تعتزم بريطانيا توسيع دورها في الحرب الأهلية المستعرة في سوريا عبر تنظيم مقاتلي المعارضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد ليصبحوا قوة أشد فاعلية.


عبدالإله مجيد: ستتعامل بريطانيا من الآن فصاعدا بصورة مباشرة مع المعارضة المسلحة في سوريا للمرة الأولى، في ابتعاد له مغزاه عن السياسة الرسمية المتبعة حتى الآن. إذ كانت بريطانيا تكتفي باجراء محادثات مع القادة السياسيين من ممثلي معارضة الخارج بشأن النزاع الذي اسفر عن مقتل آلاف المدنيين وتهجير أكثر من مليون آخرين.

وتعهدت الحكومة البريطانية يوم الثلاثاء بتكثيف جهودها لإسقاط النظام الذي أشعل حربًا اهلية كلفت نحو 40 الف قتيل. وسيكون أول اجتماع يعقده مجلس الأمن القومي البريطاني بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية برئاسة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، مكرسًا لبحث الأزمة السورية تحديدًا.

وتوقع مراقبون ان يبحث الاجتماع سبل اقناع الولايات بدعم استراتيجية جديدة للتعامل المباشر مع الأزمة السورية بعد انتخاب رئيس اميركي جديد لأربع سنوات مقبلة.

وسيعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ امام قادة المعارضة السورية المجتمعين في الدوحة الأربعاء انه فوّض دبلوماسيين بريطانيين صلاحية الاتصال مباشرة بالقادة الميدانيين على الأرض عبر خطوط اتصالات مأمونة مع المعارضة السورية المسلحة.

ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن الشخصية التي يدعم الغرب ترشيحها لقيادة اطار جديد يضم فصائل المعارضة المجتمعة في الدوحة ان النية تتجه نحو تشكيل حكومة انتقالية في المناطق المحررة في شمال سوريا. واضافت هذه الشخصية التي لم تكشف الصحيفة عن اسمها ان المعارضة ستطلب من دول العالم الاعتراف بالحكومة الانتقالية ومدّها بمساعدات مالية تزيد على مليار دولار وتقديم دعم عسكري quot;للدفاع عن أنفسنا ضد طيران النظام الحربيquot;.

ومن المقرر ان تقدم الحكومة البريطانية الأربعاء بيانًا الى مجلس العموم يحدد معالم المبادرة الجديدة التي سيتولى تنسيقها فريق برئاسة جون ويلكس وهو مسؤول رفيع في وزارة الخارجية البريطانية.

وقال مكتب رئيس الوزراء البريطاني ان بريطانيا تريد ايضًا مساعدة مقاتلي المعارضة السورية في الداخل على توحيد صفوفهم لإسقاط الأسد، كما حدث في ليبيا ضد نظام معمّر القذافي.

وقال مصدر في مقر رئيس الوزراء quot;هناك في الوقت الحاضر العديد من الفصائل المختلفة، وهي لم تلتحم وتتحد، كما حدث في ليبيا بالالتفاف حول هدف مشترك هو إسقاط القذافيquot;.

ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن المصدر ان بريطانيا quot;تتواصل مع المعارضة لتحاول تشجيعها على توحيد قواها على الأرضquot;. وأوضح المصدر quot;ان الغاية هي التحادث مع قادة الفصائل المسلحة المحلية. ان ما خلصنا اليه هو صعوبة تحقيق ذلك بالتحادث فقط مع مَنْ هم خارج البلدquot;.

واضاف المصدر ان بريطانيا ستشدد خلال اتصالها مع الفصائل المسلحة في الداخل على ضرورة احترام الحقوق الانسانية للأسرى من جنود النظام.

ويُحظر على بريطانيا تسليح المعارضة السورية بموجب قرارات الاتحاد الاوروبي، التي تمنع ارسال السلاح الى الأطراف المتحاربة. واعرب كاميرون عن شعوره بالإحباط إزاء هذا الحظر خلال جولته في الشرق الأوسط.

وقال كاميرون في تصريحات للصحافيين البريطانيين quot;نحن بالطبع طرف في حظر الاتحاد الاوروبي على السلاح، وبالتالي لسنا قادرين على اتخاذ هذه الخطوةquot;.

