أثار طلب لجنة تقصي الحقائق المشكلة من قبل رئيس الجمهورية المصري لإعادة جمع الأدلة والتحقيق في قضية المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير، إعادة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، الكثير من الجدل واللغط.


حسني مبارك ممدًدا على سرير أثناء إحدى جلسات محاكمته

صبري عبد الحفيظ من القاهرة: قلل محامو المصابين وأسر القتلى من جدية الإعلان، معتبرين أنه للإستهلاك الإعلامي، مؤكدين أن طلب إعادة المحاكمة غير قانوني، لاسيما أن القضية منظورة حالياً أمام محكمة النقض، أعلى جهة قضائية جنائية في مصر، ولا يمكن إعادة فتح التحقيق، وليست إعادة المحاكمة إلا بناء على أدلة جديدة لم تعرض على المحكمة أثناء نظر القضية في المرة الأولى.

خطأ قانوني
ووفقاً لتقرير لجنة تقصي الحقائق، الذي طلبت بناء عليه من النائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود إعادة محاكمة مبارك والعادلي في قضية قتل المتظاهرين، الذي جاء في 10 صفحات، وحصلت quot;إيلافquot; على فحواها، فإن محكمة جنايات القاهرة، التي جرت المحاكمة أمامها برئاسة المستشار أحمد رفعت وقعت في خطأ قانوني، عندما أغفلت طلبات النيابة العامة بمحاكمة المتهمين الثمانية في قضية قتل وشروع في قتل المتظاهرين السلميين، في 12 محافظة، وليس وقائع القتل في ميدان التحرير فقط، التابع لدائرة قسم شرطة قصر النيل في وسط القاهرة، بالمخالفة لصريح القانون.

وأضاف التقرير، الذي رفعته اللجنة إلى النائب العام المصري، أن المادة 311 من قانون الإجراءات الجنائية، تنص على: quot;يجب على المحكمة أن تفصل في الطلبات التي تقدم إليها من الخصوم، وتبيّن الأسباب التي تستند إليها، فقد ذهبت محكمة النقض إلى رجوع القضية التي تغفل المحكمة الفصل في طلبات الخصوم بها إلى المحكمة نفسها، التي فصلت في موضوع الدعوى، باعتبارها قاعدة واجبة الاعمال أمام المحاكم الجنائيةquot;.

وحسبما ورد في التقرير فإن quot;النيابة العامة نسبت إلى المتهمين الثمانية ـ الرئيس السابق حسني مبارك، ووزير داخليته اللواء حبيب العادلي، وستة من كبار مساعديه ـ جرائم القتل والشروع في القتل، على مدار 7 أيام، بواقع اختلاف ظروف وملابسات وقائع القتل والشروع في القتل من محافظة إلى أخرى، إلاّ أن المحكمة لم تتطرق إلى هذه الموضوعات إطلاقًا، وصبّت حكمها بالكامل على الوقائع الخاصة بميدان التحرير، رغم مطالبة النيابة لها في طلب الإحالة بالتعامل مع كل واقعة، وكل محافظة على حدةquot;.

إعادة المحاكمة

فريد الديب

ودعت اللجنة النائب العام لإعادة القضية من جديد إلى المحكمة التي نظرتها لإعادة المحاكمة مرة أخرى، وفصل قضيتي قتل المتظاهرين في التحرير، عن قتل المتظاهرين في باقي المحافظات، وإستندت في ذلك المطلب إلى المادة 193 من قانون المرافعات.

وقالت في تقريرها quot;يجب على النيابة العامة في هذه القضية إحالتها من جديد على الدائرة نفسها في محكمة جنايات القاهرة؛ لاستكمال محاكمة المتهمين في وقائع قتل والشروع في قتل المتظاهرين في باقي دوائر محافظة القاهرة و11 محافظة أخرى، وذلك بغضّ النظر عن الموعد الذي حددته محكمة النقض، لنظر طعون المتهمين والنيابة العامة على حكم إدانة مبارك والعادلي، وتبرئة المساعدين الستةquot;.

غير قانونية
رغم وجاهة الطلب واستناده إلى أدلة قانونية، إلا أن خبراء قانونيين، وأعضاء في اللجنة نفسها، يرون أن إعادة المحاكمة غير قانونية، والهدف منها الإستهلاك الإعلامي. وقال حسن أبو العينين محامي المدعين بالحق المدني (المصابون وأسر القتلى)، إن طلب إعادة محاكمة حسني مبارك وحبيب العادلي وقيادات وزارة الداخلية الست، أثناء الثورة، غير قانوني.

