بلغت العلاقة بين الشرطيّ في تونس والمواطن أسوأ مراحلها إبّان ثورة يناير، فعون الأمن المتهم بقتل شهداء الثورة وقمع المحتجين وإطلاق سراح مساجين الحقّ العام بات مكروها بشدّة. ويكشف الأزهر العكرمي الوزير المعتمد لدى وزير الداخلية المكلف بالإصلاحاتعن مخطط شامل لتحسين العلاقة بين الطرفين.

محمد الأزهر العكرمي الوزير المعتمد لدى وزير الداخلية المكلف بالإصلاحات


تونس: اتسم الوضع الأمني العام في تونس إبان ثورة الياسمين 14 يناير 2011 بالتعقيد وعدم الاستقرار والانفلات الأمني وهو ما أدى إلى انتشار العديد من المظاهر الإجرامية وباتت العلاقة بين الجهاز الأمني والمواطن متردية ويسودها التوتر ما أفرزأزمة ثقة بين الطرفين.

وإضافة إلى تفشّي ظواهر الفساد والرشوة في أجهزة الأمن خلال حكم نظام زين العابدين بن علي، فإنّ المواطن لم يغفر لرجل الأمن ما أشيع عن تورطه في قمع الانتفاضة الشعبية وقتل المدنيين.

بالمقابل، يعتبر رجل الأمن في تونس نفسه ضحية تعليمات quot;الأسيادquot; ومن هنا انطلقت أزمة الثقة بينهما، الشيء الذي يشكل جدلا كبيرا ويساهم بصورة أو بأخرى في تعطيل مسار الانتقال الديمقراطي.

وفي تصريح خصّ به إيلاف، أفاد محمد الأزهر العكرمي الوزير المعتمد لدى وزير الداخلية المكلف بالإصلاحات أن أزمة الثقة لا تقتصر فقط على الجهاز الأمني والمواطن، بل تتجاوزها إلى جميع مكونات المجتمع دون استثناء، إذ هناك ثقة بين الجهاز القضائي والمتقاضين وليست هناك ثقة بين المواطن ومصلحة الضرائب وليست هناك ثقة بين أفراد المجتمع في ما بينهم.

هل تتغير العلاقة بين رجل الامن والمواطن في تونس؟

ويضيف العكرمي: تدرك قوى الأمن الداخلي أن هناك أزمة ثقة في العلاقة المتبادلة بين رجل الأمن والمواطن، تتعلق بعض أسبابها بعنصر الأمن نفسه، وكذلك ببنية قوى الأمن الداخلي وتجهيزاتها، وعلاقة المواطن ذاته برجل الأمن، ومنها ما له علاقة وارتباط بوجود المؤسسة الأمنية ودورها ككل.

وقال الوزير العكرمي إنّ الانتقال الديمقراطي لن يتحقق إلا باستعادة الثقة بين المجتمع والجهاز الأمني، وهو ما يتم العمل حاليا على تكريسه انطلاقا من توفير إصلاحات جذرية في صميم الجهاز الأمني، فانعدام الثقة بين رجل الأمن والمواطن من شأنه أن يعطل مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد وسيتم الالتقاء حول نظام واحد وقانون فيصل لا يوجد فيه غالب أو مغلوب، يعيد بناء الثقة بين الجميع في اتجاه مدن اقل جريمة واقل مخدرات واقل عنفا وفقرا ومرضا، وهذه هي الحرية والديمقراطية حسب رأيه وهو ما سيأخذ وقتا طويلا ليتحقق لان الثقة لا يمكن أن تسترد إلا عن طريق الممارسة اليومية.

وحول المراحل العملية ومشاريع الإصلاح التي سيتم تنفيذها واعتمادها في صلب وزارة الداخلية لاسترجاع الثقة المفقودة، يقول الوزير إن الانطلاق كان من خلال الانتشار الأمني الذي تحقق مؤخرا وساهم في بعث الطمأنينة لدى الشارع التونسي الذي بدا تدريجيا يتأكد من أن جبهة المستفيدين من الثورة مرتفعة جدا.

