تخشى تقارير غربية من أن يؤدي عدم القبض على معمر القذافي في الوقت القريب إلى إدخال البلاد في اتون الحرب الأهلية، وهذا ما تبينه التجارب التاريخية، ففي العراق مثلاً أدى اختفاء صدام حسين لمدة 8 أشهر إلى تأجيج حالة العنف والفوضى.


المساعي متواصلة لمعرفة مكان اختباء القذافي

للتاريخ طريقة غريبة في إعادة نفسه بصورة غالباً ما تكون أسرع من المتوقع. ففي غضون ساعات من غزو بنما عام 1989، نجحت القوات الأميركية في تدمير القوات الدفاعية البنمية، وتعامل حينها الشعب البنمي الذي دامت معاناته طويلاً مع الأميركيين على أنهم محررون. لكن الإخفاق في إلقاء القبض على الجنرال مانويل نورييغا على وجه السرعة فرض نفسه على التصورات الخاصة بعملية quot;القضية العادلةquot;.

وفي أول مؤتمر صحافي أقيم في واشنطن بعد هذا الغزو، سأل الصحافيون quot; هل يمكننا بالفعل أن ننظر إلى عملية (القضية العادلة) على أنها عملية ناجحة طالما أننا لم ننجح بعد في وضع نورييغا خلف القضبان؟quot;. وهو الهدف الذي تحقق بصورة أكثر وضوحاً في نموذج العراق، بعد غزو البلاد من قِبل قوات التحالف في العام 2003، حيث تم التخلص من الهدف الظاهر للغزو، وهو الرئيس العراقي صدام حسين.

وفي هذا السياق، قالت مجلة فورين بوليسي الأميركية إنه وعلى الرغم من مشاعر الابتهاج التي هيمنت في البداية على المواطنين العراقيين العاديين بسبب تحررهم، إلا أنهم قد ابتلوا بشعور متنامٍ من عدم الارتياح والجحود، في الوقت الذي بدأت تظهر فيه كتابات إشادة على الجدران بصدام في ذلك الذي يطلق عليه المثلث السني في العراق، وتحمل رسائل من بينها quot;صدام لا يزال قائدناquot; وquot;صدام البطل سيعودquot;. وبينما احتاجت القوات الأميركية إلى أسبوعين كي تتمكن من إلقاء القبض على نورييغا، فإن صدام حسين نجح في مراوغة قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على مدار ثمانية أشهر، وهي الفترة التي نجح أن يلتئم فيها التمرد السني الذي كان سبباً في مقتل عشرات الآلاف من العراقيين وتدمير العراق تقريباً.

ورأت المجلة في هذا الإطار أن مصير ليبيا ربما يتوقف اليوم بالمثل على خطوة اعتقال الدكتاتور المخلوع، معمر القذافي. وحتى في الوقت الذي نجحت فيه القوات الموالية للمجلس الوطني الانتقالي المدعوم من قِبل الدول الغربية في اقتحام طرابلس ومحاولتها تعزيز هيمنتها، فإن اختفاء القذافي يلقي بظلاله على مستقبل البلاد.

وقال مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي quot; لن ينتهي الأمر إلا باعتقاله حياً أو ميتاً. فنحن إذ نخشى الفوضى والدمار من جانبه، لأن هذه الأشياء من قيمه ونشأته وممارساتهquot;. أو كما تحدثت ربة منزل لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، بقولها: quot;سأخشى دائماً من احتمالية عودته، ولن تزول مشاعر الخوف الكامنة بداخلي، إلا عندما أراه خلف القضبان أو معلقاً على حبل المشنقةquot;.

وأكدت فورين بوليسي أن اعتقال القذافي يشكل أمراً حيوياً لتجنب الدخول في حرب أهلية طويلة، وتحقيق نتيجة مقبولة استراتيجياً في ليبيا. وإدراكاً من جانبه لتلك الحقيقة، أعلن المجلس الوطني الانتقالي عن مكافأة قدرها 2 مليون دينار ليبي لمن ينجح في اعتقال الزعيم المخلوع، وعرض العفو عن الجرائم السابقة لأي عضو من أعضاء الدائرة المقربة من القذافي الذي قد يعتقله أو يقتله.

وفي وقت لا ترغب في إدارة أوباما في نشر قوات أميركية في ليبيا، تساءلت المجلة: ما هي أكثر الطرق التي تتزايد فيها احتمالات إلقاء القبض على القذافي؟ - ثم مضت تتحدث بعدها عن ذلك الكتاب المعنون بـ quot;Wanted Dead or Alive: Manhunts from Geronimo to bin Ladenquot; وهو الكتاب الذي يسرد تاريخ 11 عملية ملاحقة إستراتيجية سابقة، ويوضح أي عوامل يمكن أن تؤدي إلى نجاح أو فشل عملية اعتقال الهدف المطلوب. وتبين في هذا الشأن أن هناك 6 عوامل متغيرة هي : مستوى التكنولوجيا المطبقة (بشكل نسبي وبشكل مطلق)، مقدرة القوات، التضاريس، الذكاء البشري، قوة السكان الأصليين، والمساعدات الثنائية.

وخلص الكتاب في هذا السياق إلى أربع نتائج مفاجئة، أولها: رغم حالة التفوق التقني التي تحظى بها القوات الأميركية بشكل دائم تقريباً، إلا أن تلك الميزة لم تكن حاسمة يوماً ما على الإطلاق. وثانيها: أن مقدرة القوات تقل في الأهمية عن وجود قوات أصلية موثوق بها. وثالثها: مع أن التضاريس قد تؤثر في الحملات الفردية، فإنه لا يوجد نوع واحد من أنواع التضاريس يمكنه أن يتنبأ بالنجاح أو الفشل. ورابع تلك النتائج: القدرة على تجميع معلومات استخباراتية من السكان المحليين أو الحصول على دعم من الدول المجاورة للمساعدة في عملية المطاردة الإستراتيجية.

وفي الختام، رأت المجلة أن الدعم الغربي لقوات المجلس الوطني الانتقالي من غير المرجح أن يكون عاملاً حاسماً في عملية المطاردة. وأكدت أن عامل التضاريس أو الجغرافيا هو الآخر لن يكون العامل الحاسم في مساعي القبض على القذافي.

وأوضحت أن الأهم هنا هو تجميع معلومات استخباراتية ربما تفيد في الوصول إلى الأماكن التي قد يلجأ العقيد الليبي إلى الاختباء والاحتماء بها. وعلى افتراض أن عملية البحث عن القذافي سوف تستغرق وقتاً طويلاً، بات يتعين الآن على المجلس الوطني الانتقالي أن يعمل بسرعة نحو بناء هيكل حكومي جديد قادر على إدماج تلك المجموعات القبلية وأن يلتزم الصبر في ظل المساعي المبذولة لعزل القذافي وأسرته.