يقف النظام السوريّ المُترنّح، والذي يحاول احتكار المعلومة لفائدته، عاجزًا أمام قدرات الحاسوب، ومهارات المدونين والناشطين الإلكترونيين الذين أخذوا على عاتقهم التصدّي لإعلام حزب البعث الذي لا ينقل بأمانة حقيقة الثورة التي تشهدها سوريا منذ 15 مارس/ آذار للمطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد عن الحكم.


صفحة سوريّة على فايسبوك تساند الثورة على نظام بشار الأسد

دمشق: دخلت الثورة السوريّة على نظام بشار الأسد وحزب البعث شهرها الثاني، ومع اتساع رقعة الاحتجاجات وانتقالها إلى مدن أخرى، ظلت لوقت قريب quot;هادئةquot;، بات من الواضح أنّ الأمور تتّجه نجو مزيد من التصعيد، خاصة مع النجاح الكبير لما يعتبره منظمو الاحتجاجات quot;جمعة الإصرارquot; التي خرج فيها الآلاف هاتفين بالحرية من جهة، وquot;تصلبquot; الرئيس السوريّ ونظامه تجاه مطالب المُحتجين من جهة ثانية.

منذ أن شهدت سوريا موجة من التظاهرات غير المسبوقة في محافظات عدة يوم 15 آذار/مارس الماضي للمطالبة بإصلاحات حقيقية وإطلاق الحريات العامة وإلغاء قانون الطوارئ ومكافحة الفساد وتحسين المستوى المعيشي والخدمي للمواطنين، بات واضحًا أنّ النظام اختار نهج التعتيم الإعلاميّ على التظاهرات والاحتجاجات وما رفقها من اشتباكات مع أعوان أمن وبلطجية محسوبين على حزب البعث.

ورغم سياسة التعتيم والترهيب، التي تنتهجها الآن السلطات السورية، للحيلولة دون انفضاح أمرها وأمر أجندتها الوحشية أمام العالم، نتيجة لقمعها موجة التظاهرات غير المسبوقة التي تشهدها البلاد حالياً للمطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد عن سدة الحكم، إلا أن قبضة السلطات الحديدية وقفت عاجزةً أمام قدرات الحاسوب، ومهارات المدونين والناشطين الإلكترونيين، بعد لجوئهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي لكسر القيود التي تفرضها الدولة التي تصنّف على أنها quot;البوليسيةquot;، وتحديهم هذا كله وإقدامهم على نشر أحدث الأخبار والصور المتعلقة بالاحتجاجات المندلعة ضد النظام.

لم ينل النظام السوريّ مبتغاه على ما يبدو، فوهم التعتيم على أخبار الاحتجاجات تمهيدا لقمعها بصمت، خامر رفيقيه التونسي زين العابدين بن علي والمصريّ حسني مبارك في السابق، لكنّ جيل الشباب الآخذ بناصية التكنولوجيات الحديثة والمنفتح على تجارب الثورات السابقة، أفشل مخططات التعتيم الإعلامي وتشديد القبضة على الصحافة والإعلام بمنع المحطات التلفزيونية من التصوير ونقل أخبار التظاهرات، واعتقال الصحافيين، وضربهم، وطرد بعضهم من التراب السوريّ.

المئات من الصفحات على فايسبوك، والمئات من المدونات، ومواقع المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان quot;تجنّدتquot; لنقل ما عجز الصحافيون عن نقله، من صور ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتيّة وشهادات حية لما يجري في درعا والقامشلي وغيرها من مدن سوريا الثائرة على نظام الأسد.

تدلّل صحيفة quot;غلوبال بوستquot; الأميركية على هذا التوجه المتعلق بشجاعة الشباب السوري في تحشيد ما يملك من إمكانيات افتراضية لمجابهة آلة التعتيم والقمع الرسميّة، بإلقائها الضوء على مزيد من التفاصيل المتعلقة بحياة أحد هؤلاء الناشطين، وهو سوري الجنسية ويدعى رامي نخلة، حيث كان يُعرف بـ quot;ملاذ عمرانquot;، حتى تم الكشف عن هويته الحقيقية في الأسبوع الماضي من قِبل الشرطة السرية السورية.

وأكدت الصحيفة كذلك أنه كان يمتلك العديد من أرقام الهواتف المحمولة، وكان يستعين بالعديد من الأسماء المستعارة. وقالت إنه لاذ بالفرار من سوريا بعدما علم أنه مستهدف، وأنه سيتم إلقاء القبض عليه عما قريب، وهو إذ يعيش الآن في منزل آمن في العاصمة اللبنانية بيروت.

وبرغم المخاطر التي تحيط بأسرته، قال نخلة إنه غير قادر على العودة إلى منزله.

وعلى صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي، فايسبوك، تلقي نخلة خلال الآونة الأخيرة تهديداً، يعتقد أنهآت من قوات الأمن السورية، لتحذيره من أنه إن لم يتخل عن دعمه الانتفاضة، فسيتم اعتقال شقيقته، وسيتم استهداف جميع أفراد أسرته.

ربيع دمشق: نار في عرين الأسد!

وإلى جانب المزيد من الوفيات التي وقعت أثناء تشييع الجنازات في عطلة نهاية الأسبوع، وصل العدد الإجمالي للسوريين الذين قتلوا خلال التظاهرات السلمية التي استمرت على مدار 3 أسابيع إلى أكثر من 200 قتيل، وفقاً لما ذكرته منظمة سوريا الوطنية المعنية بحقوق الإنسان.