المصالحة المبدئية

يقول الوزير الأزهر العكرمي إنّ المصالحة المبدئية بين المواطن ورجل الأمن تحققت إلى الآن ولو نسبيا في محاولة لتأسيس علاقة جديدة، أساسها الثقة والحوار وقد توجت بنجاحات ميدانية لعل أهمها عمليات التصدي للنهب والسرقة والجريمة من طرف الخارجين عن القانون والفارين من السجون، والسيطرة على الحدود ومراقبتها بما يعكس استقرار الوضع الداخلي ويقف حاجزا أمام انتقال الفوضى من الدول المجاورة إلى داخل التراب التونسي.
مشاريع إصلاحيّة

كشف الوزير العكرمي عن وجود برامج ومشاريع إصلاحية بصدد التباحث والتدارس وهي مشاريع تنطلق من المحاضرات والتكوين ثم التعاون مع الدول الخارجية والاستفادة من تجاربها على غرار اسبانيا وفرنسا وايطاليا وألمانيا.

كما سيتم لاحقا العمل مع المدارس والمعاهد الثانوية ودعوة مكونات الجهاز الامني من شرطة وحرس وحماية مدنية للقيام بزيارات ميدانية في المدارس والمعاهد والالتقاء بالتلاميذ والطلبة وفتح باب الحوار والنقد بين الطرفين لربط جسور التعاون وكسر حاجز الخوف وشطب صورة رجل الأمن التقليدية من أذهان وعقول الناشئة.

كما سيتم إعداد زيارات دورية وميدانية للطلبة والأطفال لوزارة الداخلية وأعطاهم صورة حية عن عمل ودور الجهاز الأمني وتمكينهم من الإطلاع على ما خلفه النظام السابق وما عاناه الضحايا في محاولة للتنديدبالماضي والقطع معه حتى لا تعاد التجربة مرة أخرى.

وعن المدة الزمنية التي سيستغرقها مشروع الإصلاح الأمني يعتقد الوزير انه خلال سنتين وليس اقل، وفي ظل هذا التمشي والتصور الذي سيتم تكريسه وبعد أن ينجح الاستحقاق الديمقراطي سيستفيق الشارع التونسي ذات يوم على رجل شرطة مختلف نسبيا، وسيرى شرطة في حلّة جديدة لا يعرفها من قبل على مستوى الزي الموحد من اجل تغيير نظرة المواطن النمطية إلى المظهر الخارجي لرجل الأمن، ثانيا الأخلاق ما سيولد أثرا ايجابيا في النفوس كما سيستفيق رجل الأمن على مواطن متحضر، مسؤول وواع، ويتحمل مسؤولية وتبعات ما أقدم عليه من مخالفات إن ثبت أنه خالف القوانين.

وستتم استعادة الثقة لا فقط بين المواطن والجهاز الأمني بل أيضا بين المواطن والمجتمع المدني بمكوناته المختلفة تثبيت فكرة أن الشرطة، في الأساس، هي جهاز مدني، تتواصل مع المواطنين من منطلق مدني وقائي لا عسكري وقمعي، على حدّ تعبير العكرمي.

وعن قيمة الانتقال الديمقراطي في بلد بات يبحث عن حبل النجاة ويأمل في مستقبل قريب تتحقق فيه الحريات ومبادئ حقوق الإنسان، يقول الوزير إنّ قيمة الانتقال الديمقراطي لا تكمن في الانتقام من الماضي بل تكمن في اتخاذ العبرة منه ومنع عودة الاستبداد.

يشار إلى أنّ السلطات الانتقالية في تونس وفي سياق خطتها لإصلاح وزارة الداخلية، كثفت مؤخرا إقامة الندوات والتظاهرات والمؤتمرات التي تبحث سبل إصلاح هذه الوزارة التي ارتبطت في أذهان التونسيين بالقتل والقمع والتعذيب.

وتقول الحكومة الانتقالية إنها بدأت خطوات لتحويل قوات الأمن من أداة قمعية إلى أداة لحماية المواطنين، علاوة إلى سعي محموم من طرفها لإصلاح القوانين واحترام الحريات الأساسية للمواطنين.

لكن بحسب تقرير لحقوق الإنسان للأمن بعد الثورة صدر مؤخرا، فإن بعض العناصر الفاسدة لا تزال موجودة في قوات الأمن، وأن الوضع لم يتغير كثيرا منذ الثورة. هذا التقرير أعدته الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بالتعاون مع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والمجلس الوطني للحريات، في حين تؤكد الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب التي تترأسها الحقوقية المعروفة راضية النصراوي، أنّ ممارسة التعذيب ما زالت مستمرة في تونس ما بعد بن علي.