سيطر لواء العاصفة الشمالية على منطقة باب السلام الحدودية منذ شهرين ونصف الشهر، وهي جماعة متمردة مسلحة من أعزاز، الحدودية. وتضم المجموعة اليوم نحو 1200 مقاتل، ويمتد وجودها 30 ميلاً إلى الجنوب من حلب المحاصرة.


لميس فرحات: بعدما سيطروا على المواقع الحدودية، أصبح الثوار قوة quot;القانون الجديدquot; على الحدود التركية السورية. وساهمت هذه السيطرة في بعض التسهيلات للثوار، سواء من حيث نقل السلاح، أو السيطرة على مواقع العبور.

تجعل المجموعات المختلفة، التي استحكمت كل منها عبر التموضع على مواقع حدودية، من الصعب التفكير بما سيكون الوضع عليه بعد انهيار النظام، وكيفية توحيد هذه المجموعات لبسط سيطرة الدولة المدنية، مما ينذر بـquot;ليبيا جديدةquot;.

يشكل باب السلام، وهو جزء من سلسلة من المعابر الحدودية على طول الحدود السورية التركية، معبراً حيوياً للمقاتلين، وهو أمر يعرفه قائد لواء العاصفة عمار الدادخلي جيداً.

الدادخلي، قائد اللواء المسلح كان بائع خضر قبل الحرب، على الرغم من أن سكان بلدته يقولون إنه كان يعمل في تهريب السجائر أيضاً، ويصف آراءه السياسية بالمعتدلة، إذ يرغب في إقامة دولة مدنية في سوريا، ويتحاشى الحديث عن القادة الإسلاميين.

السوريون في أعزاز يعرفون مدى أهمية أن يكون معبر باب السلام تحت سيطرة الثوار، فهذه النقطة الحدودية أساسية لتلبية احتياجاتهم، لأنها تؤمّن عبور المعونات من بلدان أخرى إلى سوريا.

هذه الأهمية الاستراتيجية جعلت السيطرة على المناطق الحدودية واحدة من الصراعات الرئيسة في الثورة السورية، ونقطة خلاف يمكن أن تجرّ تركيا إلى النزاع، لا سيما بعد تبادل الضربات والمناوشات بين الجيشين التركي والسوري على خلفية سقوط قذائف داخل الأراضي التركية، أدت إلى مقتل مدنيين.

على الرغم من تردد تركيا أو تأنيها قبل الدخول في صراع عسكري مع نظام الرئيس بشار الأسد، يرحّب الثوار بموقف أنقرة الأكثر عدوانية، لأنهم يحتاجون أي دعم عسكري متوافر لإضعاف حكومة الأسد.

وفي الوقت الذي يفقد فيه نظام الأسد السيطرة على شمال البلاد، تمكنت المجموعات المسلحة، مثل لواء العاصفة الشمالية، من الحصول على مناطق نفوذ على طول الحدود التي يسهل اختراقها.

وعلى الرغم من وجودهم على الحدود التركية، إلا أن الثوار ما زالوا يعتمدون على حسن نية السلطات التركية لتنفيذ نشاطاتهم، فالأتراك لهم الكلمة الأخيرة حول ما يمر عبر الحدود،من مساعدات وأسلحة ولاجئين. هذه السيطرة تعطي تركيا قدراً كبيراً من النفوذ على الثوار السوريين، الذين يفهمون جيدًا أهمية المعابر الحدودية.

حاليًا تسيطر أربع مجموعات على الحدود التركية، إضافة إلى تحكم لواء عاصفة الشمال بمنطقة باب السلام، يسيطر لواء الفاروق من حمص على منطقة تل الأبيض الحدودية، التي وقعت تحت سيطرة المقاتلين يوم 19 أيلول/سبتمبر، وما زالت عرضة لهجوم القوات النظامية. ووقعت منطقة باب الهوا أيضاً في قبضة الثوار في منتصف شهر تموز/يوليو تموز، إلى جانب معبر جرابلس، الذي يسيطر عليه لواء التوحيد، وهو تحالف من الإسلاميين في حلب.

السيطرة على الحدود أصبحت واحدة من غنائم الحرب، لما فيها من فائدة على الثوار. منذ ستة أشهر، نفذ لواء عاصفة الشمال عملية عسكرية لانتزاع السيطرة على باب السلام من قوات الأسد. فقررت المجموعة قطع الطريق من أعزاز لتجويع القوات الحكومية المتمركزة. وأطلق أفرادها نداءات باستخدام مكبرات الصوت تحث القوات الحكومية على الانشقاق، ثم نظموا هجوماً مفاجئاً، وانتظروا إلى أن نفذت ذخيرة القوات الحكومية، فأطلق الثوار وابلاً من الرصاص، تمكنوا بعده من السيطرة على المنطقة.

أما الآن، بعدما أحكم لواء عاصفة الشمال سيطرته على باب السلام، لا توجد نية للتخلي عن موقعه إلى أن يتم انتخاب حكومة جديدة في سوريا.

بعد الدماء والأموال التي قدّمها لواء عاصفة الشمال للاستيلاء على المنطقة الحدودية، يتمتع الآن بموقع استراتيجي، يعود عليه بمنافع مالية كثيرة، فالثوار يفرضون رسوماً على أولئك الذين يعبرون من سوريا الحرة - 250 ليرة سورية (نحو 4 دولارات) للشخص الواحد، و350 ليرة سورية (5 دولارات) لكل سيارة. وتتوجّه هذه الأموال إلى خزائن لواء الشمال.

وقد وضعت مجموعات أخرى أساليبها الخاصة للاستفادة من الأراضي، وذلك من خلال تنفيذ دوريات على الحدود التي يسهل اختراقها. فعلى الرغم من أن قادة الثوار يصرّون على أن الدعم المالي يصلهم من المغتربين والمتمولين السوريين المعارضين، إلا أن الثوار يؤمّنون بعض المال من خلال اعتراض المهرّبين، وفرض غرامة عليهم أو مصادرة بضائعهم، في تدابير يصفها الثوار بـ quot;جمع تبرعات أكثر ابتكاراً على طول الحدودquot;.

وعلى الرغم من أن هذه الإقطاعية تبدو طبيعية تقريباً بسبب فوضى الحرب، إلا أن الطبيعة اللامركزية للثورة السورية قد تتحول من نعمة إلى نقمة، إذ إن إعادة جمع سوريا المفككة بعد سقوط الأسد ستكون مهمة شاقة شبيهة بالمعضلة الليبية التي تكافح حكومتها لوضع الثوار تحت لواء الدولة.

عاصفة شمال تتصرف وكأنها وجدت لتبقى، كما إنها تعمل على توسيع نفوذها، إذ يدرس قادتها احتمال فتح مصرف خاص لتقديم الدعم المالي إلى التجار والوحدات المتمردة الأخرى، التي تقاتل من أجل إسقاط النظام، إنما فقط الجماعات المعتدلة التي تتفق مع أيديولوجيتها السياسية.