القوات السورية تعتدي على متظاهرين قرب حمص- من يوتيوب

حين يصل الأمر إلى حد أن إيران نفسها تجاهر بحث الرئيس السوري بشار الأسد على الإستجابة لمطالب شعبه المشروعة فان هذا لا يعني سوى أن النظام السوري يقف الآن محاصراً في زاوية ضيقة.


لندن: يبدو أن الدائرة تضيق على النظام السوري، فايران أعلنت أن على الرئيس بشار الأسد الاستجابة لمطالب شعبه، وحتى حليفه حزب الله أدرك، على ما يبدو، أن الوضع في سوريا ميئوس منه وهو يريد الاستعداد لكل الاحتمالات على غرار طهران.

وفي هذا السياق جاءت دعوة الأمين العام للحزب حسن نصر الله جميع الأحزاب السياسية في سوريا الى العمل معا لحل الأزمة فيما دعا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الحوار بين النظام وخصومه. وفي حين يؤكد الإيرانيون معارضتهم إسقاط النظام فانهم لم يمنحوا الأسد دعماً غير مشروط لحملته ضد المحتجين.

ونقلت مجلة تايم عن الكاتب رامي خوري في بيروت، انه حين يعترف اكبر حليفين للنظام السوري في العالم، إيران وحزب الله، علناً بأن مشاكل سوريا عميقة ولا يمكن حلها بالاجراءات الأمنية الحالية فان هذا مؤشر الى ان النظام السوري في مأزق كبير.

ويأمل كثير من عناصر المعارضة السورية بأن يكون إسقاط نظام القذافي في ليبيا نذيرا للنظام السوري بقرب نهايته، لا سيما وأن العديد من حلفاء النظام أنفسهم ما عادوا يراهنون على بقائه.

وينقل المحلل الإيراني كافي افراسيابي عن مصادر عليمة في طهران ان النظام الإيراني يريد تفادي الارتباط بسفينة غارقة في سوريا، حتى وإن كان يقصر مواقفه المعلنة حاليا على دعوات اصلاحية أطلقها الأسد نفسه من قبل.

وكتب افراسيابي ان قادة الجمهورية الإيرانية، بوصفهم أصحاب باع طويل في البقاء نجحوا في التعامل مع اهوال حرب طويلة واحتجاجات جماهيرية على امتداد 32 عاما من حكمهم، هم سياسيون برغماتيون نادرا ما يسمحون للايديولوجيا أو العقيدة الجامدة بالتأثير في استيعابهم للديناميكيات السياسية.

وهم يفضلون ان يكونوا متقدمين على التطورات السياسية لا ان يلهثوا وراءها. واضاف افراسيابي ان هذا يتطلب quot;مقاربة مزدوجةquot; إزاء سوريا، مسار يعمل مع تركيا وقوى اقليمية أخرى تضغط باتجاه الاصلاح الديمقراطي، والمسار الآخر يظل متناغما مع سياسة التحالفات التي تملي تقديم دعم سري لنظام الأسد ومعارضة أي تدخل أجنبي على غرار ما حدث في ليبيا.

وفي غضون ذلك تشتد وطأة العقوبات المفروضة على النظام السوري بتحرك الاتحاد الاوروبي نحو شكل من أشكال الحظر النفطي. وأثار هذا مخاوف أوساط واسعة من نخبة التجار ورجال الأعمال الذين كانوا من أهم دعائم النظام حتى الآن، خشية خنق الاقتصاد السوري خطوة فخطوة. وأخذت هذه الاوساط في بعض الحالات تراجع موقفها من المعارضة بعد تجاهلها في البداية.

ولكن مراقبين يستبعدون ان تغير العقوبات ميزان القوى في المواجهة الحالية خلال الأشهر المقبلة، مشيرين الى ان النظام لا يبدو في خطر داهم. فان ازمته ازمة مديدة لأن اجراءاته خلال الأشهر الثلاثة الماضية ربما جعلت من المتعذر التحول بنجاح من القمع السافر الى صيغة تجمع بين الاصلاح السياسي لإسكات المحكومين والازدهار الاقتصادي لشراء رضاهم. وبالتالي فان النظام حتى إذا تمكن من البقاء لبعض الوقت فيبدو ان احتمالات نجاحه في ترسيخ مواقعه بعد الأزمة الراهنة قد تضاءلت.

