يعتبر يهود إسرائيل، الذين ينحدرون من أصول سورية، أن الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد باتت قاب قوسين أو أدنى، بل إنهم يعوّلون على النظام المرتقب في استعادة ما وصفوه بـ الإرث، الذي تركوه في دمشق قبل هجرتهم إلى إسرائيل، والذي مرر الكنيست أخيراً قانوناً بخصوصه.


في الوقت الذي تدار في رحى المعارك الضارية بين نظام بشار الاسد وشعبه، يترقب يهود إسرائيل ذوو الأصول السورية، ما يجري في الجارة الشمالية، موطنهم الأصلي، وما ستسفر عنه المطالبة بنظام جديد، يمكن التعويل عليه، بحسب اعتقادهم، لاستعادة ما وصفوه بـ quot;الإرث اليهوديquot; الذي تركوه في سوريا قبل هجرتهم الى اسرائيل.

كان من بين هؤلاء الكاتب والاعلامي الإسرائيلي quot;موشي شمرquot;، الذي أسهب في مقاله المنشور في صحيفة يديعوت احرونوت العبرية في الحديث عن ما وصفه بـ quot;إرثquot; اليهود السوريين، وكيفية المطالبة باستعادته بعد الهجرة الى اسرائيل.

وتحت عنوان quot;أنا من شامquot;، استهل موشي مقاله بالتأكيد على أن هذا العنوان ليس خطأً مطبعياً، أو سهواً منه عند تحديد هويته وجذوره، وإنما هو الاسم الأصلي للعاصمة السورية دمشق، بينما يعود تسمية المدينة بـ quot;دمشقquot; إلى منعطف أدبي، فدمشق بحسب الإعلامي الإسرائيلي ذي الأصول السورية هو اسم أدبي، وأنه ذُكر في العهد القديم 37 مرة.

الطريق إلى النهاية والسقوط

حول ما يجري في سوريا حالياً، يرى موشي شمر ان تمرد الشعب السوري ضد نظام الاسد سيستمر، فعلى الرغم من القمع واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، يبدو ان النظام السوري في طريقه الى النهاية والسقوط، إذ إن الاسد يستمد قوته السياسية من قادة مؤسسته العسكرية، وأبناء الاقلية العلوية في سوريا، وبعيداً عن تعويله فسوف تتغلب أكثرية الشعب السوري على الاقلية القمعية، وذلك استناداً الى أجواء الحركة الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط.

ويضيف شمر: quot;لا اقتنع بالدعاية مرتفعة الصوت المساندة لبشار الاسد، أو بإخفاء ضحايا جموع الشعب السوري الثائر، فما نعرفه جيداً هو ان حركة التمرد في شوارع المدن السورية موفقة الى حد كبير، وما خفي وما هو معلن سيتمخض في نهاية المطاف عن ترسيخ الديمقراطية في نظام الحكم السوري، عندئذ قد تنال اسرائيل حظاً من تجاوب النظام السوري الجديد، وربما نحصل quot;يهود سورياquot; في نهاية المطاف على حقوقنا المسلوبة في سورياquot;.

بدأ quot;موشي شمرquot; في التعريف بنفسه، مشيراً الى انه ولد في دمشق، وانتمى فيها إلى إحدى الاسر اليهودية العريقة، وكان والده quot;زكي شمرquot; احد الفنانين البارزين في صناعة النحاس، إذ كان يهود دمشق يحترفون هذه المهنة، وعندما بلغ موشي السابعة من عمره، نال شرف مصافحة الجنرال الفرنسي ديغول، عندما قام بزيارة الى دمشق عام 1942.

بعد هذا التعريف المقتضب، أكد موشي انه وابناء جلدته من اليهود الذين ينحدرون من أصول سورية، يتابعون باهتمام وشغف بالغين تطورات الاحداث الدائرة في سوريا، ويملؤهم الأمل في ان تتمخض تلك الاحداث عن نظام سوري جديد، يكون اكثر انفتاحاً للتفاوض معه حول تحديد مصير ما وصفه موشي بـ quot;الارثquot; اليهودي، ومستقبل المعابد اليهودية، وكتب التوراة، وادوات المعبد المتعددة في سوريا، الامر الذي قد يُسفر عن تفعيل قانون تم تمريره أخيراً في البرلمان الاسرائيلي quot;الكنيستquot;، ويقضي بحصول يهود سوريا وغيرهم الذين ينحدرون من اصول دول عربية على تعويضات مادية عن الممتلكات والثروات، التي تم تأميمها في الدول العربية قبل هجرة معظم اليهود الى اسرائيل ودول العالم، وهي الثروات التي قدرها موشي شمر بملايين الدولارات.