وقال لـquot;إيلافquot; إن المطالبة بإعادة المحكمة بسبب خطأ القاضي في عدم فصل قضايا قتل المظاهرين في المحافظات عن قضية قتل المتظاهرين في التحرير، لا أساس لها في القانون.

وأضاف أبو العينين أن القضية انتهت في درجة التقاضي الأولى، مشيراً إلى أنها الآن منظورة أمام محكمة النقض، ولا يمكن إعادتها إلى المربع رقم صفر، إلا في حالة ظهور أدلة جديدة، وفي هذه الحالة تعاد القضية إلى النيابة العامة للتحقيق فيها من جديد.

جميع قتلى التظاهرات
وأكد أبو العينين، الذي كان يتولى الدفاع عن حقوق 146 مصاباً وأسرة قتيل من قتلى ثورة 25 يناير، أن القاضي أحمد رفعت قال في حيثيات الحكم بالمؤبد لمبارك والعادلي وبراءة مساعدي العادلي الستة، إن عمليات القتل جرت في كل ميادين المحافظات، مشيراً إلى أنه حضر كل جلسات القضية، ويرى أن المحكمة لم تغفل عمليات القتل التي جرت في المحافظات، وليس وقائع منطقة ميدان التحرير فقط.

قاضي محكمة مبارك

ولفت إلى أن أوراق القضية تضمنت جميع أسماء المصابين والقتلى، وبالتالي فالقول إنه ستتم إعادة المحاكمة تعبير غير قانوني، الغرض منه الإستهلاك الإعلامي فقط.

من المستحيل
يتفق أسعد هيكل محامي أسر القتلى والمصابين، مع أبو العينين في ما ذهب إليه من عدم قانونية إعادة المحاكمة، وقال هيكل عضو لجنة تقصي الحقائق أيضاً، لـquot;إيلافquot; إن اللجنة لا يمكن التعويل عليها كثيراً في قضية قتل المتظاهرين، مشيراً إلى أن يدها مغلولة، ولا تملك آليات واضحة وقوية لجمع الأدلة وتوثيقها، وشدد على ضرورة أن يصدر رئيس الجمهورية قانوناً جديداً يمنحها صلاحيات أقوى وأكبر من أجل أن يكون لها دور في تحريك القضية.

ولفت إلى أن اللجنة إضطرت إلى رفع تقريرها إلى النائب العام لإعادة القضية إلى الدائرة التي نظرتها وأصدرت حكمها في وقائعها، نظراً إلى أنها ليس لديها الحق في ذلك، منوهاً بأن النائب العام لم يصدر قراراً بتلبية طلب اللجنة، ولكنه وزّع بياناً قال فيه إن النيابة العامة طعنت على الحكم، في حين أن هذا الطعن مقدم منذ فترة، وليس أمس أو أول أمس، لأن القانون ينص على ضرورة تقديم الطعن في موعد غايته 60 يوماً من تاريخ صدور الحكم، وكان الحكم في القضية بتاريخ 2 يونيو/ حزيران الماضي، أي منذ ثلاثة أشهر.

وأضاف هيكل أن إعادة المحاكمة لا تجوز، بل من المستحيل قانونياً، لاسيما أن القضية منظورة أمام محكمة النقض، ولا يمكن سحبها منها وإعادتها إلى النيابة العامة أو الدائرة التي حكمت فيها، إلا في حالة ظهور أدلة جديدة. أما القول بوجود خطأ في الحكم، فهذا الكلام تفصل فيه محكمة النقض، التي يمكنها طلب إعادة المحاكمة مرة أخرى، أمام محكمة جديدة، وليس أمام المحكمة نفسها التي أصدرت الحكم.

وجوب إعادة المحاكمة
على الجانب الآخر، قال المستشار عمر مروان، أمين عام لجنة تقصي الحقائق، إن اللجنة إنتهت إلى أن المحكمة التي نظرت القضية أغفلت طلبات النيابة بفصل قضية قتل المتظاهرين ميدان التحرير عن باقي القضايا في المحافظات الأخرى، مشيراً إلى أن ذلك يستوجب إعادة المحاكمة أمام الدائرة نفسها.

ولفت إلى أن المحاكمة الجديدة لن تتأثر بتقاعد المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة، وأشار إلى أن الأحكام الصادرة بحق المتهمين سوف تظل ثابتة إلى حين أن تلغيها أو تثبتها محكمة النقض، ونبه إلى أن أية أحكام جديدة ستصدر إعادة المحاكمة سوف تضاف إلى الأحكام الصادرة في المحاكمة الأولى.