قتلوا وسام الحسن فدفنوا مع العميد الكثير من الأسرار الأمنية في لبنان، التي أصبحت في حضرة الغياب. لربما كان هذا هو السبب الي أدى إلى عملية اغتياله. وثارت التساؤلات حول الجهة التي تقف وراء الاغتيال، بالرغم من شبه إجماع من قوى 14 آذار، التي كان الحسن آخر حصونها الأمنية، على اتهام النظام السوري بالجريمة.


بيروت: أثارت عملية اغتيال العميد وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، جملة من التساؤلات حول الجهة التي تقف وراء الحادث، خصوصًا بعد بروز دور كبير للحسن في كشف معلومات، أدت إلى منع وقوع انفجارات في لبنان في وقت سابق، ومن ثم توقيف الوزير السابق ميشال سماحة، أحد أبرز رجال النظام السوري في لبنان.

وتعتبر الأوساط اللبنانية بأن الحسن كان يملك الكثير من الأسرار، وأصبح كنزًا للمعلومات التي باتت الآن في حضرة الغياب بعد اغتياله.

لأنه أوقف سماحة

سارع مسؤولو أحزاب لبنانيون إلى اتهام سوريا بالوقوف وراء الانفجار، الذي أودى بحياة الحسن وعدد من الأشخاص بالإضافة إلى 110 جرحى تقريبًا.

فقد رأى رئيس quot;حزب القوات اللبنانيةquot; سمير جعجع أن العميد وسام الحسن هوquot;من بين المسؤولين القلائل الذين لم يهابوا شيئًا ويكشفون الحقائقquot;، مشيرًا إلى أن مقتل الحسن في انفجار الأشرفية اليوم هو quot;ضربة أمنية قوية للدولة وللحكومة وللشعب اللبنانيquot;، قائلا quot;لولا انه يوجد نوع من الغطاء والإختراق لما كان قُتل الحسنquot;، وأضاف: quot; ما من ظالم إلا وسيبلى بأظلمquot;.

وردًا على سؤال حول سبب استهداف الحسن، أجاب جعجع: quot; لأنه أوقف ميشال سماحةquot;.

وتابع جعجع من موقع الإنفجار: quot;قافلة الشهداء طويلة وكلنا سنكمل، المهم أن نأخذ قراراً بالإستمرار مهما كان الثمنquot;، وأضاف: quot; حتى آخر لحظة مستمرون بكل روح سليمة، وما حصل اليوم كبير جداً، لكن لا أحد يقدر على قتل شعب بكاملهquot;.

وختم جعجع بالقول: quot;أسأل كل العالم أن ينظروا، من العام 2005 حتى اليوم، كل الضحايا هم من 14 آذار، أسأل كل العالم، من يمكن أن يكون وراء هذه الاغتيالات.

بصمات الأسد

من جانبه، اتهم النائب عن تيار المستقبل خالد الضاهر، في حديث لمحطة أم تي في اللبنانية، النظام السوري وحزب الله باغتيال العميد الحسن، سائلًا: quot;من غيرهما يملك هذه التقنيات؟quot;

وأوضح الضاهر أن quot;الحسن بات يمتلك قدرات كبيرة جدًا، وهذا ما أزعج النظام السوري وبعض فرقاء قوى 8 آذار، والجميع يعلم أنه كشف عملاء داخل حزب الله أو داخل التيار الوطني الحرquot;.

وحمّل الضاهر quot;الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي مسؤولية الانفجار لأنهما يغطيان المتهمين من حزب الله في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري علما أن الحرب المعلنة كانت قد فتحت على فرع المعلومات والعميد الحسنquot;، مؤكدًا أن quot;بصمات الريس السوري بشار الأسد على هذه الجريمة فالنظام السوري يريد ضرب استقرار لبنانquot;.

من جهة أخرى، شدد الضاهر على quot;اننا حريصون على السلم الأهلي وأهلنا ونرفض أي محاولة للمس بالأمنquot;.

