انقسم الفرقاء السياسيون في تونس مؤخرا حول مسألة إدراج فصل يجرّم التطبيع مع إسرائيل في الدستور الذي يعكف حاليا المجلس التأسيسي على صياغته، ويرى فريق أنّ التجريم يجب ان تتضمنه قوانين عادية، لكن فريقًا آخر يتشبّث بذكر المسألة في الدستور.
تونس: أثار تصريح رئيس كتلة حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي الصحبي عتيق حول تضمين مسألة تجريم التطبيع في الدستور التونسي، ردود فعل متباينة.
فلئن برّر حزبا حركة النهضة والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات موقفهما بضرورة الاقتصار على سنّ قانون يوضح هذه المسألة، فإن عديد الأحزاب اليسارية والقومية بالخصوص أكدت مطالبتها بquot;تجريم التطبيع مع العدو الصهيونيquot;، وتضمين ذلك في الدستور التونسي الجديد لقطع الطريق أمام جميع محاولات التعامل مع إسرائيل في جميع المجالات ذلك أنّ quot; الشعب التونسي يرفض التطبيعquot;.
التنصيص .. نعم أم لا
طفت مسألة التطبيع مع إسرائيل على سطح الساحة السياسية في تونس بعد رفض لجنة التوطئة في المجلس الوطني التأسيسي، والتي ترأسها حركة النهضة، التنصيص على تجريم التطبيع مع إسرائيل في الدستور.
كانت لجنة الحقوق والحريات، إحدى اللجان المكلفة بصياغة الدستور، صادقت بأغلبية أعضائها (موافقة 15 عضوا من بين 21 عضوا) على التنصيص على تجريم التطبيع في الدستور، لكنّ بعد إحالة أشغالها على هيئة الصياغة والتنسيق، التي تعمل على تنسيق المادّة الدستورية، أحالت هذه الأخيرة المادّة إلى لجنة التوطئة، المكلفة بصياغة المبادئ العامّة للدستور الجديد.
ترى حركة النهضة التي تتمسك بعدم تضمين توطئة الدستور نصا يجرّم التطبيع quot;لأن الدستور التونسي يهمّ الشأن الداخلي لتونسquot; و بالتالي quot;يجب إفراده بقانون خاص لا يرتقي إلى نص دستوريquot;.
الترويكا والتطبيع
قال محمد بنور الناطق الرسمي باسم حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات في تصريح لـquot;إيلافquot; إنّ quot;مسألة إدراج تضمين تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في الدستور غير ضرورية لأنها مسألة تحكمها القوانين بعيدا عن الدستورquot; مشيرا إلى أنّ الخبراء أبرزوا أن الدستور الذي يجب أن يتضمن معاني إيجابية لا يحتمل نصوص التجريم كما الاعتداء على المقدسات.
وأضاف بنور أنه يجب التنصيص على مبادئ حقوق الإنسان في كونيتها والقيم الإنسانية في توطئة الدستور مع التأكيد على مدنية الدولة في الفصل الأول من المبادئ العامة للدستور التونسي الجديد.
أما الطرف الثالث في حكومة الترويكا وهو حزب المؤتمر من أجل الجمهورية فقد بدا متمسكا بضرورة التنصيص على تجريم التطبيع مع إسرائيل في الدستور، حيث اعتبر سليم بن حميدان وزير أملاك الدولة في حوار له، مسألة دسترة التطبيع quot;استراتيجيةquot; لأنّ quot; التونسيين يعتبرون التطبيع مع الكيان الصهيوني جريمة وبالتالي من الضروري أن يعبر الدستور الجديد عن رغباتهم في مناهضة التطبيعquot;، على حدّ تعبيره.
وأوضحت فريدة العبيدي رئيسة لجنة الحقوق و الحريات والنائبة عن حركة النهضة أن لا خلاف حول مسألة تجريم التطبيع مع اسرائيل، ولكن هذا الموضوع لا يرتقي إلى مستوى تضمينه في الدستور مؤكدة أنه quot;يمكن إفراد تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني بنص قانوني خاص إذا تقدم عشرة نواب بمشروع قانون يتم عرضه على المجلس الوطني التأسيسيquot;.
من ناحيته، أبرز الحبيب خذر المقرر العام للدستور أنّ عملية تحويل هذه المادة من لجنة الحقوق والحريات إلى لجنة التوطئة كان بناء على تقدير من هيئة الصياغة والتنسيق اعتبارا أنّ مسألة تجريم التطبيع ليست من اختصاص لجنة الحقوق والحريات كما أنّ هيئة الصياغة والتنسيق عملت على إحالة المادة ولم يتم شطبها.
وكان مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي ورئيس حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات شريك حركة النهضة في الإئتلاف الحاكم، تلقى انتقادات واسعة خلال زيارته الأخيرة إلى النمسا، حيث أبرزت وسائل إعلام أجنبية أنه تحدث عن التطبيع قائلا :quot; الأقلية التي تحلم بتجريم التطبيع مع إسرائيل لا تقل تطرفا وخطرًا على تونس من التيار السلفي ،مبرزا أنه quot; يمكن التعامل مع إسرائيل والاعتراف بهاquot;.
حماس والتطبيع
كان رئيس كتلة حركة النهضة الصحبي عتيق صرّح بأنّ اسماعيل هنية، رئيس وزراء حكومة غزة المقالة، لدى زيارته تونس، في كانون الثاني/يناير الماضي، طلب من حركة النهضة عدم التنصيص على مسألة تجريم التطبيع مع اسرائيل في الدستور التونسي الجديد.
