تميّزت مراسم عاشوراء في هذا العام بإسهام جميع الطوائف العراقية في إحياء هذه الذكرى، فلم تعد مقتصرة على الطائفة الشيعية وحدها. فإلى جانب الفعاليات التي يقوم بها الشيعة، هناك احتفالات دينية قام بها سنة ومسيحيون وصابئة.


وسيم باسم من بغداد: نظم حسان كامل، وهو من الصابئة المندائية، موكبًا دينيًا اشترك فيه العشرات من أبناء طائفته في مدينة البصرة. ويقول إن هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، لكنها انحسرت بضع سنوات بسبب تردي الاوضاع الامنية، لتعود اليوم بقوة في ظل شعور جماعي بضرورة الوحدة الوطنية.

وشكل كامل سرادق عزاء، من التي يطلق عليها العراقيون اسم السرادق الحسينية، وتتألف من افراد يتشحون بالسواد ويحملون أعلامًا ويافطات تحمل شعارات دينية، إضافة إلى اشكال تجسد رموزًا وشخصيات مقدسة. يقول: quot;هذه المشاعر الدينية المشتركة تقدم الدليل على حرص العراقيين على وحدتهم وعلى احترام المتبادل بين الأديان والمذاهبquot;.

يضيف: quot;صارت ايام عاشوراء مناسبة للوحدة الوطنية بسبب اصرار الطوائف العراقية المختلفة على الاشتراك في فعالياتهاquot;.

وعكف المندائيون منذ سنوات على الاشتراك في الفعاليات الدينية، ما أسهم في زيادة التفاهم وكسر حواجز العزلة التي يشعر بها البعض من أفراد الاقليات الدينية.

وفيالوقت نفسه، يبدي كامل تقديرًا للمسلمين من السنة والشيعة، لأنهم أبدوا تلاحُمهم مع المندائيين بوجه التهديدات التي اطلقها بعض المتطرفين بحقهم في السنوات الماضية.

موكب النبي عيسى

في مدينة الكاظمية في بغداد، ينظم رعد بطرس مع افراد من الطائفة المسيحية موكبًا أطلقوا عليه موكب quot;النبي عيسىquot;، تعبيرًا عن مشاركة المسلمين في هذه المناسبة، في الفعل والعاطفة.

ويؤكد رعد أن الكثير من الكنائس توجه نشاطاتها للتعبئة في هذه المناسبة، مشيرًا إلى أن الامر لا يقتصر على بغداد وحدها بل يشمل جميع الكنائس في المدن الأخرى.

نبيل وحيد مسيحي من بغداد، يحضر في كل عام مراسيم عاشوراء إلى جانب اصدقائه المسلمين. ويقول: quot;لم ألمس من المسلمين المشتركين في الفعاليات الا التقدير والاحترام، فلم لا اشاركهم مناسباتهمquot;.

اختلاف لا خلاف

وإحياء عاشوراء في العراق من التقاليد التي توارثها العراقيون منذ القدم، تشمل إقامة المواكب الحسينية ومجالس العزاء، وتبدأ في الأول من شهر محرم لتبلغ ذروة فعالياتها في العاشر منه.

رفع بطرس عصام، وهو مسيحي، لافتة سوداء على واجهة بيته تعزي المسلمين في ذكرى عاشوراء، وهو يقول إن جيرانه المحتفلين يقدمون له الاطعمة الخاصة بالمناسبة، ولا يفرقون بينه وبين أي جار مسلم.

وزار عصام على مدار سنوات الكثير من المراقد الدينية مع أصدقاء مسلمين، من دون أن يكون الاختلاف في المعتقد عائقًا أمام التلاحم الديني والوطني في العراق.

وفي السياق نفسه، يقيم حيدر النعيمي مواكب العزاء الحسينية منذ نحو خمسين سنة، مؤكدًا أن عراقيين من شتى المذاهب والأديان اشتركوا طيلة هذه السنوات في إحياء ذكرى عاشوراء.

