تحولت حياة الكثيرين في مدينة حلب السورية إلى صراع من أجل البقاء، فلا خيار للسكان الذين صمدوا في بيوتهم سوى تحدي الظروف الصعبة، والإصرار على الحياة، بينما لسان حال نساء حلب يقول quot;لا نشعر بالاستياء من الثورة، فالحرية تستحق معاناتناquot;.

بيروت: أدّت الاشتباكات بين الثوار وقوات النظام السوري في المعركة من أجل السيطرة على حلب إلى تدمير أحياء بأكملها ودفعت الآلاف من السكان إلى الفرار. لكن بالنسبة إلى الذين لم يتركوا منازلهم، فقد استنفذوا كل مدخراتهم ويعيشون يوماً بيوم على أمل البقاء أحياء في منطقة يسودها الموت والعنف اليومي.
دخلت سيدة مسنّة إلى مركز جمعية خيرية حديثة النشأة في مدرسة سابقة في أحد أحياء مدينة حلب وهي تحمل بين يديها طفلة رضيعة تقول إنها حفيدتها وتدعى شاهيناز.
ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور عن السيدة قولها إن الطفلة تحتاج إلى الحليب وانها لا تملك أي طعام أو ماء أو سكر أو مال لشراء ما يسدّ جوعها، لأن زوجها لا يعمل ولا يملك أي مدخول منذ اليوم الأول من شهر رمضان في يوليو/ تموز الماضي.
ودمرت المعارك مدينة حلب السورية ومحت أحياءً بأكملها، دافعة الآلاف من السكان إلى الفرار. أما بالنسبة إلى أولئك الذين رفضوا الرحيل أو ببساطة لا يملكون سبيلاً آخر سوى البقاء في بيوتهم، فقد تحولت حياتهم إلى صراع يومي من أجل البقاء.
في الأحياء التي اشتبكت فيها قوات النظام مع الثوار، تحولت المباني السكنية إلى أكوام من الركام تقبع تحتها ممتلكات السكان الشخصية. وعندما تهدأ الاشتباكات، يعود هؤلاء إلى منازلهم المدمرة ليأخذوا ما يمكن إنقاذه من ممتلكاتهم، فيجرون أمامهم عربات محمّلة بالغسالات، أو يكدسون الشاحنات بالأثاث الذي أخرجوه من تحت الأنقاض، معتمدين على الثوار لمساعدتهم على تجنب نيران القناصة.
عائلة شاهيناز التي تضم عشرة أشخاص يمثلون ثلاثة أجيال يعيشون معاً في منزل من طابقين، فيجتمعون في صالون بسيط حيث يفترشون حصيرة من القش يروون قصصهم عن المعركة.
قبل الثورة، كان دخل هذه الأسرة يصل إلى نحو 80 ألف ليرة سورية شهرياً أي (1145 $). أما اليوم فلا يوجد أي دخل على الإطلاق.
استنفذت الأسرة مدخراتها في غضون شهرين، ومنذ ذلك الحين يبحث أفرادها عن مدخول جديد ونظراً لعدم توفر مجالات العمل او أي نوع من الوظائف، حاولت العائلة بيع التلفزيون لكن لم يقبل أحد بشرائه. الآن يعيشون على المساعدات الخيرية، ويتناولون الطعام البسيط مثل عجينة السمسم والخبز. وآخر مرة تناولوا فيها اللحوم كانت قبل شهرين.
ويقول رب الأسرة: لم نحصل على أي دعم مادي، فكيف يتوقعون منا أن نعيش؟ من المرجح أن نموت من الجوع قبل أن نقتل في المعاركquot;.
علي نصر الله، أحد المتطوعين، يقول انه ساعد نحو ألفي أسرة حتى الآن، لكنه يخشى أن الإمدادات ستنفذ في الوقت الذي يستمر فيه السكان المحتاجون بالتدفق إلى أبواب الجمعيات.
قبل تقديم المساعدات، يعمل المتطوعون على تسجيل معلومات عن الأسر المحتاجة وزيارة المنازل لتقييم احتياجاتهم.
quot;هناك العديد من الأسر الذين لا يحصلون على المساعدة،quot; يقول نصر الله، مشيراً إلى أن المناطق التي يسيطر عليها الثوار في حلب هي الأكثر فقراً من تلك التي ما زالت تحت سيطرة النظام.
يقول رجال الأسر انهم يشعرون بالحرج لأنهم لم يعودوا قادرين على توفير الطعام والاحتياجات الأساسية لأفراد الأسرة. أما النسوة، فلسان حالهم يقول: quot;لا نشعر بالاستياء من الثورة، فالحرية تستحق معاناتنا. انها مشيئة الله، لأننا كنا نعاني الظلم في السابق. كنا نشعر بالذلquot;.