تتغير ثقافة العراقيين الاستهلاكية وتوجهاتهم الذهبية. فقد بدأت الفتيات المقبلات على الزواج يلجأن إلى الذهب المقلد كبديل عن الأصلي، ويفضلن امتلاك السيارة الجديدة أو الحاسوب الحديث.


بغداد: على الرغم من أن اقتناء الذهب شائع بين العراقيات منذ القدم، إذ يعتبرنه زينة وخزينة، إلا أن اللافت اليوم هو تسابقهن على بيعه لتلبية متطلبات الاستهلاك الجديدة في المجتمع. فطوال عقود من الزمن، ظلت الأسرة العراقية تعتز بالحفاظ على قطعها الذهبية تحسبًا لغدر الزمن، فيبقى المصاغ الذهبي حبيس خزائن الامهات لعقود، يتوارثها الابناء جيلًا بعد جيل.

الذهب بين جيلين

ما زالت أم هاشم (66 سنة) تقتني قطعها الذهبية من أساور (بتوت) ومحابس وحجل (سوار سميك تزين به الأرجل) منذ ثلاث عقود، تعتبر بيعها أو التصرف بها مساسًا بها شخصيًا.

نظرة العراقيين إلى الذهب لم تعد كما كانت في السابق

وفي أيام عصيبة مرت بها الاسرة، لم تجرؤ أم هاشم على بيع قطعها الذهبية، لا سيما في سنوات الحصار الاقتصادي على العراق في التسعينيات، بل صمدت أمام الأزمة وخرجت منها سالمة.

وحال أم هاشم هو حال أغلب العراقيات اللواتي يرفضن بيع مصاغهن من المعدن الاصفر، يوصين به لبناتهن. لكن الجيل الجديد له رأي آخر في المسألة هذه، اذ لا ترى الطالبة الجامعية هيفاء حسين في الذهب سوى وسيلة لسد متطلبات الاستهلاك، واذا استدعى الامر يمكن التعويض عنه بزينة من الذهب المقلد. تضيف: quot;أقنعت والدتي ببيع قطع ذهبية والاستفادة بثمنها لشراء تلفزيون جديد وحاسوب حديث وكاميرا ولوازم أخرىquot;.

ويشير حديث هيفاء إلى ظاهرة الاستهلاك الذي يمتاز به جيل جديد، يختلف في أفكاره وأهدافه وطموحه عن جيل الآباء والأجداد.

المقلد يغير التقاليد

تفسر الناشطة النسوية لمياء الجبوري سلوك هيفاء قائلةً إن أحد الأسباب التي تدعو الأسرة العراقية للتخلي عن إرثها من الذهب هي الحركة الاستهلاكية الكبيرة في المجتمع، quot;إذ أدى الانفتاح إلى دخول سلع جديدة تحتاج الى سيولة نقدية، كالسيارات الحديثة والحواسيب والكاميرات ووسائل الترفيه الأخرى، وهذه الحاجة تستدعي تسييل الذهب للحصول على نقدquot;.

أما السبب الآخر الذي يشجع الأسرة على بيع المقتنيات الذهبية فهو سهولة إيجاد البديل من الذهب المقلد الذي يصعب أحيانًا تمييزه عن الأصيل، ويقل ثمنًا.

باعت تماضر محمد (22 سنة) ذهب والدتها لتشتري سيارة بقيمة ستة آلاف دولار. تقول: quot;طوال سنوات لم يرَ ذهب أمي النور، ولم اتقلده إلا في المناسبات النادرة، فقررت استثماره في شراء واسطة نقل احتاجها في عملي، واشتريت ذهبًا مقلدًا بقيمة 400 دولار، لا تميزه العين إن كان حقيقيًا أم مقلدًاquot;.

اما سوسن الجزائري، فقد باعت ذهب الاسرة الذي تحتفظ به منذ ثلاثة عقود لشراء حاسوب ولتحديث واجهة البيت. تقول الجزائري: quot;حزنت والدتي في بداية الأمر، لكنّها أدركت بعد حين أنه الصوابquot;.

والعكس أيضًا!

لا يرجع الباحث الاقتصادي جعفر حسين ظاهرة بيع الذهب إلى الحاجة الاقتصادية، quot;ففي أسوأ الأزمات الاقتصادية التي مر بها العراق لم تلجأ الأسر إلى بيع ذهبها، لأنها تعتبره ذخيرتها لأيام العوزquot;. يتابع: quot;ارتفع مستوى المعيشة وتضاعفت الرواتب، لكن هناك ظاهرة استهلاكية تحتاج إلى مردود مادي كبير ليستطيع الفرد مجاراتهاquot;.

ويدعو جعفر في الوقت نفسه إلى التنبه للاقبال الكبير على شراء الذهب ، على الرغم من أن ذلك يقتصر على القطع الصغيرة كالقلائد والخواتم والأساور والتراجي، لا سيما بين النساء من اصحاب الدخول الثابتة، تشتريها المرأة لأغراض الزينة فقط.

وبحسب جعفر، تتغير ثقافة العراقيين الذهبية، فحتى الفتيات المقبلات على الزواج يلجأن إلى الذهب المقلد كبديل عن الأصلي، ويطلبن السيارة بدلًا منه. يقول: quot;يلجأ العروسان إلى استئجار الشبكة للظهور أمام الناس بالمظهر المناسب في الزفافquot;.