أثارت الجزائر حفيظة المجلس الوطني الانتقالي ومواطنيه الليبيين بقرارها استضافة أربعة من أفراد أسرة العقيد القذافي. وكان هذا نفسه امتدادًا لاتهامها القديم بأنها فتحت الباب أمام المرتزقة الأفارقة للقتال في صفوف العقيد.. فلماذا كل هذا؟.


معمّر القذافي وزوجته صفية

صلاح أحمد: سارعت الحكومة الجزائرية للقول إن قرارها توفير الملجأ لصفيّة فركاش، زوجة العقيد القذافي، وثلاثة من أبنائه هم محمد (ابنه من زوجته الأولى فتحية) وهانيبال وعائشة ينطلق من دواع إنسانية بحتة.

إضافة الى أن في هذا ردًا على استنكار المحتجين، فهو ايضًا يفي بأحد استثتناءات حظر السفر على العقيد ودائرته الداخلية، كما ورد في قرار الأمم المتحدة المتخذ في فبراير/شباط الماضي.

ونقلت فضائية laquo;بي بي سي نيوزraquo; الإخبارية عن السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة، مراد بن مهيدي، قوله إن بلاده تراعي أصول الضيافة وفقًا لتقاليد المنطقة وتراثها البدوي. وكرر موقف بلاده القائل إنها كانت ولاتزال تلتزم بالحياد التام إزاء الأحداث الليبية على مدى الأشهر الستة الأخيرة.

يذكر أن علاقات الجزائر بنظام العقيد لم تكن سهلة بسبب تدخله في سياساتها إزاء ما يعرف بـlaquo;دول الساحلraquo; الافريقية، التي تعتبرها الجزائر جزءًا من منطقة نفوذها. لكن علاقاتها بالمجلس الانتقالي الوطني الليبي لم تكن في أي وقت كان على ما يرام. وقد وصف الناطق باسم المجلس الانتقالي القرار الجزائري بتوفير الملجأ لأقارب القذافي بأنه laquo;غير شرعيraquo;، وقال إن الحكومة الجديدة ستسعى بكل السبل القانونية المتاحة إلى استعادتهم من أجل وقوفهم أمام العدالة.

نعم للمرتزقة ولا للناتو
الواقع أن الأجواء ظلت معكرة بين الجزائر والثوار منذ اللحظات الأولى عندما قال هؤلاء الأخيرون إن الأولى تستقبل المرتزقة الأفارقة على أراضيها قبل تسهيل وصولهم الى ليبيا للقنال في صفوف القذافي.

إقرأ في إيلاف أيضًا...
الجزائر في وضع مربك أكثر من أي وقت مضى تجاه الثوار الليبيين

السبب الرئيس في هذا الوضع غير المريح بالنسبة إلى أي من الطرفين، وفقًا لبي بي سي، ذو شقين عندما يتعلق الأمر بالجزائر: الأول هو خوف حكومتها من انتشار اللهب الثوري الذي اجتاح الجارة الشرقية الى أراضيها. وقد بلغ هذا الهلع حدّ أن الحكومة الجزائرية لم تعترف بشرعية المجلس الانتقالي في ليبيا حتى الآن.

أما الشق الثاني فهو نفور المسؤولين الجزائريين من نوع التدخل الأجنبي ممثلاً في laquo;قوات حلف شمال الأطلسيraquo; (الناتو) ومساعدتها الثوار والمجلس الانتقالي على الإطاحة بحكم العقيد الراسخ كالجبل على مدى 42 عامًا. يتجذّر هذا الخوف في تجربة الجزائر المؤلمة مع الاستعمار الفرنسي. وهي تجربة تبني عليها الجزائر شكوكها العميقة إزاء نوايا الدول الغربية في المنطقة العربية عمومًا وشمال افريقيا خصوصًا.