ولكن اصواتا قوية في المعارضة السورية ترفض الانخراط في لعبة النفس الطويل بالعقوبات والاحتجاجات اللاعنفية في مواجهة بطش النظام، وهي تبحث عن سبل تسريع النهاية ببديل اشد فاعلية. غير ان المعارضة ما زالت منقسمة ولم تتفق حتى الآن على مركز تنظيمي واحد، بل انها لم تحسم قضايا استراتيجية مثل اللجوء الى السلاح أو الاستعانة بتدخل عسكري من الخارج كما حدث في ليبيا أو معالجة قضايا سياسية مثل دور الاسلاميين وجماعة الإخوان المسلمين في الانتفاضة ووضع الاقليات في مرحلة ما بعد الأسد.

وكان ممثلون للمعارضة السورية في الداخل سارعوا الى شجب المحاولة الأخيرة التي قامت بها تركيا لتشكيل مجلس وطني انتقالي بقيادة معارضين في الخارج وعضوية قياديين من معارضة الداخل. ورفض مجلس قيادة الثورة السورية للجان التنسيق قيادة المجلس الذي شُكل في تركيا بوصفها quot;اشباحاquot;. واعلنت مجموعات معارضة في الداخل وقوفها ضد الدعوة الى السلاح محذرة من ان هذا يخدم تكتيك النظام الذي يزعم ان حملته تستهدف quot;عصابات مسلحةquot; وان من شأنه ان يحدد المشاركة الشعبية.

ويقول معارضون آخرون في الداخل ان التدخل الغربي سيكون كارثة على سوريا ولكن تدخلا تركيا عربيا سيكون موضع ترحيب. ومن الواضح انه ليس في سوريا معادل للمجلس الوطني الانتقالي الليبي يمكن للقوى العربية والغربية ان توجه دعمها السياسي والاقتصادي وفي النهاية مساعداتها العسكرية من خلاله. وتنقل مجلة تايم عن بيتر هارلنغ من مجموعة الازمات الدولية ان من الأخطاء الكبيرة التي يتعين تجنبها أن يفتح الغرب خطوط اتصال مع المعارضة في محاولة لايجاد ما يُسمى بديلا واضفاء الشرعية عليه.

وحذر هارلنغ من ان حركة الاحتجاج في الداخل تختلف عن معارضة الخارج ومجموعة المعارضين المعروفين منذ فترة طويلة في سوريا نفسها. واضاف ان معارضي الخارج الذين كثيرا ما يشتبكون في مماحكات ذاتية وشخصية، قدموا صورة quot;بديلquot; يذكِّر بالعراق.

وقام العديد من هؤلاء بمبادرات تنال من شرعيتهم على الأرض وتثير احتجاجات ضدهم حين يطرحون انفسهم قادة سوريا القادمين وينظمون مؤتمرات تستضيفها دول داعمة ويلتقون مسؤولين اميركيين يلمحون لهم بإحداث تغيير جذري في السياسة الخارجية. وفي بعض الحالات دفع غياب الرصيد الجماهيري شخصيات معارضة الى التعويض عنه بالاستثمار المفرط في سمعتهم والاعتراف بهم في الخارج.

ودعا هارلنغ الى عدم تشجيع هذا الاتجاه الذي يرفضه غالبية السوريين. ويقترح هارلنغ بدلا من ذلك ان تبدأ الدول العربية والغربية بمعالجة تحديات آنية تتعلق بقضايا الانتقال، مثل الأمن والاقتصاد. فممارسات نظام الأسد ربما حسمت مصيره على المدى البعيد وألغت أي جهود لقيادة المشاريع الإصلاحية في البلاد، ولكن السؤال الى متى سيبقى هذا النظام؟ سيجيب عنه السوريون أنفسهم في الأشهر المقبلة.