يتبنى المسؤولون العراقيون في العلن سياسة اعتبرت quot;نأيًا بالنفسquot; عن أعمال العنف الدامية، التي باتت تعكس quot;فشلاً أمنيًاquot; متصاعدًا في بلاد تعيش على وقع القتل اليومي منذ نحو تسع سنوات.


مشهد من التفجيرات الدامية التي هزت العراق يوم الأحد الأخير

بغداد: بينما اختبر العراقيون الاحد رعبًا متنقلاً في نحو عشر مناطق مختلفة شهدت انفجار اكثر من 15 سيارة مفخخة وعبوة ناسفة، قتل فيها 33 شخصًا على الاقل، لم تصدر أية إدانة وتعليق عن أي مسؤول كبير.

ويقول مستشار الامن القومي السابق موفق الربيعي لوكالة فرانس برس: quot;مع الاسف اعمال العنف الارهابية (...) اصبحت تمر مرور الكرام على بعض السياسيين، بحيث لا يرمش لهم جفنquot;. ويضيف quot;السبب أنهم هم اصلا جزء من المشكلةquot;.

غابت البيانات المنددة بالعنف، والتي نادرًا ما تنشر اصلاً على مواقع الرئاسات الثلاث، وغيرهم من المسؤولين خلال الايام الدامية، ونشر بيان على موقع البرلمان حمل تهنئة لمنتخب كرة القدم للناشئين بالفوز على نظيره الكويتي. حتى قناة quot;العراقيةquot; الحكومية، تجنبت الاحداث الدامية التي طبعت معظم فترات النهار.

واوردت القناة خبرين عاجلين، الاول اعلنت فيه فوز منتخب الناشئين وتأهله الى تصفيات كأس العالم لكرة القدم، والثاني نقلت فيه تهنئة رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة للمنتخب. بدورها تجنبت معظم الصحف التابعة الى احزاب سياسية حاكمة صباح الاثنين التركيز على اعمال العنف.

وعنونت صحيفة quot;الصباحquot; الحكومية على صفحتها الاولى quot;الاحرار تسحب قانون العفو العامquot;، في اشارة الى كتلة الاحرار التابعة لتيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وافردت صورة كبيرة لتجمع ثقافي.

وبينما اعلنت في خبر عن quot;بدء حوارات التوافق السياسي قبل عقد اللقاء الوطنيquot;، الذي فشل المسؤولون في التوافق حوله منذ اقتراحه قبل تسعة اشهر، تناولت اعمال العنف في صفحتها الرابعة تحت عنوان: quot;عمليات بغداد تعلن إحباط مخطط ارهابي لتفجير 8 سيارات مفخخةquot;.

غابت اعمال العنف بالكامل عن صحيفة quot;الدعوةquot; القريبة من حزب رئيس الوزراء نوري المالكي، وكذلك عن صحيفة quot;العدالةquot; التابعة للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي بزعامة القيادي الشيعي عمار الحكيم. ويرى المحلل السياسي ابراهيم الصميدعي أن quot;سياسة التجاهل والنأي بالنفس سببها عقدة الذنبquot;.

ويوضح quot;لو كان المعنيون يدركون أنهم قد يستفيدون منها لكانوا استخدموها كل الاستخدام، ووظفوها كل التوظيف، ولكن طالما أن الادانة غير موظفة سياسيًا فإن السكوت يكون من ذهبquot;. ويتابع quot;حتى الصحافي العراقي فقد اصبح مثل النعامة التي تدفن رأسها في التراب، ولا ترىquot;.

وتصاعدت وتيرة اعمال العنف بشكل ملحوظ منذ بداية الصيف، والتي ترافقت مع ازمة سياسية بدأت فصولها عشية الانسحاب العسكري الاميركي الكامل في نهاية العام الماضي، وتدور حول اتهام رئيس الوزراء الشيعي بتهميش المكونات الأخرى، وبينها السنة.

وقتل 365 شخصًا في العراق في ايلول/سبتمبر الماضي بحسب حصيلة لوزارات الداخلية والدفاع والصحة حصلت عليها وكالة فرانس برس الاثنين، ما يجعله الشهر الاكثر دموية منذ اب/اغسطس 2010 حين قتل 426 شخصًا.

ويمثل عدد ضحايا ايلول/سبتمبر ارتفاعًا كبيرًا عن الشهر الذي سبقه، حين قتل 164 شخصًا وفقًا لارقام الوزارات الثلاث، علماً أن 325 عراقيًا قتلوا في تموز/يوليو الذي كان حينها اكثر الاشهر دموية منذ نحو عامين.

وقتل منذ بداية العام في العراق، الذي يشهد صراعًا على حقيبتي الداخلية والدفاع يمنع تعيين وزيرين على رأس هاتين الوزارتين الحيويتين، نحو 1800 شخص وفقًا للارقام الرسمية.

وكانت احداث الاحد الدامية جاءت بعد يومين من مقتل 16 عنصرًا امنيًا عراقيًا في هجوم على سجن في تكريت شمال بغداد تمكن خلاله نحو 100 سجين، بينهم محكومون بالإعدام ينتمون الى تنظيم القاعدة من الهروب.

ويقول عبد الستار علوان (34 عامًا) الذي يعمل بأجر يومي quot;العنف اصبح جزءًا من حياتنا اليومية. إنه امر عادي في ظل الفشل الامني الحاليquot;. ويضيف quot;العنف يلفنا فيما يعيش السياسيون نوعًا من الانفصام مع الذات والشعب والوطن، كأنهم يقيمون في عالم آخر أو في عراق ثانٍquot;.