجل الأعمال نجيب ساويرس مقتل الجنود المصريين على الحدود من إسرائيل، وقال في بيان له quot;إن عمليات القتل العشوائية والاعتداء على الحدود المصرية من جانب الجيش الإسرائيلي، تعد انتهاكًا صريحًا لمعاهدة السلام، وسلوك إجرامي تحرمه كل المعاهدات والاتفاقات الدولية، خاصة وأن الاعتداء ليس الأول من نوعه.

وأعرب الحزب عن دعمه لـquot;جهود قواتنا المسلحة والشرطة المصرية في مطاردة المرتزقة واستئصال الإرهاب والتطرف من أراضى سيناء الغاليةquot;. مشدداً في الوقت عينه علىأن quot;أرض مصر الغالية وترابها الطاهر لا يجوز أن يكون مرتعاً للإرهاب ولا يجوز لإسرائيل أن تتذرع بأي عذر للاعتداء على الحدودquot;.

تعديل الاتفاقية مطلب ضروري

يبدو أن هناك اتفاقًا بين التيارات السياسية والخبراء العسكريين على ضرورة مراجعة إتفاقية كامب ديفيد لمنح مصر حرية أكبر في تحرك القوات العسكرية في سيناء لحماية حدود، حيث تقيد تلك الاتفاقية التحركات المصرية.

وقال اللواء محمد على بلال قائد القوات المصرية في حرب تحرير الكويت والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية إن ما يحدث في سيناء من عمليات عسكرية ضد الجماعات المسلحة واعتداء إسرائيل على الجنود المصريين يتطلب إجراء تعديلات على إتفاقية كامب ديفيد.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن الاتفاقية ببنودها الحالية تحتاج إعادة النظر فيها بشكل عاجل، معتبراً أن الأحداث الحالية تؤكد ذلك، وطالب بلال باتخاذ مصر موقفًا حازمًا تجاه إسرائيل في حال ثبوت تعمدها قتل الجنود المصريين.

زيادة التسليح والجنود

ويشير اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمني إلى أنّ الاتفاقية بالشكل الحالي لا تسمح لمصر سوى بوجود 750 جندي من القوات المسلحة في المناطق quot;أquot; وquot;بquot; وquot;جquot; بطول 220 كيلو متر على الحدود المصرية الإسرائيلية، لافتاً إلى ضرورة إدخال تعديلات على الاتفاقية بما يسمح لمصر بزيادة عدد الجنود وزيادة التسليح بما يضمن الحفاظ على أمن سيناء وتطهيرها من الجماعات المسلحة.

وأكد سيف اليزل أن الأحداث الحالية فرصة لمطالبة مصر بهذا المطلب والضغط على إسرائيل لتحقيقه.

وأكد اللواء جمال حسني الخبير العسكري أن تحقيق الأمن الكامل في سيناء يستلزم إضافة ملحق لإتفاقية كامب ديفيد، وأوضح لـquot;إيلافquot; أن الاتفاقية تكبّل أيدي المصريين، وتجعلهم غير قادرين على تتبع العناصر المسلحة، مشيراً إلى أنه آن الأوان لإعادة النظر في بنود تلك الاتفاقية التي وقعتها مصر في ظروف ضاغطة عليها.

وقال إن إسرائيل كمن يكبّل أيدي إنسان من رجليه وساقيه، ويطلب منه خوض معركة مع آخر حر، منبهاً إلى أن العمليات الإرهابية التي شنتها جماعات مسلحة ضد خطوط الغاز أو المنشآت الأمنية والعامة في سيناء كشف عيوب الاتفاقية وينبغي تعديلها أو إضافة ملحق إليها.

فيما ذهب الفريق مجدي حتاتة رئيس أركان الجيش المصري السابق والمرشح الرئاسي المحتمل إلى أبعد من ذلك، حيث دعا إلى إقامة دعوى قضائية دولية ضد إسرائيل بسبب الحادث، وشددحتاتة خلال تصريحات تليفزيونية على ضرورة فتح ملف الاعتداءات السابقة التي قامت بها إسرائيل ضد جنود مصريين، وكذلك إعادة فتح ملف الأسرى المصريين الذين قتلوا على أيدي القوات الإسرائيلية خلال الحروب السابقة.

توتر وهدوء باستمرار

تاريخ العلاقات بين مصر وإسرائيل لا تسير على وتيرة واحدة، حسبما يقول الدكتور جهاد عودة أستاذ العلاقات الدولية، ويضيف لـquot;إيلافquot; إن العلاقات بين البلدين تشهد توترات وهدوء باستمرار، تبعاً للمواقف الإسرائيلية من القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، أو سلوك إسرائيل على الحدود مع مصر، مشيراً إلى إن ذروة التوتر قبل ذلك كان أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006، ثم الحرب على غزة في 2008.

وأعرب عودة عن اعتقاده أن إتفاقية كامب ديفيد تحتاج التعديل بما يمنح مصر حرية الحركة وزيادة التسليح وعدد القوات المسلحة في سيناء في المناطق التي تنص على ألا يزيد عدد القوات فيها عن 750 جندياً. مؤكداً أن مصر بعد الثورة أعلنت التزامها بالاتفاقيات الدولية، ومنها إتفاقية كامب ديفيد، لكن التطورات الحالية تستلزم مراجعة بعض بنودها، لا سيما أن عمرها تجاوز الثلاثين عاماً.

خروقات تبرر إلغاء الاتفاقية

ووفقاً للدكتور محمد عبد الحميد الخبير السياسي فإن إسرائيل ارتكبت في السابق العديد من الخروقات للاتفاقية، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن قتل جنود مصريين على الحدود من قبيل الخروقات التي تبرر إلغاءها، مشيراً إلى أن هناك رغبة شعبية جارفة في مصر لمراجعة بنود الاتفاقية التي صدق عليها الرئيس الراحل أنور السادات بدون استفتاء الشعب عليها حسبما ينص القانون والدستور.

وتابع: آن الأوان ليتم استفتاء الشعب على بنود تلك الاتفاقية بما يحفظ أمن سيناء ويمنح مصر حرية أكبر في الحركةعلى أرضها. ولفت عبد الحميد إلى أن نظام الرئيس السابق حسني مبارك كان يغض الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية، وكان يتعامل معها بمنطق النعام ويدفن رأسه في الرمال، لكن هذا السلوك لم يعد مقبولاً بعد الثورة، مؤكداَ أن ثورة 25 يناير قامت أجل استعادة كرامة المصريين في الداخل والخارج، ولن تقبل بأن يقتل أبناؤها من دون أن اتخاذ مواقف حازمة.

ويعتبر عبد الحميد أن قتل إسرائيل للجنود المصريين بمثابة بلونة اختبار لمصر بعد الثورة، فلو سكتت سوف تجتاح أراضي سيناء بحجة مطاردة الإرهابيين، ولو اتخذت موقفاً حازماً لن تجرؤ إسرائيل على ارتكاب أية حماقات، ليس في حق مصر فقط، بل وفي حق العرب جميعاًquot;، على حدّ تعبيره.