لا نتهم أحدًا في الداخل

واتهم النائب وليد جنبلاط صراحة الرئيس السوري بشار الأسد بإغتيال العميد الحسن، مشددًا في تصريح صحفي متلفز على أن الأسد أحرق سوريا ويريد أن يحرق المحيط.

وقال جنبلاط في حديث متلفز عبر المؤسسة اللبنانية للارسال، إن الحسن كان يحميه أمنيًا، لكنه قال: quot;لن نخاف ولا يجوز أن نتهم احدًا في الداخل والا نقع في فخ بشارquot;.

واشار جنبلاط إلى أن الضربة قاسية والحكومة معرضة لشتى الاتهامات، لافتًا إلى أن الرئيس السوري quot;مش فرقانة معوquot; فهو يقتل شعبه فهل سيسأل عن لبنان؟

وشدد جنبلاط على عدم التسرع في اتهام فريق داخلي كي لا يتم توريط لبنان. وقال: quot;ثمة اكثر من ميشال سماحة في لبنان، ونصيحتي للحريري الاستمرار في المواجهة السياسية الهادئة لأن الكلمة أقوى بكثير من الرصاصquot;.

أجواء تذكر بالعام 2005

كثير من المصادر، وخصوصًا في قوى 14 آذار التي كان يعد الحسن آخر حماة قلاعها الأمنية، تلفت إلى أن الأجواء التي سبقت اغتيال العميد الشهيد تذكر إلى حد كبير بالأجواء التي سبقت اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، من حيث حملات التشهير والتخوين التي تعرض لها العميد، خصوصًا بعد أن ألقى القبض على الوزير السابق ميشال سماحة متلبسًا بقضية نقل المتفجرات من دمشق، بالتنسيق مع أعلى المراجع الأمنية السورية.

كما كان للحسن الدور البارز في كشف المكالمات الهاتفية التي أدت إلى كشف خيوط هذه الجريمة، كما الجرائم التي سبقتها، من اعتيال الرئيس رفيق الحريري، مرورًا بجريمة تفجير عين علق، وانتهاءً بقضية سماحة.

ولم تشفع له جهوده الجبارة في كشف العشرات من الشبكات التجسسية الاسرائيلية التي اخترقت المجتمع اللبناني عامة، والبيئة الحاضنة للمقاومة خصوصًا، فكان عرضة للهجوم الدائم من جانب قوى 8 آذار، وخصوصًا من النائب ميشال عون وأركان تياره الوطني الحر، على خلفية مطالبته الدائمة بداتا المعلومات، التي حرم منها منذ تقلد وزراء هذا التيار وزارة الاتصالات في الحكومات المتعاقبة.

كما ثابرت صحفية الديار على اتهامه بفبركة ملف سماحة، بالتعاون مع المخبر المخابراتي ميلاد الكفوري، في محاولة للتأثير في مصداقيته ومصداقية فرع المعلومات، تلبية لأوامر سورية لإخراج سماحة، ومن خلفه أعوانه السوريين، من مأزقهم.

شحن مستمر

ولم تتوقف الحملة الشعواء التي تعرض لها العميد الحسن عن هذا الحد. فقد ذهبت الديار أبعد من مسألة سماحة وغيرها، باتهامه اليوم تحديدًا، في عددها الصادر صبيحة يوم اغتياله، بأنه quot;يوزع السلاح علنًا على الاصوليين وعلى الاسلاميين، من بلدة القلمون حتى حدود عكار، ويحضّر لهجوم من الجهة اللبنانية بعد تسليح حوإلى عشرة آلاف شاب لبناني من الاصوليين، يتمركزون في وادي خالد واكروم، للهجوم على سوريا من شمال لبنان في مرحلة لاحقة عندما يظهر أن النظام في سوريا قد اصبح ضعيفاً إذا حصل هذا الضعفquot;.