وأوضح الصحبي عتيق أنّ الإشكال حول هذه المسألة لا يكمن في فعل التطبيع في حد ذاته بل في التفاصيل والآليات، مؤكدا أن حركة النهضة تؤيد إفراد التطبيع بقانون خاص بعيدا عن الدستور.
وقد نفى المكتب الإعلامي لحركة حماس ما جاء على لسان رئيس كتلة حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي الصحبي عتيق في بيان أشار إلى أنّ quot;حركة حماس تشدد دومًا على ضرورة رفض ومواجهة التطبيع الرسمي والشعبي مع العدو الصهيوني بأشكاله كافة.quot; مؤكدا quot; ضرورة رفض التطبيع من حيث المبدأ ومواجهة كل أشكاله مع الاحتلال، وأن قيادات الحركة شددت على ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة والكفيلة بمواجهة التطبيع وتشديد عزلة الكيان الإسرائيليquot;.
وأضاف الناطق الرسمي باسم الحكومة الفلسطينية في غزة طاهر النونو :quot;إنّ رئيس الوزراء لم يتطرق إلى هذا الموضوع سواء في زيارته إلى تونس وقبلها أو بعدها، فالدستور التونسي شأن تونسي.
وأكد النونو :quot; لقد تواصلنا مع الإخوة في حزب النهضة في تونس وأكدوا أنه لا توجد تصريحات في هذا الإطارquot;.
وعاد الصحبي عتيق رئيس كتلة حركة النهضة ليلفت الانتباه في بيان توضيحي حول مسألة التطبيع إلى أنّ ما تتداوله وسائل الاعلام حول تصريحاته وحول موقف القيادات الفلسطينية الوطنية من التطبيع، موضحا :quot; خلال أحاديثي مع القيادات الفلسطينية وبعض قيادات حماس وقع التطرق إلى موضوع التطبيع فعبّر الإخوة الفلسطينيون عن رفضهم الشديد لكل أشكال التطبيع مع الاحتلال وعند التطرق النظري والعرضي إلى الدساتير العربية تبيّن أنها لم تنصّ على موضوع التطبيع وإنما تضمنته القوانين الترتيبية لعمل وزارات الخارجيةquot;، مبينا أنّ :quot;هذا ما جعلني أستنتج على وجه الخطأ ما ذكرته من أنهم ليسوا مع التنصيص على التطبيعquot;.
المجتمع المدني والتطبيع
أكد رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية أحمد الكحلاوي في تصريح لـquot;إيلافquot; quot;وجوب التنصيص بوضوح على مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني في الدستور الجديد، مشيرا إلى أنّ من أوكد أسباب نجاح الثورات العربية إرساء القطيعة الكاملة مع الكيان الإسرائيلي الذي كان يستفيد من خدمات النظامين السابقين في تونسquot;.
وأوضح الكحلاوي أنّ فلسطين هي قضية كل العرب مؤكدا أنّ الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية تناهض التطبيع في جميع المجالات على غرار التربية والتعليم والثقافة والسياحةquot;.
وقالت جمعية quot;الأخوة والمواطنة العربيةquot;:quot; إن وزير خارجية اسرائيل ليبرمان طالب الإتحاد الأوروبي وأميركا بالضغط على تونس بالتراجع عن الفصل 27 من مسودة الدستور الجديد ( كل أشكال التطبيع مع الصهيونية والكيان الصهيوني جريمة يعاقب عليها القانون).
وأضافت الجمعية أنّ quot;تجريم التطبيع مع الصهيونية الذي نطالب به هو مبدأ وليس قانونا، فالقوانين ستكون متعددة ومفصّلة في المجلة الجزائيةquot;.
ضغوطات خارجية
اتهم سياسيون في تونس حركة النهضة بالاستجابة لضغوط غربية وعربية رسمية تدعوها الى عدم تجريم التطبيعين وهو ما نفته الحركة.
كانت النهضة قد أقرّت تجريم التطبيع في البيان الختامي لمؤتمرها العام التاسع في تموز/ يوليو الماضي والذي حضره رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ما أثار تساؤلات حول تعرّض الحركة لضغوط خارجية بشأن عدم تضمين مسألة التطبيع مع إسرائيل في الدستور الجديد.
وكشف عضو لجنة الحقوق والحريات مراد العمدوني لـquot;إيلافquot; أنّ أطرافا يهودية في تونس طالبت بعدم التنصيص على تجريم التطبيع في الدستور، مضيفا أنّ عديد الوفود البرلمانية الأجنبية زارت المجلس الوطني التأسيسي والتقت لجانا وطلبت هي الأخرى عدم إدراج تجريم التطبيع في الدستور.
وكانت تونس التي احتضنت منظمة التحرير الفسلطينية، تعرضت لقصف جوي إسرائيلي على مدينة حمام الشط التي يقيم بها الفلسطينيون عام 1985 في محاولة لاغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات.
اعترفت اسرائيل للمرة الأولى بمسؤوليتها عن اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) الذي كان الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، كما ورد الخميس الماضي في صحيفة quot;يديعوت احرونوتquot; التي كشفت هوية وصورة قائد وحدة الكوماندوس الاسرائيلي الذي قتل أبا جهاد في تونس في 15 نيسان/أبريل 1988.
التعليقات