مواكب عزاء جامع

يشير أبو حسن من الكاظمية في بغداد، الذي ينظم موكب عزاء سنوياً، إلى أن موكبه يضم سنويًا عربًا و اكرادًا وسنة ايضًا، يتوافدون من منطقة الاعظمية السنية وأماكن أخرى.

كما يتوافد اكراد فيليون إلى مدينة كربلاء كل عام عبر مواكب حسينية، متشاركين مع أبناء الطوائف الاخرى. ويقول علي حسن إن مواكب الاكراد الفيليين من المواكب المتميزة في كربلاء، إذ تضم المئات منهم.

ويضيف: quot;منذ ذلك الحين يشكل الموكب مناسبة تجمع المكونات المتواجدة في المدينة، من شيعة وسنة وعرب وأكراد وتركمانquot;.

ويقصد بالموكب مجموعة من الناس الذين يرتدون السواد حزنًا على مقتل الحسين بن علي في واقعة الطف التي وقعت سنة 61 هجرية.

وغالبًا ما يكون هؤلاء الافراد من منطقة واحدة فيصبح الموكب مناطقيًا، أو يضم مجموعة من عشيرة واحدة، فيسمى عندئذ باسم العشيرة.

السواد الجامع

وصل حماس المشاركة بصائب لطيف المسيحي إلى أن شارك المحتفلين في عملية ضرب الظهر بالسلاسل الحديدية، التي يُطلق عليها العراقيون اسم الزنجيل، وهي ممارسة تجسد الحزن العميق والشعور بالألم الذي تركه مقتل الامام الحسين.

وكجزء من التلاحم مع الشعور الديني الجماعي، أوقف الكثير من المسيحيين فعاليات الاحتفال بعيد الشكر واعياد الميلاد متى يصادفان مع عاشوراء. ويقول بنيامين سعيد إن العملية تطوعية وتلقائية بسبب شعور المسيحيين بأن عليهم أن يحترموا مشاعر الاكثرية الدينية.

بالمقابل، يُثني سعيد على مشاعر الاحترام التي يكنها المسلمون لهم.

ففي اوقات الشدة والتهديدات من بعض الجماعات المتطرفة، تلقى أسرة سعيد والكثير من المسيحيين عروض الحماية والمساعدة من قبل مسلمين أبدوا تطوعهم في الوقوف معهم بوجه أي محاولة لمنعهم من القيام بمراسمهم الدينية في الكنائس ودور العبادة.

لم يعد منظر الرجال والنساء والأطفال وهم يرتدون الزي الاسود مقتصرًا على الشيعة فحسب، فقد حرص عمر عبد الوهاب السني على ارتدائه الأسود، مشيرًا إلى أنه يشارك زملاءه الطلبة في الجامعة مشاعرهم الدينية.

يقول: quot;الحرص على احترام مشاعر الآخرين الدينية العاطفية والتفاعل معهم في أفراحهم وأتراحهم مهم في زيادة الوعي بضرورة الاحترام بين الطوائف والاديان، ما يعزز الوحدة الوطنيةquot;.

الهريسة توحد

في اغلب مدن العراق، لا تقتصر الولائم في الأماكن العامة وفي البيوت على طائفة معينة، إذ يشترك الجميع في الطبخ وتقديم الطعام، لا سيما الهريسة. وتطبخ الهريسة في أوعية واسعة وعميقة من الحبوب واللحم، يضاف اليهما التوابل، وتوزع على البيوت والوافدين والزوار.

أما القيمة خليط من الحمص واللحم يتم هرسهما، ويضاف إليها المكملات الأخرى من التوابل. فالهريسة والقيمة اكلتان توزعان في العاشر من محرم بين أهل المحلة، تتبادلهما العائلات في ما بينها.

يؤكد كامل أن أكلة القيمة quot;يجيد تحضيرها صديق مسيحي تطوّع لعملها، بعدما أتقنها طيلة سنوات، ما يوضح الوحدة في المشاعر بين العراقيين على اختلاف دياناتهمquot;، مشيرًا إلى أن القيمة والهريسة أصبحتا من الأكلات الشعبية المشتركة بين مختلف الطوائف والديانات، فلم تعد مقتصرة على أبناء الطائفة الشيعية فقط.