وكانت الصحيفة نفسها قبل أيام اتهمت العميد الشهيد بتسليم معلومات عن طائرة جزب الله quot;ايوبquot; الاستطلاعية إلى المخابرات الأميركية، مشيرةً إلى أنه اتهم الجيش اللبناني بإفساح المجال لحزب الله لإدخال الطائرة مجزأة عبر مطار رفيق الحريري الدولي.

وبلغ بالصحيفة سردها التخويني حد الكلام عن التحضير لإجتماع بين العميد الحسن وضباط من الموساد في باريس quot;لتنسيق الخطوات ضد المقاومة ونظام الرئيس السوري بشار الأسدquot;، بع رواية لقاء الرئيس سعد الحريري ومسؤول إسرائيلي في قطر، بحضور الحسن.

حياة ذاخرة بالانجازات

ووسام الحسن (41 عاما)، من مواليد بيروت في العام 1969، عمل مديرًا للمراسم في رئاسة الحكومة في عهد حكومات رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وعين في العام 2006 رئيسًا لشعبة المعلومات التابعة للمديرية العامة لقوى الامن الداخلي، وكان برتبة مقدم.

أوكلت إليه مهمة توقيف القادة الأمنيين الاربعة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كذلك تولى توقيف مجـــــموعة مسلحة تنتمي إلى تنظيم القاعدة بنهاية العام 2005. وفي العام 2007، نال المقدم الحسن قدماً استثنائياً لعام واحد، بعد توقيف المشتبه في ارتكابهم جريمة عين علق، وتم ترقيته إلى رتبة عقيد.

تمكن الحسن خلال الفترة الممتدة بين العامين 2006 و2010، من خلال ترؤسه شعبة المعلومات، من توقيف ما يزيد عن ثلاثين شبكة متعاملة مع إسرائيل. ويضاف إلى ذلك توقيفه الجماعات الارهابية المخلة بالأمن، بالإضافة إلى كشف العديد من الجرائم التي طالت شخصيات سياسية من قوى 14 آذار.

تنويه ريفي

حصل العميد الحسن أخيرًا على تنويه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، إذ وصفه quot;ضابطًا ذكيًا مقدامًا، ثابر منذ توليه رئاسة شعبة المعلومات على بذل الجهود الحثيثة واعطاء الاوامر والتوجيهات المناسبة لمرؤوسيه، والاشراف على تنفيذها بالدقة المطلوبة وبشكل احترافي، لا سيما في مجال مكافحة الجرائم الارهابية. وقد ادى ذلك إلى تفكيك اكثر من ست وثلاثين شبكة تجسس تعمل لمصلحة إسرائيل، بالاضافة إلى كشف هويات عدد من المخططين لارتكاب اعمال ارهابية، بهدف زعزعة الامن والاستقرار في البلاد، كان آخرها كشف مخطط خطير لزرع المتفجرات وتنفيذ الاغتيالات في منطقة لبنان الشمالي، وتوقيف الرأس المدبر وإقامة الدليل على تورطه، وضبط كمية كبيرة من المتفجرات والعبوات الناسفة، ومبلغ كبير من المال كان مخصصًا لتسهيل عملية التنفيذ، ما أدى إلى إحباط هذا المخطط الارهابي وتجنيب البلاد خطر الانزلاق في فتنة طائفية ومذهبية، فأعطى عمله صورة ايجابية ومشرفة عن قوى الامن الداخلي في مجال تأدية مهماتها، لا سيما في مجال مكافحة الجرائم الارهابيةquot;.

وتابع ريفي فيه تنويهه عن الحسنquot; وراكم من انجازات الشعبة وتضحياتها ما جعلها محط تقدير واحترام لدى الرأي العام والرؤساء على المستويات كافة، مدللا عن نهجه سلوك شجاع وحكيم وتمتعه برؤية استراتيجية في ادائه لمهماته، فاستحق التقديرquot;.

وكان الحسن من أبرز الشخصيات المرشحة لتولي منصب المدير العام لقوى الامن الداخلي، خلفًا للمدير الحالي اللواء أشرف ريفي، بعد إحالته إلى سن التقاعد في العام 2013.