على هذا الأساس فقد سعت، قدر ما استطاعت، الى أن يوضع الأمر برمته في يد الاتحاد الأفريقي وليس في يد القوى الغربية. ويقول الزبير عروس، البروفيسر في جامعة الجزائر، إن الدبلوماسية الجزائرية laquo;فشلت لأنها، كالعادة تحركت في وقت متأخرraquo;. ويعزو هذا التأخير الى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة laquo;يريد أن يكون هو المسيطر على كل شيء في ما يتعلق بالسياسة الخارجية أيضًاraquo;.

هلع من الإسلاميين
هناك أيضًا الخوف من وصول المد الثوري الى الأراضي الجزائرية وأثره على الاستقرار الهشّ الذي يسودها حاليًا. ويقول البروفيسير عروس إن النظام ينظر الى أحداث ليبيا laquo;باعتبارها خطرًا إقليميًا على المنطقة بأسرها. وهذا خوف يستند بشكل رئيس الى قناعة بأن المجلس الوطني الانتقالي الليبي مفتوح على مصراعيه أمام تأثير التيارات الإسلامية الأصوليةraquo;.

ويقول البروفيسير إن الجميع في ليبيا laquo;مدججون بالسلاح من الخفيف الى الثقيل. ولهذا فقد ارتكب كل من الجانبين مجازر مروّعةraquo;. ويضيف قوله إن هذا يعني أيضًا توافر السلاح في ايدي الأصوليين. ويمضي قائلاً إن الوضع الحالي وغياب الأمن والنظام في ليبيا يعني أنه من المستحيل وقوف القذافي وآله ورموز نظامه أمام محاكمات عادلة لأن الوضع خارج على السيطزة.

.. والقاعدة
انشغلت الصحافة الجزائرية لفترة طويلة الآن بالتركيز على أن ليبيا صارت بوّابة يمر عبرها السلاح الى تنظيم القاعدة في المغرب الكبير، الذي يتخذ من الأراضي الجزائرية مقرًا أساسيًا له. وكانت الحكومة قد شددت حراستها على الحدود مع ليبيا منذ اندلاع الثورة، ثم أغلقتها بعيد وصول زوجة القذافي وأبنائه إلى أراضيها وفقًا لما نشرته صحيفة laquo;الوطنraquo; الجزائرية.

هانيبال القذافي
محمد القذافي
عائشة القذافي

وبالطبع فإن الجزائر لاتزال تلعق جراح حربها الأهلية في أعقاب إلغاء انتخابات 1992 بعدما صار مؤكدًا أن الإسلاميين سيفوزون بها. والواقع أن إنجاز الحكومة الجزائرية الأكبر يتمثل في تمكنها من التغلب على آثار ذلك الوضع واكتسابها شرعيتها من وقف نزيف الدم الفوّار الذي أتت به تلك الحرب.

فزّاعة
على أن المنتقدين يقولون إن حكومة بوتفليقة ظلت، ولفترة طويلة، تستغل laquo;فزّاعةraquo; الأصوليين لصرف الانتباه عن تقصيرها في تأدية مختلف مهمامها المتعلقة بتنمية البلاد وازدهارها.

ويضيفون أن الفزّاعة هذه أتاحت لها ايضًا الركون الى الإجراءات التي اتخذتها من أجل laquo;حماية أمن البلادraquo; من نوع المخاطر التي أتى بها laquo;ربيع العربraquo; على المنطقة.

ومعروف أن الجزائر شهدت إرهاصات لهذا الربيع على أراضيها في مطلع العام الحالي. لكن الحكومة تمكنت من سد الطريق عليها بفضل ثلاثة عوامل، تلخصت أولاً في توظيف قوات الأمن الى الدرجة القصوى الممكنة لمنع إراقة الدماء، والثاني في توفير حاجيات المواطنين، والثالث في الانقسامات وسط صفوف المعارضة نفسها.

وأخيرًا فإن ما يدعم الخوف الجزائري هو أن البلاد والمغرب هما النظامان الباقيان اللذان لم يتزلزلا برياح ربيع العرب في شمال افريقيا. لكن هذا لا يعني أنهما خارج المسار، وإنما ينتظران دوريهما على الأرجح.

بوتفليقة