بلغ سيل تعاطي المخدرات في تونس زبى التفشي الوبائي، ففتحت جمعيات علاج الادمان أبوابها لشباب دفعتهم الرفاهية أو التفكك الأسري إلى التعاطي. والأخطر في هذا الامر انتشار المخدرات، تعاطيًا وإتجارًا في المدارس والمؤسسات التربوية.


تونس: تؤرق ظاهرة إدمان المخدرات المجتمع التونسي، بعدما تفشت بين كل الفئات والأعمار ظاهرة اجتماعية واقتصادية خطيرة تهدد المجتمع بسبب تفاقم الجرائم والأمراض التي تسببها. وعلى الرغم من ندرة الدراسات التي تناولت الظاهرة من أجل إيجاد الحلول الممكنة لتفادي فساد المجتمع، وخصوصًا الشباب والمراهقين من تلاميذ المدارس والمعاهد الثانوية، بعد صيحة الفزع التي أطلقها وزيرا الصحة والتربية، اللذان أفادا بأن 12 تلميذًا من بين 30 أكدوا حصول الاتجار بالمخدرات داخل المؤسسات التربوية، بحسب ما قال وزير الصحة عبداللطيف المكي.
وتم أخيرًا الإطاحة بشبكة تونسية جزائرية تضم أربعة أشخاص، بينهم فتاتان، لترويج المخدرات قامت بتهريب 50 كليوغرامًا من القنب الهندي.

مسكوت عنها

أكد الدكتور عبد المجيد الزحاف، رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات، في تصريح لـquot;إيلافquot; أن ظاهرة تعاطي المخدرات في تونس ليست جديدة أو وليدة الثورة التونسية، بل كانت من المسكوت عنها، فحتى المؤسسات الرسمية لا تبوح بالأرقام الرسمية والحقيقية عن المتعاطين بالمخدرات على أنواعها.
وأبرز طارق القسنطيني، رئيس مركز العلاج من الإدمان على المخدرات والمختص بعلم الإجتماع، في تصريح لـquot;إيلافquot; أن التسجيل يتم تطوعيًا وبطريقة سرية، لحماية خصوصية المريض الذي يبقى في المركز شهرين. وأشار إلى أنه يتم قبول 28 مريضًا في كل فترة، حيث أهل المركز أكثر من ألف مريض. كما تم في الفترة الأخيرة ترفيع طاقة الإستيعاب لتصل إلى 70 سريرًا، وتتجاوز قائمة المنتطرين أكثر من 500 مريض.
وبيّن القسنطيني أن المركز فتح نقطتين جديدتين للمتابعة والقبول بكل من منطقة الزهروني بالعاصمة، وفضاء الشباب والحياة بمدينة صفاقس. وقال إنّ العلاج يتطلب وقتًا طويلًا بالنسبة للمدمنين، وبالتالي لا تكفي فترة شهرين التي يقضيها المريض في المركز، بل تتواصل عملية المتابعة حتى لا تكون الإنتكاسة والعودة إلى الإدمان من جديد.

رفاهية وتفكك

تعود أسباب الإدمان إلى مستوى المعيشة المرفهة لدى البعض، وما يتولد عنها من رغبات كحب للمغامرة والتحدي المضرّ في بعض الأحيان، إلى جانب وجود بعض التونسيين الذين تعاطوا المخدرات في الخارج، ولهم تأثير مباشر أو غير مباشر في تجارب العديد من المتورطين، وما ينجر عن ذلك من ارتفاع الطلب وتوفير العرض.
وأفاد الزحاف:quot; السبب الرئيسي وبنسبة 50 في المئة تقريبًا هو تفكك الأسرة، وفي المرتبة الثانية تحل المراهقة وما يواكبها من رفقاء السوء في غياب الرقابة العائلية، والمراهقون أكثر المدمنينquot;.

