قررت الكنائس المصرية الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية الإنسحاب من الجمعية التأسيسية للدستور، إحتجاجًا على اعتبار مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرًا رئيسًا للتشريع في الدستور الجديد.


صبري عبد الحفيظ حسنين من القاهرة: من المتوقع أن يحدث إنسحاب الكنائس المصرية من الجمعية التأسيسية للدستور المصري زلزالًا قويًا فيها، وهي المترنحة أصلًا على وقع الخلافات الشديدة بين ممثلي القوى الليبرالية والتيار الإسلامي فيها.

ومن المتوقع إنسحاب بعض هذه القوى خلال الأيام المقبلة، ما يضع جماعة الإخوان المسلمين، التي تمسك بزمام السلطة في مصر أمام مأزق شديد، لن تستطيع الخروج منه إلا بتوافقها الاضطراري مع تلك التيارات، وهذا ما يغضب التيار السلفي، الحليف السياسي للجماعة.

اجتماع مسيحي جامع
مساء الخميس 15 تشرين الثاني (نوفمبر)، عقد ممثلو الكنائس المصرية الثلاث إجتماعًا إستمر لأكثر من ثلاث ساعات، في مقر الكاتدرائية المرقسية في القاهرة، ضم كلًا من الأنبا باخوميوس القائمقام البطريرك، والأنبا يوحنا قلتة نائب بطريرك الكنيسة الكاثوليكية، والدكتور صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية، وسمير مرقص مساعد رئيس الجمهورية لشؤون التحول الديمقراطي، والمستشارين إدوارد غالب ومنصف سليمان، عضوي اللجنة التأسيسية للدستور، إضافة إلى مجموعة من النشطاء الأقباط، منهم جورجيت قليني عضو لجنة الترشيحات البابوية، والمستشار إيهاب رمزي، ومارجريت عازر النائب في مجلس الشعب المنحل، وسعاد كامل عضو الجمعية التأسيسية للدستور، ونجيب جبرائيل رئيس الإتحاد المصري لحقوق الإنسان، والناشطان روماني ميشيل وممدوح رمزي.

اتفق ممثلو الكنائس في نهاية الاجتماع على الإنسحاب من الجمعية التأسيسية للدستور، على أن يعرض القرار على البابا تواضروس الثاني، ويوقعه الأنبا باخميوس القائمقام، غدًا السبت 17 تشرين الثاني (نوفمبر)، قبل يوم واحد من الإحتفال بتنصيب البابا تواضروس الثاني.

حرمان الإقباط من حقوقهم
جاء قرار الإنسحاب إحتجاجًا على المادة 220 من مسودة الدستور، وهي المادة المفسرة للمادة الثانية التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع في مصر. فقد ورد في نص المادة 220 أن quot;مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعةquot;.

تعقيبًا، قال الناشط القبطي الدكتور نجيب جبرائيل إنه كان تبنى الدعوة إلى إنسحاب الكنيسة الأرثوذكسية وسائر الكنائس المصرية من الجمعية التأسيسية في خطاب رسمي أرسله إلى البابا تواضروس الثاني.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن السبب في دعوته إلى الإنسحاب quot;يرجع إلى أن مواد الدستور تعتمد كلية على أحكام الشريعة الاسلامية، وليس على مبادئ الشريعة الاسلامية كما كان متفقًا عليهquot;.

وأضاف: quot;هناك إصرار من جانب السلفيين ولجنة الصياغة النهائية على تلبية مطالب الاسلاميين، باستبدال كلمة مبادئ الشريعة بأحكام الشريعة، لكنهم فشلوا في ذلك بسبب إصرار القوى المدنية على مجابهة هذا المطلب المتشدد، فلجأت القوى الإسلامية المسيطرة على الجمعية التأسيسية إلى إضافة مادة مفسرة للمادة الثانيةquot;.

وأوضح أن هذه المادة ضد حقوق الأقباط، وقال: quot;المادة المفسرة تنص على أن كلمة مبادئ تعني المتفق عليه عند أهل السنة والجماعة وكافة المصادر الفقهية، بما فيها المدارس السلفية، التي تحظر بناء الكنائس، وتحرم غير المسلمين في حقهم في المجاهرة بأي مظاهر أو طقوس دينية مثل لبس الصلبان فى الصدور، أو تعليقها في الكنائس، أو ظهور قباب على الكنائس، كما يعني ذلك أيضًا الزام الاقباط بدفع الجزية، وحرمانهم من تولي مناصب قيادية أو ذات ولاية، واعتبارهم أهل ذمة وتغليب الهوية الدينية الإسلامية على الهوية المصرية الوطنيةquot;.

مظلة الدستور
ووفقًا لرسالة جبرائيل للبابا، التي تلقت quot;إيلافquot; نسخة منها، فإن الاقتصار على كلمة مبادئ شرائع غير المسلمين في المادة الثالثة من مسودة الدستور تعني أن لا حق للمسيحيين في الالتجاء إلى مصادرهم الأخرى، غير الكتاب المقدس مثل، التقليد المقدس والدسقولية والمجامع المقدسة وسير الآباءquot;، معتبرًا أن هذا يجعل الدولة تتحكم في تعيين البطريرك ورسامة القساوسة وممارسة الطقوس داخل الكنائس.

وصف جبرائيل إستمرار ممثلي الكنيسة في الجمعية التأسيسية على هذا النحو، بأنه خزي وعار، quot;وأن التاريخ سوف يسجل أن ممثلي الكنيسة قد شهدوا على دستور ينتهك حقوق الأقباط، ولا يعطيهم المواطنة الكاملة، ويوصفون فيه حسب أحكامه بأنهم رعية وأهل ذمةquot;.

يأتي قرار الإنسحاب بعد يوم واحد من تأكيد البابا تواضروس لوفد من الصحافيين أن خيار الانسحاب من الجمعية التأسيسية قائم، مشترطًا الإبقاء على المادة الثانية كما هي من دون حذف أو تغيير أو إضافة أو تبديل، لإستمرار الكنيسة في الجمعية التأسيسية. أضاف: quot;هناك مظلة واحدة يجب أن تتواصل جمع أطياف المجتمع تحتها، هي مظلة الدستورquot;.