وهم يقرأون في الظلام ويمشون في النار!


عبد الجبار العتابي من بغداد: احتفل الكاريكاتيريون العراقيون، الجمعة في قاعة المركز الثقافي بشارع المتنبي، بعيدهم الحادي والثمانين، من خلال اقامتهم للمعرض السنوي للجمعية العراقية للكاريكاتير التي دأبت على اقامة المعرض الاحتفائي للعام الثالث على التوالي، فاحتضن المكان رسوماتهم المشاكسة وافكارهم الجريئة وخطوطهم المميزة، فكان البوح واضحا فيها عما يجيش في الواقع العراقي، وكان حضور الرسامين بشخوصهم لافتا، فأحتفى بهم الجمهور الكبير الذي اكتظت به القاعة ومنحهم التحيات تعبيرا عن التبريكات بالعيد الذي تشير مناسبته الى اول رسم كاريكاتيري صميم ظهر في الصحافة العراقية،وكانت الالتفاتة المميزة للقائمين على المعرض ان وضعوا لوحات الفنان الراحل مؤيد نعمة في اول المعرض وهو ما اثنى عليه الكثيرون وعدوه جزء من الوفاء لزميلهم الكبير.
و الاحتفال بعيد الكاريكاتير ذلك الرسم الذي كان بريشة (عبدالجبار محمود)، وقد نشر على الصفحة الاولى للعدد الاول من جريدة (حبزبوز) التي اصدرها نوري ثابت بتاريخ 29/9/1931، ويصور الرسم الكاريكاتيري شخصاً (هو نوري ثابت نفسه الملقب حبزبوز) يمتطي (طوب ابو خزامة) ويحمل بيده اليمنى قلماً وقد توجه بنظراته الواثقة الى القراء وفوق الرسم هامش هو (سيارة حبزبوز الجديدة وقلمه السيال) وتحته تعليق من سؤال وجواب، وقد ارتأى رسامو الكاريكاتير العراقيين اعتباره يوم ولادة فن الكاريكاتير العراقي، لكونه عملاً فنياً كاريكاتيرياً متكامل العناصر وفق المفاهيم العصرية.
واكتملت فرحة العيد بأصدار كتاب يؤرخ للمناسبة حمل غلافه لوحة للفنان عبد الرحيم ياسر عن تصدي الكاريكاتير للفساد، وقد كتب حسن العاني المقدمة للكتاب بعنوان (مفوضية الكاريكاتير المستقلة !!)، جاء فيها: ثمة في الوسط الصحفي من يزعم، إنه طرق باب صاحبة الجلالة وهو في بطن أمه، وإذا تواضع قليلا، فمنذ كان في جناح الخدج، وثمة من يزعم إنه لم يتأثر بغيره، ولم يقلد أحداً، ولم يُصب حتى بعدوى الاعجاب، أما أنا فأقسم برأس الرجاء الصالح، إنني تربيتُ في حاضنة الكاريكاتير، وتعلمت منها، ونقلت عنها إسلوب النقد الساخر الى الصحافة بحدود ما يتقنه تلميذ مبتدىء من أساتذته في مدرسة المتميزين، وأعترفُ إن أعضاء هذه الحاضنة كانوا من الذكاء والفطنة حداً جعلني أحسدهم علانية، فوحدهم من يمتلك حاسة إلتقاط إستثنائية لأدق الخبايا لا تقدر عين النسر على ملاحظتها، ووحدهم من لا يخفى عليه مستور، فيا لهذا الكائن اللعين ـ رسام الكاريكاتير ـ كيف يقرأ في الظلام ويمشي في النار ويشم رائحة الماء تحت الأرض ؟!
واضاف: ربما لهذه الاسباب مجتمعة، لا يحق للحكومة المباهاة، إنها إبتدعت للنزاهة ( هيأة ) تكشف صفقات القوانين الفاسدة التي إعتاد البرلمان على تمريرها في سلةٍ واحدة، كما لا يحق للبرلمان التباهي، إنه يراقب إداء الحكومة ويفضح الفساد السياسي، فقبل ثمانين سنة، قامت في العراق أول مؤسسة نزيهة، لا يرقى اليها الشك، ولم تَحُم الشبهات حولها يوما، لمكافحة الفساد بعيداً عن مزايدات الحكومة والبرلمان، وقليلون هم أولئك الذين كانوا يعرفون إسمها، أما اليوم فلا أحد يجهل إنها تدعى ( مفوضية الكاريكاتير المستقلة ) التي تحتفي بمطبوعها الثالث ذي النبرة الوحدوية عنواناً و مضموناً ( كاريكاتير عراقي )، وليس كاريكاتير مذهب أو طائفة أو قومية أو محاصصة أو وزارات سيادية، بل هو ( عراقي )، وهي صفة إطلاق جامعة من جسر زاخو الى حناء الفاو !!، هكذا ولدت هذه المفوضية عراقية عفيفة قبل ثمانية عقود، وما تزال حتى هذه اللحظة سيفا هجر غمده ليطارد فساد الرؤوس والنوايا والجيوب، على الرغم من إن النصال تكسرت على النصال فوق جسدها الطاهر !