وتابع كاميرون انه يشعر بالاحباط لأن بريطانيا لا تستطيع عمل المزيد، كما هي الحال في الأمم المتحدة، حيث تريد بريطانيا الضغط لإصدار قرارات لا تقبل اللبس في دعوتها الى انتقال سياسي واضح. وأكد كاميرون ان بريطانيا ستواصل الضغط في هذا الاتجاه.

وحين سُئل كاميرون عن موقف الحكومة البريطانية إذا ابدى الأسد استعداده للرحيل وطلب ضمان خروجه بأمان قال quot;فليكن. أنا مع أي شيء يؤدي الى خروج هذا الرجل من البلد والى مرحلة انتقالية آمنة في سورياquot;.

وقال كاميرون في مقابلة مع قناة العربية يوم الثلاثاء انه لا يعرض على الأسد خطة للمغادرة الى بريطانيا، quot;ولكنه إذا أراد الرحيل فان بامكانه أن يرحل، وانه بالامكان ترتيب ذلكquot;.

وانتقدت منظمات حقوقية تصريحات كاميرون، محذرة من انها قد تزيد اعمال العنف في سوريا. وقال كينث روث مدير منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان في تغريدة على تويتر quot;رئيس الوزراء كاميرون، كن حذرًا! فان عرض الحصانة يعطي الأسد ترخيصًا بقتل كل من تقتضي حاجته قتلهم، ولن يرحل إلا إذا فقد السلطةquot;.

وردت وزارة الخارجية البريطانية قائلة ان بريطانيا اوضحت quot;ان على الأسد ان يواجه العدالة، وان الشعب السوري، ومنه المعارضة، هو الذي يقرر تفاصيل الانتقال، بما في ذلك الخيارات المتاحة للأسد. وكلما استمر القتل ضاقت الخيارات المتاحة للأسدquot;.

يأتي قرار الحكومة البريطانية فتح قنوات مع فصائل المعارضة السورية المسلحة على الأرض وسط مخاوف من ان استمرار النزاع سيخدم الجماعات الاسلامية المتطرفة. وقال كاميرون في حديثه لقناة العربية انه كلما طال أمد النزاع زادت امكانية إذكاء التطرف وتأجيجه quot;وسنرى عدم استقرار في المنطقة ايضاquot;.

ولا يجري المسؤولون البريطانيون الذين يتحادثون مع فصائل المعارضة اتصالات مع الجماعات المتطرفة التي ترى الحكومة البريطانية انها تريد استغلال النزاع في سوريا لمصلحتها. ولا يتحادث المسؤول ويلكس الذي ينسق هذه الاتصالات إلا مع فصائل ستقوم بدور رئيس في عملية الانتقال الى حكومة جديدة. ونقلت صحيفة الغارديان عن مصدر بريطاني قوله quot;ان هذا ليس تصعيدا وهو بالتأكيد ليس مقدمة لتسليح أحد، بل انه تعزيز لحوار قائمquot;.

وكان كاميرون وافق على اجراء اتصالات مع فصائل مسلحة على الأرض، بعدما أشار ويلكس الى وجود تداخل بين قادة المعارضة المنخرطين في العمل السياسي والمنغمرين في التخطيط العسكري. وقال المصدر ان المعارضين السوريين quot;لا يميزون كما نميز نحن بين رئيس الوزراء ورئيس اركان الجيشquot;.

وقلل مسؤولون بريطانيون من أهمية عقد مقارنات مع ما حدث في ليبيا عندما قدمت بريطانيا معدات عسكرية quot;غير فتاكةquot; مثل معدات الاتصالات الى المعارضة الليبية. وقال مصدر quot;نحن عمليًا وفرنا القوة الجويةquot; في ليبيا.

وكان المدعي العام البريطاني دومنيك غريف أجاز تقديم مساعدات للمعارضة الليبية مستندا الى قرار مجلس المن الدولي في هذا الشأن. وأتاح القرار استخدام القوة العسكرية لحماية السكان المدنيين من قوات القذافي. ويُعتقد ان الاتصال بفصائل المعارضة السورية المسلحة لم يتطلب مثل هذا التفويض من المدعي العام. ولم يصدر قرار من مجلس الأمن بشأن سوريا على غرار قراره حول ليبيا بسبب الفيتو الروسي والصين. في غضون ذلك سيعلن كاميرون عن تقديم 14 مليون جنيه استرليني من المساعدات الانسانية الإضافية إلى اللاجئين السوريين.