ووفقاً لمعطيات نشرتها الموسوعة العبرية على شبكة الانترنت، يقيم يهود اسرائيل الذين ينحدرون من اصول سورية في عدد من الامكان المتفرقة في الدولة العبرية، بينما يتركز معظمهم في مستوطنة quot;بات يمquot;، وفي هذه المنطقة يسكن عدد كبير من اليهود السوريين منذ هجرتهم الى اسرائيل. وفي منطقة quot;كريات تفعونquot; التي تتألف من نقاط استيطانية عدة، تقيم شريحة أخرى من هؤلاء اليهود، خاصة في مستوطنة quot;ألورايquot;، التي اقامها عدد من مهاجري سوريا وتركيا.

تأصيل وتوثيق تاريخي

في السياق عينه، حاول الاعلامي الاسرائيلي تأصيل وتوثيق تاريخ الطائفة اليهودية في سوريا، مشيراً بحسب يديعوت احرونوت، الى ان بني جلدته عاشوا في سوريا بلا انقطاع زهاء 3000 عاماً، ويعود تاريخهم هناك الى 1600 عاماً قبل دخول الاسلام بلاد الشام.

وفي بداية القرن العشرين بلغ عدد يهود سوريا 30 ألف نسمة، الا ان الحرب العالمية الاولى ادت الى هروب ابناء تلك الطائفة الى مختلف دول العالم، غير ان معظمها هاجر الى اميركا الجنوبية، بينما تم تجنيد البعض قسراً في الجيش العثماني، مما ادى الى قتل معظمهم.

وفي بداية العقد الثالث من القرن العشرين، وبعد تأسيس الحركة المنعوتة بـ quot;حركة الانقاذquot;، وهى اولى الحركات الصهيونية لدى يهود دول الشرق، بدأ ما وصفه الاعلامي الاسرائيلي بهروب هؤلاء اليهود الى اسرائيل، ووصلت الهجرة الى ذروتها خلال اربعينيات القرن الماضي.

الموجة الاخيرة في اسرة الطائفة اليهودية السورية هاجرت الى اسرائيل في اعقاب ابرام اتفاق بتدخل من الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، وبحسب يديعوت احرونوت وما جاء على لسان الاعلامي الاسرائيلي موشي شمر، رهن الرئيس السوري في حينه حافظ الاسد ذلك بهجرة يهود سوريا الى الولايات المتحدة مباشرة، وهذا هو ما حدث بالفعل.

وفي اطار بالغ من السرية، وتحت غطاء من منظمات معنية، خرج ما يربو على 4000 يهودي من دمشق الى نيويورك، ومن هناك الى اسرائيل، ليستوطنوا في منطقتي quot;حولونquot;، وquot;بات يمquot;، ولم يبق في سوريا حالياً سوى طائفة تضم عشرات اليهود من الرجال والنساء.

وتعود الصحيفة العبرية على لسان موشي شمر للحديث عن بيت القصيد وهو quot;الارث اليهودي في سورياquot;، مشيرة الى انه على مر السنين، هاجرت من سوريا المئات من الأسر اليهودية الثرية والفقيرة، ولم يحمل هؤلاء في هجرتهم - بحسب وصف الصحيفة العبرية ndash; سوى الملابس التي يرتدونها، تاركين ممتلكاتهم ومنازلهم وثرواتهم، التي أممتها السلطات السورية، وحتى اليوم تستأجر الحكومة السورية عدداً من المباني اليهودية، وتضع قيمة جباية الايجار في خزانة الدولة، بينما استحوذت اسر اللاجئين العرب المقيمين في سوريا على بعضها.

والمح تقرير الاعلامي الاسرائيلي موشي شمر الى ان السلطات السورية قامت خلال السنوات القليلة الماضية بترميم الجزء الغربي من الربع اليهودي، الذي يضم عددًا كبيرًا من منازل الاثرياء اليهود، لتحويلها الى موقع أثري يحوي عدداً من الفنادق ومحال تجارية عالية المستوى، ومقاهي، ومتاحف.

كما لا يزال قائماً في العاصمة السورية ما يزيد عن 17 معبداً يهودياً فارهاً، يحتوي على المئات من كتب التوراة، وآلاف الكتب المقدسة، إضافة الى عدد من المدارس، ومقار للطائفة اليهودية، ومخطوطات أثرية يهودية لا تُقدر قيمتها بثمن.