بيروت: شهدت الزبداني اشتباكات مسلحة بين المعارضين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد وقوى الأمن، وأصبحت هذه المدينة الصغيرة معقلاً لمعارضي الأسد الذين استطاعوا، في الوقت الراهن على الأقل، انتزاع البلدة من تحت سيطرة الدولة.

وفي الاسبوع الماضي، انسحب الجيش السوري بدباباته وعرباته المدرعة من البلدة، التي تقع على بعد 20 ميلا من دمشق بالقرب من الحدود اللبنانية. ويقول القادة المحليون ان الانسحاب جاء بعد مقاومة شرسة من الجنود الذين انشقوا عن الجيش، وبعد هدنة نادرة عقدت بين الطرفين المتنازعين.

وعلى الرغم من الهدوء الذي يعم الزبداني، إذ تعمل اللجان المحلية على إدارة الشؤون اليومية، وينظم السكان احتجاجات مناهضة للحكومة غير خائفين من الشبيحة، اشارت صحيفة الـ quot;تليغرافquot; إلى أن هذا الهدوء نسبي ولا يتوقع كثر أن يستمر.

لا أحد في هذه البلدة يتوقع أن الحكومة ستقف وتتفرج على مدينة يسكنها نحو 40000 معارض أن تفلت من قبضتها، وينظر كثيرون إلى استقلالهم في الزبداني على انه حالة آنية لم تتحقق كلياً، فيما يمكن اعتبار وجود الجيش السوري الحر إشارة إلى مرحلة أكثر عنفاً في المستقبل.

وتظهر في المدينة دلائل على وجود جهود عملية دفاعية منسقة، فالسواتر الترابية وكتل الحجارة تنتشر في الشوارع، لمنع دبابات الجيش من المرور ودخول المدينة. ويتجول عدد من الرجال حاملين أجهزة لاسلكي ويعملون كمراقبين في الشوارع. وخلال زيارة وفد من مراقب جامعة الدول العربية إلى البلدة يوم السبت، توارى معظم المسلحين عن الأنظار.

ووسط شائعات تتحدث عن أن الحكومة تحشد قواتها خارج الزبداني، يقول قادة الجيش السوري الحر ان عدداً متزايداً من سكان البلدة بدأوا بالانضمام الى المنظمة التي أنشأها جنود انشقوا عن الجيش السوري ومقرها تركيا، وانهم يعملون على وضع مخططات أوسع انما غير واضحة.

ويقول محمود عيسى، ملازم سابق في بلدة مضايا، ان القادة المحليين في البلدتين استقبلوا نحو 100 جندي منشق، مشيراً إلى أنه على اتصال بالمنشقين في تركيا. ويزعم قادة الجيش السوري الحر في تركيا انهم يعطون الأوامر للمقاتلين داخل سوريا، على الرغم من وجود أدلة على مجموعات تعمل من تلقاء نفسها.

وقالت وكالة الانباء السورية الرسمية والجماعات الناشطة يوم السبت ان هجوماً استهدف حافلة للشرطة تقل سجناء، ربما باستخدام قنابل مزروعة على الطريق، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 14 منهم.
وقالت الوكالة ان سيارات الاسعاف القادمة لمساعدة الجرحى تعرضت أيضاً للهجوم اثناء توجهها إلى موقع الانفجار، فيما لم تعلن أية جهة عن مسؤوليتها، وبقيت الاتهامت تطال المنشقين أو مجموعة أخرى غير واضحة.

لكن في الوقت نفسه، يدافع العديد من المتظاهرين عن المنشقين، قائلين انهم يشعرون بالامتنان لهم لحمايتهم من الحكومة التي لجأت إلى العنف لقمع المعارضين المسالمين.

لكن عماد دالاتي، ناشط اعتقل في بداية الثورة بعد أن نظم مسيرات احتجاج في البلدة، رأى ان المعارضة خارج سوريا بعيدة كل البعد عما يحدث على أرض الواقع، فيقول: quot;انهم لا يعرفون أي شيء، إذا كانوا يعيشون في الخارج، فكيف يمكنهم أن يعرفوا ما يجري في الداخل؟quot;

وبعد اشتباكات عنيفة بين المعارضين في البلدة وقوات النظام المسلحة، جاءت الهدنة بعد ستة ايام من القتال العنيف في الزبداني نتيجة محادثات بين قادة المعارضة في الزبداني واللواء آصف شوكت، صهر الرئيس السوري بشار الاسد، وفقاً لعامر برهان، عضو في المجلس المحلي.

ويضيف برهان: quot;قوات الأسد ما زالت تحاصر المدينة، لكنها تبقى بعيدة بسبب الزيارات المتكررة لمراقبي جامعة الدول العربيةquot;.

بدورها اعتبرت quot;واشنطن بوستquot; ان الهدوء في الزبداني مؤقتاً ولن يدوم لفترة طويلة، مشيرة إلى أن الزبداني التي تخضع حالياً لسيطرة القوات المنشقة عن النظام، والتي تتحرك ضمن ما بات يعرف بـquot;الجيش السوري الحرquot;، لن تنعم بالهدوء لفترة طويلة.

وأشارت الصحيفة إلى أن سكان الزبداني ما زالوا يشعرون بنشوة التحرير ويكادون لا يصدقون بأنهم نجحوا بطريقة ما في إخراج الجيش السوري من مناطقهم، فبعد مفاوضات مع الوجهاء قرر الجيش الانسحاب من المدينة، وكذلك بلدة مضايا المجاورة، ما ترك منطقة كاملة بيد المعارضة والعناصر المسلحة للجيش السوري الحر.

لكن سبب حصول هذا الأمر أو مدى إمكانية استمراره موضع جدل، فالبعض يعتبر أن الأمر ناجم عن صمود القوات المعارضة، بينما يعيد البعض السبب إلى ضغوطات مارستها لجان المراقبة العربية على دمشق لوقف حملتها.

واعتبرت الصحيفة أن المميز في الزبداني ليس واقع سيطرة الثوار عليها، بل اضطرار الحكومة للدخول في اتفاق لوقف إطلاق النار، ونقلت عن الرقيب سليمان التيناوي، المنشق عن الجيش الحكومي قوله: quot;الزبداني تشبه بنغازي اللييبة، لكن ليس تماماً لأنه لا يمكننا الحصول على أسلحة أو مساعدات، ونحتاج لمنطقة حظر طيرانquot;.

وعرضت زيارة المراقبين quot;لمحة نادرة عن الانتفاضة السورية المضطربة على نحو متزايد، والتي تتطور الى تمرد مسلح يخشى كثيرون أن يخرج عن السيطرة ويتحول إلى حرب أهلية شاملة.

وتحدثت التقارير يوم السبت عن اشتباكات عنيفة بين الجنود المتمردين والموالين للجيش في دوما، احدى ضواحي دمشق، كما ذكرت وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) انه تم قتل 14 شخصا عندما ضرب انفجار حافلة تقل سجناء في محافظة ادلب شمال غرب البلاد المضطربة.

وقالت جماعات الناشطين انهم تم اكتشاف حوالي 60 جثة تحمل علامات التعذيب في مشرحة مستشفى في ادلب، على الحدود مع تركيا. وأظهرت أشرطة فيديو بثت على موقع يوتيوب صفوف من الجثث مشوهة وملطخة بالدماء، لكن من دون معرفة تفاصيل أو معلومات عن ظروف موتهم. وقال نشطاء اخرين ان نحو 20 شخصاً قتلوا في احتجاجات واشتباكات في جميع أنحاء البلاد.