مدرسة من طين في العراق

من طين أو خيام أو إسمنت أنهكه الفساد في المقاولات، تبدو مدارس العراق وكانها أحزمة بؤس تتهاوى على من فيها، وبالتالي ليست تلك الصروح التي تخرّج أجيالًا من الشباب العراقي المتعلم. إنها مشكلة ملحة ينبغي تسويتها سريعًا.


مع بدء العام الدراسي الجديد في العراق، وشروع نحو عشرة ملايين من الطلاب في رحلتهم لطلب العلم، التحدي الاكبر الذي يواجه العملية التعليمية هو نقص المدارس واكتظاظ الفصول الدراسية بالتلاميذ، إضافة إلى انتشار المدارس الطينية غير المناسبة لتجربة تعليمية سوية .

ومع إقرار وزارة التربية بحاجة البلاد إلى نحو ثمانية آلاف مدرسة، فان كوادر تدريسية وجدت حلًا مؤقتًا لتجاوز تأثيرات النقص الحاد في اعداد المدارس عبر اعتماد الدوام المزدوج، ويعني تقسيم الطلاب إلى فوجين دراسيين، صباحي ومسائي.

الدوام المدرسي المزدوج

لكن هذه الاسلوب، بحسب حسن كاظم، وهو مدير مدرسة، لا يتيح للكادر التدريسي أداء مهامه بصورة صحيحة بسبب عدم كفاية الوقت اللازم لإدامة المدرسة وتنظيم شؤونها الادارية.

اما المعلم قاسم السلطاني، من مدرسة الحمزة في بابل، فيرى أن احتواء كل فصل دراسي على حوالى 30 طالبًا يؤثر في قدرة الطالب على التركيز ومتابعة الدرس، ما أدى إلى فكرة تقسيم الطلاب على مجموعتين صباحية ومسائية.

وبالنسبة لغالبية المدارس، بحسب السلطاني، يتجسد التحدي الاكبر في غياب وسائل التهوئة والتبريد في الصيف والتدفئة في الشتاء، لا سيما أن أغلب فترة الدراسة في الأيام الباردة.

وفي الوقت نفسه، يحذر المشرف الصحي كامل فاضل من الآثار السلبية لهذه المسائل على عملية التحصيل العلمي للتلاميذ. وتشير إحصائيات وزارة التخطيط العراقية إلى أن العراق يحتاج في كل عام إلى نحو ثمانمائة مدرسة جديدة لاستيعاب زيادة سكانية تصل إلى 4 بالمئة سنويًا.

حشرات وقوارض

أما في الريف وضواحي المدن، تبدو المشكلة اكثر تفاقمًا بسبب المدارس الطينية، التي لا تصلح نهائيًا لتلقي العلم، لكنها مع ذلك قائمة ويتلقى فيها آلاف الطلاب الدروس.

كريم حسين، أستاذ مدرسي، يشير إلى أن مدرسته الطينية تتألف من صفين فقط، لا تتوفر فيهما أبسط مقومات الفصل الدراسي الناجح، ويغيب عنها الماء الصالح للشرب والتيار الكهربائي.

يتابع: quot;إضافة إلى البرد الشديد في الشتاء والحر في الصيف، تعكر الحشرات والديدان والقوارض سير الدرس، وتشكل خطرًا على سلامة التلاميذquot;. وبحسب حسين، تعاني مدارس الطين قاطبة من الافتقار إلى الخدمات في الجانب الصحي.

ويكمل الباحث الاجتماعي رياض السبتي الحديث عن سلبيات مدارس الطين بالقول: quot;هناك أبعاد سلبية تؤثر في التلميذ، فيشعر بالدونية، لا سيما أنه يشاهد التلفاز يوميًا، متأملا المدارس في الدول المتقدمةquot;.

كسب سياسي

يعتبر سعد كريم الباحث التربوي وجود مدارس الطين علامة من علامات الفساد الاداري والمالي المستشري في العراق. ويعزي كريم أسبابًا أخرى لانتشار مدارس الطين، يقول: quot;إنه غياب التخطيط، فالكثير من المدارس تقام من دون تخطيط ، استجابةً لطلب الاهالي أو خدمة لأغراض انتخابية أو لكسب سياسيquot;.

يتابع: quot;تشيّد مدرسة الطين بعد جلسة مجاملات بين وجهاء اجتماعيين أو شيوخ عشائر ومسؤولين، اذ تجمع أسماء 45 طالبًا في المرحلة الواحدة، وهو الشرط اللازم لافتتاح مدرسة تبنى في الغالب من اللبن أو الحجارة الاسمنتية، وأحيانًا من القصب أو الخيام أو أغصان النخيل.

وتشير التقارير الإحصائية إلى أن عدد مدارس الطين في العراق يبلغ نحو 1250 مدرسة، تنتشر بصورة خاصة في القرى والأرياف والمناطق النائية في مناطق الجنوب والوسط، وفي محافظة ديالي وقرى محافظة صلاح الدين والرمادي وأطراف بغداد.

فساد المقاولات

ومن وجوه المعاناة الاخرى في تلك المدارس النائية ما يرويه الأستاذ المدرسي ياسين حسن عن غياب الطرق المعبدة إلى تلك المدارس، ما يؤدي إلى اقفالها حين يتهمر المطر بغزارة.

وتبدي الكوادر التدريسية والأهالي استغرابًا من عدم قدرة الجهات المعنية على توفير مدارس ملائمة للتلاميذ، في ظل توافر ميزانية كبيرة من عائدات النفط، بلغت 100 مليار دولار في العام 2012.

ثمة مشكلة أخرى بحسب لطيف أحمد، وهو مشرف تربوي. يقول: quot;حتى المدارس التي جرى تجديدها بعد العام 2003 أو بنيت بعد هذا التاريخ، لا تتمتع في الكثير منها بشروط السلامة بسبب صفقات الفساد في المقاولات، ونشهد في كل حين سقوط سقوف مدارس شيدت حديثًاquot;.

وبحسب ماجد حسن، من مديرية تربية كربلاء، فإن الأعوام السابقة شهدت صرف مبالغ هائلة على تطوير المدارس في العراق وتأهليها، لكن صفقات الفساد حالت دون بلوغ التطوير أهدافه المرجوة.