شيرة وزطلة وكولا

تعودت بعض الفئات المدمنة على المخدرات في تونس على شرائها من سياح قنّنت بلدانهم الاستهلاك الشخصي، على غرار هولندا، إلى جانب استغلال بعض الفئات الارتزاق السهل في هذا المجال غير المشروع، والاستعداد المرحلي من قبل بعض الفئات في مرحلة المراهقة لتعاطي أنواع المخدرات بالتدرج، بدءًا بالمستنشقات فالمؤثرات العقلية ووصولًا إلى الشيرة والزطلة والأنواع الأخرى.
ومن المخدرات المنتشرة مخدر quot;كولاquot; الذي يتعاطاه الشباب المدرسي من المراهقين بعد الخروج من المعاهد، لأنّ كلفته رخيصة، لكنه يمكن أن يؤدي إلى الشلل التام، ومخدر (SUBITEX) وهو دواء بديل في فرنسا عن الهيروين، وصل إلى تونس منذ سبع سنوات واستغله البعض من المتعاطين في شكل حقن عوضاً عن الحبوب، quot;وبعد جهد جهيد تمكنا من إدخالها قائمة الأدوية المصنفة، وبالتالي تم منع دخولها إلى تونس قانونيًا، وعلى الرغم من ذلك يدخل هذا الدواء خلسة، ويصل سعر الحبة الواحدة إلى 20 دينارًا (14 دولارًا)quot;، بحسب القسطنطيني.

إقلاع وإرشاد

أشار الزحاف إلى مراحل الإقلاع عن هذه العادة السيئة والمدمرة: quot;تكون البداية بمرحلة الفطام، التي تدوم أسبوعين، نعالج المدمنين خلالها بالأدويةـ ثم تكون المرحلة الثانية التي يلتقي فيها المتعاطي بآخرين ليشرح مشاكله ويبرز الأسباب التي دفعته إلى تعاطي المخدرات، وفي مرحلة ثالثة يلتقي المريض مختصون في علم النفس والاجتماع، ثم يتم تأهيله للخروج إلى المجتمع من جديد، لينصح أصدقاءه بالإبتعاد عن هذه الآفة الخطيرة على الصحة والعائلة والمجتمع ككل. وتتواصل مهمة الجمعية من خلال زيارات ميدانية إلى هؤلاء في منازلهم، للتعرف على وضعيتهم بعد مغادرة المركزquot;.
وأبرز القسنطيني أن المركز يضم طاقمًا يقوم بالمساعدة والإرشاد، ليس في داخل المركز فقط بل في الأوكار التي يتواجد فيها المدمنون أيضًا. فعدد كبير من هؤلاء يتناول مخدر (SUBITEX)، التي يتم تحويلها من حبوب إلى حقن، يتقاسمها المدمنون بتبادل الحقن، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا بمضاعفة نسبة الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة، والتسبب بالتهاب الفيروس الكبدي.

تجارب وأرقام

وجد الشاب ل. م. نفسه مدمنًا، من دون أن يعي خطورة ما حصل له، وذلك بسبب رفاق السوء. يقول: quot;وجدت نفسي مع مجموعة من الأصدقاء تعودوا شمّ اللصاق أو كولا، ودون أن أدري، وجدت نفسي واحدًا منهم، غير قادر على أن يمرّ يوم واحد دون أن ننظم جلسة شمquot;.
أما ر. ط. فأشار إلى أن بدايته كانت في فرنسا، حيث بقي فترة من دون شغل، تعرف خلالها على عدد من التونسيين والجزائريين. يتابع: quot;بعد نحو سنة ونصف، وجدت عملًا مع مقاول بناء، فعملت بكل جدّ. لكن بعد أشهر، عرفت أن أصدقائي يتعاطون الزطلة، وطلبوا مني مشاركتهم. وكانت البداية وكان الإدمانquot;.
أشار الزحاف إلى أن الإحصائيات الدقيقة شحيحة جدًا، لكنه يتوقع أن يصل عدد مدمنين المخدرات في تونس إلى 100 ألف من يتعاطون الزطلة و50 ألفاً يشمون كولا، و30 ألفاً على الأقل يتعاطون مخدر (SUBITEX)، ونحو 20 في المئة من هؤلاء مصابون بالسيدا. كما أكد أن نسبة كبيرة من متعاطي الزطلة هم من طلاب المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية.
وبحسب بعض الإحصائيات، يقضي أكثر من ربع المساجين عقوباتهم بسبب تهم ترويج واستهلاك المخدرات، فقد بلغ عدد قضايا المخدرات في العامين 2010 و2011 نحو ألف قضية.