تعي الجماعات الجهادية في ألمانيا أهمية الإنترنت وسيلة لتجنيد أنصار جدد، وتراها أشد تأثيرًا من المسجد، فيستخدم السلفيون هناك المواقع الإلكترونية للدعوة إلى الجهاد وشن هجمات على ألمانيا.


تطور في الآونة الأخيرة مجتمع خاص بالإسلاميين الناطقين بالألمانية على شبكة الإنترنت. ويستخدم هؤلاء المواقع الالكترونية الخاصة بهدف تجنيد الشباب من خلال الدعوة الى شن هجمات على ألمانيا وتمجيد الجهاد. وتحذّر دراسة جديدة من أن هذا النوع من quot;البروباغندا الالكترونيةquot; قد يؤدي إلى تنشئة جيل جديد من الإرهابيين.

الشاب دينيس كوسبرت شاب غير معروف كثيراً في أوساط مغني الراب، لكنه يعتبر نجماً معروفاً بوصفه داعية للجهاد، فقد اكتسب شهرة كبيرة منذ عام 2010، عندما حول نفسه من quot;ديسو دوغquot; فنان الهيب هوب من برلين إلى quot;أبو مالك الإسلاميquot;.

في الواقع، لم يتغيّر الكثير منذ أن أصبح كوسبرت سلفياً، فهو ما زال ينتج الأعمال الموسيقية ويقوم بتوزيعها من خلال شبكة الإنترنت. لكن بدلاً من أداء أغاني الراب التي تتحدث عن العصابات أو الحبيبة، أصبح المغني يطلق الأناشيد الدينية ومقاطع الموسيقى الإسلامية التي تمجد الجهاد وتدعو إليه.

وحققت أغاني كوسبرت نجاحاً واسعاً بين الإسلاميين المتطرفين في ألمانيا. وبناء على طلب من مكتب حماية الدستور في برلين في العام 2012 ، تم وضع ثلاث من أغانيه الجهادية تحت خانة quot;الأغاني المؤذيةquot; التي تضر بالأطفال القاصرين.

ويعتبر مغني الراب الشاب بمثابة واحد من أبرز الدعاة للجهاد الناطقين بالألمانية على الإنترنت. وتناولت دراسة جديدة من قبل مؤسسة برلين للعلوم والسياسة (SWP)، التي تقدم المشورة للحكومة الألمانية، تطور المشهد الإسلامي على شبكة الإنترنت بالتفصيل للمرة الأولى.

مواقع الكترونية متطورة

كانت الجماعات الإرهابية الدولية مثل تنظيم القاعدة تعي أهمية شبكة الإنترنت في تجنيد أنصار جدد منذ وقت مبكر، لكن ذلك لم ينفّذ حتى نهاية العام 2005 عندما ظهرت الذراع الألمانية من quot;الجبهة الإعلامية الإسلامية العالميةquot; والتي تعتبر نفسها لسان حال جميع الجهاديين في جميع أنحاء العالم.

تأسس الفرع الألماني من الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية على يد محمد محمود، وهو نمساوي من أصول مصرية. وبالإضافة إلى كوسبرت، لا يزال محمود واحداً من أكثر الشخصيات المعروفة في المجتمع الإسلامي الألماني. وسرعان ما اجتذب محمود انتباه السلطات عندما بدأ بنشر الدعاية لتنظيم القاعدة على شبكة الإنترنت في العام 2005.

وبعد أن نشر شريط فيديو في آذار(مارس) 2007 يهدد بهجمات محتملة في ألمانيا والنمسا، اعتقل محمود وزوجته لأنها استخدمت جهاز الكمبيوتر الخاص به لوضع الفيديو على شبكة الإنترنت، فتمكنت السلطات النمساوية من تتبع الاتصال بين محمود والعنوان الذي أجري منهالاتصال بالشبكة الالكترونية.