وتابع: قد أذكر من باب الاشارة العابرة، إن الكاريكاتير العراقي ليس إبتكاراً محلياً، فهو مسبوق عربيا وعالميا، ولكن ميزته إنه لم يولد من رحم التقليد الاعمى، ولم يستنسخ تجارب الآخرين، بل ( نزل ) الى الشارع متضوعا بسمرة الشمس العراقية المحرقة، وعذوبة الفراتين الندية، وعذابات الناس التي لم تسمع بزائر يدعى (حقوق الانسان) يطرق أبوابها المغلقة في صيف أو شتاء. وبذلك إهتدى ذاتياً إلى صياغة هويته الشخصية، وكان من آيات هذه الهوية، إن رموز الفن وعناوينه الكبيرة، على مدى الثمانين سنة، كانت كائنات مستقلة، كل كائن له رؤيته وخطوطه وإسلوبه وبصمته، أما أجمل تلك الآيات التي تدعو الى الزهو، فتكمن في قناعتي الشخصية ليس فقط في وقوف رسام الكاريكاتير العراقي مع نخبة زملائه الفنانين عربا وأجانب ضمن خانة واحدة، بل في تجاوزه الابداعي (أحيانا ) مواطن هذا الفن وعمالقته في عقر دارهم، ولست ساذجا بالتأكيد الى الحد الذي أمتدح ( الداخلي ) أو أقلل من شأن ( الخارجي)، فالمقامات محفوظة وقصب السبق معروف.
ومن اجل التواصل مع هؤلاء الفنانين في عيدهم، تحدث لنا عدد منهم الذين عبروا عن سعادتهم بتجمعهم ولقائهم وامتنانهم للجمهور الذي حضر وبارك لهم مسعاهم.
قال الفنان علي المندلاوي: هذا المعرض هو الثالث على هذا المستوى الكبير يقام في بغداد، والمناسبة هي الاحتفاء بأول رسم يمثل الكاريكاتير نشرته الصحافة العراقية، وهذا المعرض والذي قبله شهدا دخول عددا كبيرا من الرسامين الجدد الى الميدان، ومن المفروض ان يقام اكثر من معرض في السنة ولكن هذا (اضعف الايمان) كما يقال، نحن نتمنى ان نستطيع ان نقيم معرضين في السنة على الاقل وان نصدر عشرة كتب ولكن هذه هي امكانيتنا.
واضاف: اغلب المشاركين في المعرض لبوا الدعوة التي وجهناها، وقد خضعت الرسوم الى لجنة مشرفة تتألف من عبد الرحيم ياسر وخضير الحميري وانا، وشاهدنا الاعمال واخترنا هذا العدد، وحاولنا ان نزج حتى بعض المستويات الضعيفة على عكس السنتين الماضيتين التي كنا فيهما اشد وأقسى في القبول، ولكن هذه السنة أرتأينا ان نعطي فرصة اكبر، لان هناك بصراحة الكثير منن يعجبهم عرض رسومهم مع المعروفين، وهي فرصة ان يقدموا اعمالهم للجمهور .
اما الفنان خضير الحميري فقال: للمعرض اهمية تكمن في انه يجمع رسامي الكاريكاتير سنويا، لاول مرة يشترك 30 رساما في معرض ونأمل في العام المقبل ان يرتفع العدد الى 40، وهناك فنانون مميزون لم يشتركوا وفنانون اخرون لم يكن اشتراكهم بذلك المستوى الجيد، ولكن هو تجمع لرسامي الكاريكاتير العراقيين بمناسبة مرور 81 سنة على نشر اول رسم كاريكاتير سنة 1931، المهم ان المعرض فرصة لان نلتقي مع المشاهد وجها لوجه بعد ان كنا نلتقي به عبر الصحافة، هنا نستمع الى رأيه وانتقاده ونرى اثر رسوماتنا على الاخرين.