نخلة كان يقوم باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا من أجل الربط بين المتظاهرين المنتشرين في الشوارع، وما يصورونه على أجهزتهم المحمولة، وبين العالم الخارجي.

ولفتت الصحيفة في غضون ذلك أيضاً إلى أنه قد تم منع وسائل إعلام أجنبية من العمل في سوريا، في حين تم اعتقال أو طرد العشرات من الصحافيين المحليين والأجانب. بينما كان يتأكد ناشطو الإنترنت من تدفق المعلومات والأخبار من أماكنهم.

ووصفت الصحيفة الشقة التي يقيم بها نخلة، بالقول إنها تشبه المخبأ وقت الحرب. وقالت إن الكمبيوتر المحمول الخاص به كان يغرد كل 10 دقائق تقريباً لتنبيهه بقدوم مكالمات عبر خدمة سكاي بي: من شبكة سي إن إن الإخبارية الأميركية، وإذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية من المغرب، وهيئة الإذاعة البريطانية، ومنظمة هيومان رايتس ووتش. وكان يتلقى أيضاً العديد من الرسائل من زملاء له في سوريا.

وتابعت الصحيفة بقولها إن الفريق الضخم ينقسم إلى أشخاص يعدون التقارير وأشخاص آخرين يقومون بنشرها، أي إن هناك فريقًا يعني بتجميع الأخبار ميدانياً وفريق آخر يعمل على الحاسوب. ومن ضمن التدوينات التي قام نخلة بتركها أخيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، قوله quot;مؤكد: الأكراد في مدينة القامشلي يرددون، (نريد الحرية، وليس المواطنة)quot;. وكذلك: quot;مؤكد: هناك مظاهرات في راس العينquot;.

وأثناء حواره مع الصحيفة، اختفت الابتسامة من على وجهه ذات فجأة، بعدما وصلته تحديثات من دوما، إحدى ضواحي دمشق، التي تعتبر مركزاً للحركة الاحتجاجية، تقول quot;سقط بعض الشهداء في دوما. والآن هناك دعوة إلى الأطباءquot;. وأشارت الصحيفة إلى أن نشطاء الإنترنت في سوريا عبارة عن مجموعة متنوعة، تضمكل الطوائف الكبرى في البلاد من السنّة إلى المسيحيين إلى الدروز إلى العلويين.

وقالت الصحيفة أيضاً إن هؤلاء الأشخاص الذين يشتركون بشكل مباشر في شبكة الناشطين هم من صغار السنّ، في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم، كما إنهم بارعون في أمور التكنولوجيا، ومتحفزون للغاية، وبارعون كذلك في اللغة الإنكليزية.

وأوضحت أن بعضهم صحافيون يتدربون على المعايير الدولية لإعداد التقارير، وبعضهم محترفون: فهناك محامون وأطباء ومهندسون. وفي بعض الحالات يتم منع بعضهم، أو يخشون تعرضهم للاعتقال في سوريا، وبالتالي يواصلون أعمالهم في بيروت، وواشنطن، ولندن، وباريس، وأماكن أخرى.

وبرغم تحفيزهم، يتفق الناشطون السوريون على شيء واحد هو أن الحركة الاحتجاجية في سوريا لن تحقق أي شيء لولا حدوث الثورات والانتفاضات الشعبية في تونس ومصر.

ونقلت الصحيفة في الإطار نفسه عن ناشط سوري، يبلغ من العمر 26 عاماً ويقيم في دمشق، ويعنى بتحميل مقاطع الفيديو التي كانت تُصوَّر في كل تظاهرة عبر الموبايلات أو الكاميرات المخفية على موقع يوتيوب، قوله quot;لم أكن أعرف معنى حرية التعبير حتى رأيت ناشطي الإنترنت في مصر وتونسquot;.

فيما تدرج منظمة quot;مراسلون بلا حدودquot; سوريا باعتبارها واحدة من عشرة دول تُعتَبَر من أعداء الانترنت الفاعلين. فالمئات من المواقع الإلكترونية لا تزال مغلقة إلى الآن، ويدار معظمهم من جانب الحركات السياسية التي يُنظر إليها على أنها معارضة للنظام في دمشق.

من جهتها، قالت رزان زيتونة، وهي محامية وباحثة حقوق إنسان لعبت دوراً رئيساً داخل سوريا لربط الناشطين بوسائل الإعلام في الخارج، قولها: quot;تم إلقاء القبض على عدد كبير من أصدقائي على مدار الأيام القليلة الماضية، خصوصاً الناشطين الذين يزاولون أعمالهم من وراء الحاسوبquot;.

وبعدما لفتت إلى أنها اُستُجوِبَت عديد المرات من جانب الشرطة السرية، قالت quot;كانوا يخبروني في كل مرة (هذه هي آخر مرة سيتم فيها إطلاق سراحك. لكنكِ لن تري الشمس ثانيةً في المرة المقبلة)quot;.

ومثلها مثل باقي الناشطين، أكدت زيتونة أن الخوف الذي ينتابها ليس خوفاً على حياتها، وإنما على حياة الحركة التاريخية التي ساهمت في دفعها إلى الأمام.