يبقى أي قرار بشأن برنامج إيران النووي مسؤولية خامنئي وحده الذي يجد نفسه بين جناحين داخل النظام، جناح صقوري صغير يدعو إلى مزيد من quot;المنجزاتquot; النووية، وأغلبية تخجل من المجاهرة بمعارضتها.
في العام الأخير من الحرب الايرانية العراقية واجه آية الله الخميني خيارًا صعبًا بين الرضوخ للضغوط الداخلية والخارجية والقبول بوقف اطلاق النار أو الاستمرار في حرب عقيمة تكلف خسائر جسيمة في الأرواح.
وكان غالبية اركان النظام في تلك المرحلة عام 1988 يؤيدون إنهاء الحرب، ولكن لم يجرؤ احد منهم على الاعتراف بذلك علناً. فان اختيار وقف اطلاق النار كان quot;خطًا أحمرquot; في النقاشات الرسمية، وان رجلاً واحدًا كان قادرًا على تغيير ذلك هو مؤسس الجمهورية الاسلامية.
في النهاية قرر الخميني ان quot;يتجرع كأس السمquot;، على حد تعبيره، ويواجه الواقع المر. وبموافقته على وقف اطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة أنهى الخميني أطول حرب تقليدية في القرن العشرين أورثت نصف مليون قتيل على الجانبين.
في إيران اليوم يجد المرشد الأعلى الحالي آية الله علي خامنئي نفسه في موقف مشابه. وإزاء ما تسببه المواجهة بشأن برنامج ايران النووي من استياء داخلي ومخاوف من اندلاع نزاع أكبر مع الغرب، هل سيكون خامنئي مستعدًا للتنازل؟
حتى الآونة الأخيرة كان الحديث عن تأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الايراني quot;خطا احمرquot; رسمه خامنئي. وخلال 23 عامًا من توليه منصب المرشد الأعلى كان يصر على أن العقوبات زادت النظام قوة واعتمادًا على قدراته الذاتية في العديد من المجالات. وكان المسؤولون الذين يهمسون بأن العقوبات تزيد الحياة صعوبة يتعرضون فورا للهجوم. وقبل عام عندما اشار محافظ البنك المركزي محمود بهماني الى عمق الأزمة المالية التي تواجه البلد رد خامنئي واصفاً المحافظ، ولو ضمنياً، بأنه quot;صانع قرار سيءquot;.
الآن إذ تزيد العقوبات مشاكل إيران تفاقماً، يبدو أن الخط الأحمر بدأ يتلاشى وأخذ كثير من المسؤولين يرون أن خطابية المرشد الأعلى تقوم على أساس هش مجاهرين بمخاوفهم على الاقتصاد المتداعي.
وحتى أيام قليلة كان خامنئي لم يزل واثقاً بـأن العقوبات لن تحمل نظامه على الركوع. واعلن المرشد الأعلى في كلمة القاها أمام حشود تجمعت في مدينة بوجنورد شمال شرقي إيران quot;هل نحن في حال سيئة أم انتم [في الغرب]؟ ففي شوارع البلدان الاوروبية الكبرى هناك تظاهرات ليلاً ونهارًا... إن مشاكل الغرب أعقد بكثير من مشاكلناquot;. وأضاف quot;أن اقتصاد الغرب مجمَّدquot; وخاطب الغرب قائلاً quot;أنتم أسوأ حالاً وماضون نحو الانهيار والركودquot;.
وكما في ايام الحرب العصيبة هناك بوادر متزايدة على مشاعر احباط بين كبار المسؤولين وانصار النظام رغم حذرهم من انتقاد سياسة خامنئي النووية علنًا. ويُعد الحديث عن العقوبات انتقادًا غير مباشر لخامنئي لرفضه التفاهم حول ملف إيران النووي.
وفي مواجهة ضغوط اقتصادية وسياسة غير مسبوقة قد يجد خامنئي صعوبة متزايدة في الاستمرار برفضه الحلول الوسط. وقبل أيام نشر موقعه الالكتروني مقالاً اشار الى الامام الحسن، لذي كان معروفًا بميله إلى السلام والتفاهم. وأطلق المقال تكهنات بأن خامنئي قد يكون مستعدًا للدخول أخيرًا في مفاوضات جدية.
وأوضح الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في مؤتمر صحافي عقده عندما هبط الريال الايراني إلى أدنى مستوياته، أن العقوبات تؤذي إيران، ولكنه ذهب إلى أن حكومته لم ترتكب خطأ ملمِّحا إلى أن الوضع الحالي هو نتيجة سياسة لا سيطرة لحكومته عليها.
ورغم أن احمدي نجاد هو الوجه الرسمي للنظام فان السياسات الداخلية والخارجية الحساسة والإستراتيجية، مثل البرنامج النووي، تبقى مسؤولية المرشد الأعلى وحرسه الثوري النخبوي. وأوضح كبير المفاوضيين النوويين الايرانيين سعيد جليلي في مفاوضاته مع القوى الدولية أنه ممثل المرشد الأعلى وليس رئيس الجمهورية.
وبخلاف خامنئي يبدو احمدي نجاد أكثر ميلاً إلى التفاهم. وخلال زيارته نيويورك لحضور اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرًا أشار الرئيس الإيراني خمس مرات على الأقل إلى استعداد ايران لاستئناف العلاقات مع الولايات المتحدة، في بادرة لاقت رفضًا شديدًا من كبير معاوني خامنئي في طهران.
ولكن احمدي نجاد ليس وحده الذي يتحدث عن العقوبات. ففي الشهر الماضي قال نائب رئيس البرلمان الإيراني محمد رضا بهونار إن ايران كانت في منتصف الصيف لا تبيع إلا 800 الف برميل نفط في اليوم بالمقارنة مع 2.3 مليون برميل في اليوم العام الماضي.
ويبلغ سعر صرف الدولار الآن ثلاثة امثال سعره مقابل الريال الايراني في أوائل العام الماضي، بحسب تقديرات صحيفة الغارديان. وحتى وسائل الإعلام المحافظة المتعاطفة مع النظام تخصص تغطية واسعة لآثار العقوبات على الاقتصاد الايراني.
وتحت وطأة الضائقة الاقتصادية بدأ المسؤولون الإيرانيون لعبة تلاوم يواجه احمدي نجاد فيها خطر استخدامه كبش محرقة بتحميلة مسؤولية الأزمة الاقتصادية. وردًا على هذه الصراعات الداخلية دعا خامنئي إلى الوحدة وطلب من المسؤولين في البرلمان والقضاء وغيرهما من المؤسسات المهمة ألا يتبادلوا القاء اللوم على بعضهم البعض.
في غضون ذلك يبقى أي قرار بشأن برنامج إيران النووي مسؤولية خامنئي وحده الذي يجد نفسه بين جناحين داخل النظام، جناح صقوري صغير يدعو إلى مزيد من quot;المنجزاتquot; النووية، وأغلبية تخجل من المجاهرة بمعارضتها. واتضح مؤخرا أن تقريرا داخليا من إعداد الحرس الثوري اشار الى انه يكفي ان تصمد ايران quot;ثلاث سنوات اخرىquot; بوجه العقوبات كي تحقق اهدافها النووية، كما افادت صحيفة الغارديان.
في عام 2005 لجأ خامنئي الى اصدار فتوى لطمأنة المجتمع الدولي، بلا جدوى، إلى أن إيران لا تعمل على إنتاج قنبلة نووية. وعليه الآن أن يتخذ قراراً أصعب بكثير.
التعليقات