واضاف: في هذا المعرض كان للشباب حضور، حيث ضم المعرض تجارب جديدة لعشرة رسامين،والذي عنده توجه كاريكاتيري فالمعرض مفتوح للطاقات الشبابية، ويمكن ان اشير الى ميثم راضي فهو رسام ممتاز جدا ومكتمل الادوات ولديه قدرة تعبيرية راقية ولديه مشاركات عالمية على الرغم من انه غير معروف محليا.
وتابع: المعرض هو بداية للجمعية العراقية لكاريكاتير حيث نجتمع كرسامين ومشاريعنا كثيرة، وسيرافق كل معرض نقيمه سنويا كتاب يوثق رسوم الكاريكاتير ويحفظها لاي باحث او شخص يريد الرجوع اليها في يوم من الايام، نأمل ان يكون في العام المقبل العدد ضعف العدد الحالي.
فيما قال الفنان عبد الرحيم ياسر: هذا المعرض جهد مشترك بيننا نحن كرسامين عراقيين هيئة النزاهة، نعتقد ان هيئة النزاهة لها صفة تشبه صفة رسام الكاريكاتير، وهي مراقب، وهذا المعرض يأتي لمناسبة ظهور اول رسم كاريكاتيري عراقي في سنة 1931، وهذا اليوم 29/ 9، اردناه ان يكون يوما للكاريكاتير العراقي، وربما فيما بعد تكون هناك مجموعة معارض، المهم ان هذا المعرض اختارته ذائقتنا نحن واشترك فيه معظم الرسامين العراقيين من داخل العراق وخارجه، من شمال العراق وجنوبه، والعرض ليس فيه تسمية نساء وشباب وشيوخ ورجال، اللوحة هي التي تقول انا شابة، انا حديثة، انا جيدة، وكل شاب عرضت رسومه هنا يعني انها مقبولة بالنسة لنا، اذن هو رسام جيد.
واضاف: الرسم في العراق شيء كبير، والعراق بلد رسم، لذلك اتفاءل بمستقبله، ويمكن ان اقول ل كان هناك رسامين فاجأوني ولم اكن اعرف اسماءهم من قبل، وهم في مستوى جيد جدا.
وقال الفنان شهاب الحميري: المعرض مفرح جدا لانه يضم نخبة من الرسامين العراقيين، ونحن اذا ما كنا واقعيين فالرسام العراقي مميز في الوطن العربي، واذا ما كان هنالك انصاف فأن الرسام العراقي حتى على مستوى العالم له مكانة مهمة، ومن الاشياء التي لفتت انتباهي في المعرض انني ألتقيت مع الراحل (مؤيد نعمة) وجها لوجه ورأيته رحمة الله عليه، وهذا يدلل على ان الفنان اذا ما رحل جسدا فأنه باق، وأثرت لوحات مؤيد التي يبدو انها لم تكن لمرحلة زمنية محددة، وانها متجددة مع الزمن، كما لفت انتباهنا رسام شباب مفرحون.
واضاف: ان يحتضن المعرض رسوم رسامين كبار شيء مفرح ويبشر بالخير بالتأكيد، ولكن من المهم ايضا ان يكون له دعم، فهم مؤتلفون، هؤلاء الرسامون مؤتلفون جدا، وربما لن تجد في اي بلد اخر ائتلاف رسام مع رسام في المهنة نفسها، ولكنهم يحتاجون الى الدعم من جهات معينة، وفي المعرض تجد كل الاعمار من علي المندلاوي وفيصل لعيبي وبسام فرج، انه معرض مفرح.
اما الفنان ميثم راضي عباس فقال: مشاركتي تتمثل بخمس لوحات، وهذه المرة الاولى التي اعرض فيها في بغداد، انا من سكنة مدينة العمارة (محافظة ميسان)،واعتبر مشاركتي هذه خطوة هائلة لي بشكل شخصي خاصة انني تعرفت على الاساتذة الكبار في هذا المجال مثل علي المندلاوي، عبد الرحين ياسر، خضير الحميري، احمد الربيعي وغيرهم، ولم اكن في السابق اعرفهم شخصيا وان كانت بيننا اتصالات في الواقع الافتراضي (الفيس بوك).
واضاف: طالما كنت اعاني من انقطاعات في الرسم ولكن هذه الخطوة ستجعلني استمر، واعتقد ان هذا المعرض يمثل تقدما كبيرا للكاريكاتير العراقي خاصة اذا ما كان المعرض سنويا ومن الممكن ان يتطور الى مهرجان وفيه جوائز ومن الممكن ان يفتح الابواب لرسامين عرب وعالميين للمشاركة فيه، لذلك اراه فاتحة خير لي وللكاريكاتير العراقي.