بعدما أسفر ذلك الانفجار القوي الذي وقع يوم أمس الجمعة في حيّ الأشرفية في لبنان عن مقتل واحد من أبرز المسؤولين الأمنيين اللبنانيين، سرعان ما بادر المسؤولون المناوئون لسوريا في البلاد إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة في دمشق.


أشرف أبوجلالة من القاهرة: جاء هذا الاغتيال ليهدد باحتمال انتشار العنف في المنطقة، بعد وقوعه في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، بعد سنوات عدة من الهدوء النسبي، وهو ما أثار مخاوف من أن تتحول التوترات الطائفية المتفاقمة بالفعل نتيجة الصراع السوري إلى حرب صريحة.

وكان رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد وسام الحسن واحداً من بين ثمانية أشخاص على الأقل لقوا حتفهم في ذلك الانفجار الذي وقع في منتصف النهار، في شارع جانبي هادئ، قرب ساحة ساسين في منطقة الأشرفية التي تقطنها غالبية مسيحية.

سرعان ما طفت على السطح الاتهامات التي حمّلت سوريا المسؤولية، بسبب ارتباط الحسن الوطيد بالمعسكر المناهض لسوريا، الذي تقوده الطائفة السنية في لبنان، ولمشاركته في تحقيقات بمؤامرات وتفجيرات، كشفت عن الدور الذي قام به حلفاء سوريا في لبنان، بمن فيهم حزب الله.

في تصريحات أدلى بها إلى شبكة تلفزيون المستقبل، قال القائد السني سعد الحريري quot;مَن قام باغتيال وسام الحسن واضح وضوح ضوء النهار. وأنا أحمّل الرئيس بشار الأسد المسؤوليةquot;.

وقد نشبت حالة من الغضب العارم بين المواطنين السنَّة، ونزل بعضهم بالسلاح إلى الشارع في مناطق سنية عدة في مختلف أنحاء لبنان، لتسجيل اعتراضهم على اغتيال الحسن. وخلت الشوارع في العاصمة من المارة والمركبات، وقيل إن معركة بالرصاص نشبت لمدة قصيرة في طرابلس بين السنة وأفراد الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد.

وقال هلال خشان أستاذ العلوم السياسية في فرع الجامعة الأميركية في بيروت: quot;أتوقع حدوث تداعيات، وأتوقع أن تكون حادة، وأخشى ألا يقبل المجتمع السني ذلك الأمرquot;. من جانبها، أدانت سوريا ذلك التفجير واصفةً إياه بـ quot;الهجوم الإرهابي الجبانquot;.

لكن هذا لم يمنع الساسة المناوئين لسوريا في لبنان من اتهام دمشق بتنفيذ الهجوم، للانتقام من أحد المنافسين المزعجين، وأشاروا إلى أن سوريا ربما تحاول أن تظهر التداعيات المحتملة التي قد تنجم من السماح لحكومة الأسد بالسقوط، في الوقت الذي مازالت تواصل فيه مساعيها الرامية إلى سحق الانتفاضة المستمرة منذ 19 شهراً.

جاء الاغتيال كذلك في شهر بدأ يصل فيه الصراع السوري إلى الحدود التركية، حيث بدأ الجانبان يتبادلان إطلاق نيران المدفعية وتستعين تركيا بطائرات مقاتلة لاعتراض طائرة مدنية كانت في طريقها إلى دمشق. ولفتت في هذا الصدد صحيفة واشنطن بوست الأميركية إلى أن الحسن اشتهر بكشفه عن دور حزب الله في اغتيال رفيق الحريري عام 2005، ما أسفر عن إدانة 4 من أعضائه من قبل محكمة الأمم المتحدة الخاصة بلبنان.

ومضت الصحيفة في سياق تقرير منفصل لتؤكد على الدور الحيوي والمهم الذي كان يقوم به الحسن في المؤسسة الأمنية في لبنان، مشيرةً في السياق عينه إلى أن عملية اغتياله هذه قد تحظى بتداعيات في غاية الأهمية داخل لبنان وخارجها على حد سواء.

وعلق أحد المستشارين السياسيين اللبنانيين على تلك الحادثة بقوله: quot;إنه حدث كبير للغاية، ولا يمكن لأحد أن يبدأ حتى في التفكير في التداعيات التي قد تنجم من ذلك العملquot;.

في النقاط الآتية، حاولت الصحيفة أن تبرز الدور الذي كان يقوم به الحسن في المنطقة، وما الذي قد تعنيه وفاته في حال ثبوت المزاعم المتعلقة بتورط سوريا في الحادث:

- خصم لحزب الله: حيث سبق له أن اشتهر بقيادته لتحقيق بخصوص دور حزب الله المزعوم في واقعة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005.

- خصم لسوريا: حيث سبق له أن ساعد على إلقاء القبض على ميشال سماحة، ذلك السياسي اللبناني، الذي يعتقد أنه كان يرتبط بثمة علاقات بالحكومة السورية، وذلك بعدما وجّهت إليه مجموعة اتهامات متعلقة بالتخطيط لتفجير متفجرات سورية في لبنان.

- تقديم حزب الله المساعدة لسوريا مع تعريض مصالح لبنان للخطر: فقد أفاد تقرير أعده الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وتم إصداره أول أمس، بأن هناك تقارير موثوق بها تتحدث عن أن حزب الله، وهو أيضاً حزب سياسي له مقاعد في الحكومة اللبنانية، يخوض غمار القتال في سوريا بالنيابة عن بشار الأسد.

- توترات طائفية في داخل أجهزة الأمن اللبنانية: حيث كتب الياس مهنا، وهو أستاذ في جامعة براون ومدوّن متخصص في الشأن السياسي اللبناني، عقب إلقاء القبض على سماحة في آب/ أغسطس الماضي، أن هناك حرباً خفيةً على ما يبدو بين الأفرع الاستخباراتية والعسكرية في لبنان.

ولم ينجم من تلك الحرب حتى الآن سوى عدد قليل من الخسائر العامة، لكن إذا استمرت الأخطار في التصاعد، كما هو الحال اليوم، فإن ذلك قد يتغير سريعاً. وهي دمدمة طائفية تلوح بالأفق في أجهزة الأمن اللبنانية.

- انتشار الحرب السورية: إن صحت التكهنات بوقوف الحكومة السورية وراء الانفجار، وأنها قتلت الحسن عن عمد، فإن ذلك سوف يشكل تصعيداً ودرجة صغيرة من تدويل النزاع السوري. وسيعتبر ذلك تزايداً غير صادم، وإن كان سيظل مهمًا من الناحية السياسية في تأثير الحرب على المنطقة الحدودية. وهو ما يهدد بالتالي بزيادة أخطار تعرّض دول الجوار للصراع، ومن ثم مصلحتهم في فرض السيطرة عليه.