وبعد إطلاق سراحه في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، انضم محمود بسرعة إلى كوسبرت، صديقه الجديد في برلين. بعد ذلك بوقت قصير، ذهب الرجلان الى مدينة زولينغن بغرب ألمانيا، حيث حوّل محمود مسجد إبراهيم إلى مركز اجتماع معروف على المستوى القومي للسلفيين.

الإنترنت أهم من المسجد

لكن شبكة الإنترنت ظلت أكثر أهمية وتأثيرًا من المسجد، فعمل محمود وكوسبرت على إنشاء مواقع الكترونية متطورة وعلى درجة عالية من الاحتراف والتقنية، تستخدم لاستهداف عناصر محتملة من المجندين الشباب.

وفقًا للدراسة التي أجراها معهد برلين، فإن إغلاق المواقع وإلقاء القبض على الناس وراءها لن يقدم الكثير لوضع حد لعدد السلفيين المتزايد في ألمانيا. على العكس من ذلك، تحول محمود إلى نجم بنظر السلفيين بعد أن أمضى فترة في السجن.

وبعد حظر الحكومة الاتحادية تجمع السلفيين في مسجد ابراهيم الذي ينظمه محمود في حزيران (يونيو)، تم إغلاق موقعه على شبكة الانترنت. لكن سرعان ما ظهرت المدونات الالكترونية والعديد من المواقع الجديدة لنشر الرسائل ذاتها.

ويستخدم كوسبرت ومحمود وحلفاؤهما هذه المواقع للبقاء على اتصال مع مؤيديهم في ألمانيا. وفي أعقاب حظر التجمعات السلفية وتزايد الضغوط على السلفيين من قبل الشرطة بعد اشتباكات دامية خلال اجتماع حاشد في كولونيا، اختفى محمود وكوسبرت، جنباً إلى جنب مع العديد من الشخصيات الرئيسية الأخرى في المجتمع الإسلامي الألماني، فيما ترجح بعض التقارير انهم غادروا إلى مصر.

وفي آخر ظهور له عبر الإنترنت في أيلول (سبتمبر) الماضي، هدد كوسبرت بشن هجمات في ألمانيا قائلاً: quot;أنتم (الألمان) تنفقون الملايين والمليارات للحرب ضد الإسلام، ولهذا السبب فإن جمهورية ألمانيا الاتحادية هي منطقة حربquot;.

الدعاية الجهادية... فرص ومخاطر

بالنسبة للسلطات، هذه الدعاية الجهادية على شبكة الإنترنت تتيح فرصاً ومخاطر في الوقت ذاته، فعلى الرغم من أنها تهدف إلى تجنيد الجهاديين، إلا أن دراسة معهد برلين أظهرت انه من الممكن تتبعها للكشف عن المتعاطفين مع المجموعات الجهادية وحتى تحديد مواقعها الفعليةquot;.

ووفقاً للدراسة، يمكن لخدمات الاستخبارات أيضاً الاستفادة من الانترنت لنشر معلومات كاذبة بشكل متعمد أو الحصول على معلومات من الداخل. لكن كل هذا يتطلب الكثير من الموظفين،لا سيما وأن المواقع الجهادية تنتشر بشكل غير مسبوق عبر شبكة الانترنت.

وحتى الآن، تبقى تبعات هذه المواقع الالكترونية صغيرة نسبياً بالمقارنة مع المتطرفين الآخرين، لأن الذين يتم تجنيدهم عبر الانترنت لتنفيذ هجمات ارهابية لم يتدربوا في معسكرات تديرها الحركات الإسلامية المتشددة وبالتالي ليست لديهم الخبرة الكافية.

لكن الدراسة تشدد أن ذلك لا يعني التساهل مع هذه الظاهرة لأن المجندين يمكن أن يستفيدوا من هجمات مثل تلك التي ارتكبها اندرس بريفيك في النرويج وغيرها من الهجمات الإرهابية مما يجعلهم أكثر خطورة وفعالية في المستقبل.