للمناسبات الدينية لونها الخاص في مختلف أنحاء العالم، وكل بلد يتميز بتقاليده رغم التطابق بين تلك المناسبات. ولعل شهر رمضان المبارك يمثل أطول مناسبة دينية، إذا صح التعبير، حيث يستمر لمدة شهر قمري كامل، وتسود الأجواء الاحتفالية في بلاد المسلمين. وبسبب الصوم تتغير الأمور العادية، حيث يبدأ الدوام متأخرًا في بعض البلدان، ومبكرًا في البعض الآخر؛ إلا أن الجميع يتفق على تسهيل الأمور في رمضان.


مأكولات رمضانية

عبد الخالق همدرد: يبدأ شهر رمضان في باكستان، في معظم الأحيان، مع حدوث خلاف عن رؤية الهلال، كما ينتهي بالمشكلة نفسها. وبالتالي تصوم بعض المناطق، ولاسيما المناطق البشتونية من إقليم خيبر بختونخوا وبلوشستان مع المملكة العربية السعودية وتعيّد معها، بينما الأقاليم الثلاثة الأخرى والمناطق غير الناطقة بالبشتو من إقليم خيبر بختونخوا فتصوم وتفطر وفق إعلان الحكومة، حيث لا ينسى الرئيس الحالي للجنة الهلال الرسمية تكرار القول بـ quot;إن الهلال إن كان موجودًا، يراه الجميعquot;، كلما يعلن عن استهلال شهر رمضان. وهكذا تشهد باكستان في معظم الأحيان عيدين للفطر. ولم تنته هذه الخلافات رغم محاولات من بعض الجهات.

أضف إلى ذلك أنه يتم استقبال رمضان في كل المناطق برفع أسعار المواد المستهلكة اليومية من الخضر والفواكه واللحوم كتقليد رمضاني. وكل الناس يعرفون أن شهر رمضان آت مع الغلاء. وبالتالي ستسمع من كل بائع ردًا واحدًا إذا سألت عن سبب الغلاء: quot;يا أخي هذا رمضان ونحن نشتري الحاجات أغلى فكيف نبيع أرخص؟quot;.

ورغم أن الحكومة تقيم أسواق رمضانية خاصة لتأمين المواد بأسعار أقل؛ إلا أنها عادة تكون غير نافعة، إما بسبب رداءة المواد المقدمة أو لكونها بعيدة عن متناول المواطنين.

يبدأ الصوم من السحور، وهناك تقاليد لإيقاظ الناس للسحور. ومن أهم تلك التقاليد quot;المسحّرونquot; الذين كانوا يوقظون الناس بضرب الطبول في دروب الأحياء السكنية وكان الناس يدفعون لهم أجرة غير معينة؛ لأن المسحرين كانوا يرون ذلك خدمة للناس ويحتسبون عليه أجرًا. وقد يضمحل هذا التقليد مع انتشار مكبرات الصوت في المساجد، حيث يطلق بوق في وقت السحور لإيقاظ الناس، وقبل الأذان بوقت لإشعارهم بانتهاء موعد السحور.

الجليبي والسمبوسة والشعيرية

رغم ذلك فإن تقليد quot;المسحرquot; لا يزال موجودا في بعض المدن، وبينها مدينة راولبندي، المدينة التوأم للعاصمة إسلام آباد، علمًا أن كلمة التوأمة تطلق على راولبندي؛ لأنه لا يوجد أي فاصل بين المدينتين سوى طريق عام يفصل بينهما مع تواصل العمران.

التقليد المتبع لإيقاظ الناس للسحور في الأرياف، أن أهالي القرى يتعاونون في ما بينهم، حيث يتولى الإيقاظ كل من يستيقظ أولا. فترى أن الناس يدقون أبواب جيرانهم لإيقاظهم إذا شعروا أنهم لم يستيقظوا بعد. كما إن الهواتف المتنقلة حلت محل الساعات المنبهة لتحديد موعد الاستيقاظ، في حين يستخدم بعض الناس الهواتف لإيقاظ أهاليهم من بعيد أيضًا. وقد حكى لـ إيلاف أحد المواطنين أنه كان يوقظ أهلهم في إسلام آباد للسحور من لندن.

أما نهارًا، فتتغير مواعيد الدوام الرسمي وغير الرسمي، حيث تنقص الحكومة من مواعيد الدوام فتنتهي قبل ساعتين من المواعيد العادية، بينما يحرص عمال البناء على مباشرة أعمالهم بعد صلاة الفجر بوقت قليل لينجزوا ثمان ساعات للعمل مع الظهر ليجدوا بعد ذلك فرصة للاستراحة، في حين تغلق الأسواق العادية قبيل الإفطار، سوى الأسواق التي تقدم حوائج العيد أو ما يتعلق بها.

قبل موعد الإفطار، يسود هدوء قاتل على الطرق والشوارع، حيث يمكن القول إن التحرك يتوقف تمامًا. ثم يعود الوضع إلى الطبيعة بعد ساعة من الإفطار. ولا تفوت هنا الإشارة إلى تقاليد الإفطار؛ لأنها جزء لا ينفك من الصيام مثل السحور. وتكون السفرة خلال شهر رمضان أوسع مقارنة مع الأيام العادية، حيث يحاول كل مواطن، مهما يكن وضعه الاقتصادي، تغيير لون المائدة، إضافة مآكل جديدة إليها.

هدايا الأطفال على الطرق

وقلما توجد مائدة بدون تمر وquot;بكوراquot; وفواكه. وعادة يفضل الناس تناول العشاء قبل صلاة التراويح. كما إن الإفطار يكسب صبغة احتفالية، حيث تتبادل الزيارات وتقدم الدعوات إلى الأصدقاء والأقارب. وتقام حفلات الإفطار في البيوت والفنادق والمساجد. وقد صدفت لإيلاف زيارة مناطق في إقليم خيبر بختونخوا حيث يحضر كل مواطن بإفطاره إلى المسجد فتفرش السفرة ويأكل الناس معا.

وينتهي يوم الصيام بقيام الليل والتراويح. والمساجد تكون مكتظة بالمصلّين في المدن خلال الأيام الأولى من شهر رمضان؛ إلا أن عدد المصلين يتناقص ndash; في كثير من الأحيان- مع مرور الوقت ليعود إلى نصابه بعد الخامس والعشرين. كما إن الناس يهتمون بليلة السابع والعشرين، حيث يحيونه في المساجد والبيوت تحسبًا لأجر ليلة القدر.

لا يتوقف الحراك حتى وقت متأخر من الليل في الأسواق التي تبيع حاجات العيد خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، حيث يفضل المواطنون التسويق في وقت أبرد إذا كان الجو حارًا... وتنتهي هذه الأجواء الاحتفالية مع بداية شهر شوال، حيث يعود المواطنون إلى أعمالهم على غرار ما يعملون قبل بداية شهر الصيام.