يواجه الجندي الأميركي برادلي مانينغ حكماً بالسجن مدى الحياة في حال أدين بتهمة تسريب مئات آلاف الوثائق السرية العسكرية والديبلوماسية لموقع quot;ويكيليكسquot;. لكن الأدوار انقلبت في الوقت الراهن بعدما قرر محاكمة سجانيه السابقين في قاعدة كوانتيكو البحرية في ولاية فرجينيا.


لميس فرحات: المحامي ديفيد كومبس، يقاضي مسؤولي كوانتيكو الواحد تلو الآخر، مطالباً بمعرفة السبب وراء الاحتجاز الانفرادي لموكله وتجريده من ملابسه ليلاً كجزء مما وصف بـ quot;تدابير منع الانتحارquot;.

مرافعة كومبس أرست خلافات عميقة داخل الجيش، إذ أفاد أن أطباء النفس أوصوا أن التدابير الخاصة التي اتخذت لا داعي لها، في حين تجاهل مسؤولو السجن نصائحهم، وأبقوا مانينغ مقيداً.

خائن... وبطل
خلال شهادته أمام المحكمة، تحدث مانينغ، الذي يعتبر خائناً خطراً بنظر بعض أعضاء الكونغرس، وبطلاً كشف عن مخالفات جرائم الحرب بالنسبة إلى اليسار السياسي، فأثار مشاعر المتعاطفين معه بكلامه البليغ، وحتى روح الدعابة التي أظهرها على المنصة.

على الرغم من قوة شخصيته، ينظر الكثير من المراقبين إلى مانينغ على أنه جبان، لا سيما وأنه اعترف بمسؤوليته عن تسريب معلومات سرية، شملت ربع مليون برقية من وزارة الخارجية، التي سببت في عرقلة قدرة الديبلوماسيين quot;للقيام بعملهم السريquot;، كما يعتقد أنها ساهمت في اندلاع ثورات الربيع العربي.

يشار إلى أن الوثائق المسربة تحتوي على معلومات خطرة وقاسية، من ضمنها طواقم طائرات الهليكوبتر الأميركية، التي أطلقت النار على عدد من الأشخاص في بغداد، معتقدة أنهم من المقاتلين، واتضح لاحقاً أنهم فريق من مراسلي وكالة رويترز، إلى جانب تقارير ميدانية عن الحرب في العراق وأفغانستان وعن المعتقلين في خليج غوانتانامو في كوبا.

بحث إدانة أسانج بتهمة التآمر
وفي الوقت الذي يتابع فيه الجيش القضية المرفوعة ضد مانينغ، تواصل وزارة العدل البحث في إمكانية إدانة مؤسس ويكيليكس، جوليان أسانج، أو غيره من الناشطين، بصفتهم متآمرين في جريمة مانينغ.

وتشير التكهنات إلى أن القضاء مستمر في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد مانينغ، لكنّ محاميه يحاول أن يطلب من القاضي الذي يشرف على القضية إسقاط الاتهامات على أساس أن المعاملة التي لقيها موكله قبل المحاكمة غير قانونية، لكن من غير المرجّح أن ينجح في هذه المحاولة.

كإجراء احتياطي، يأمل كومبس بأن تتعاطف المحكمة على الأقل مع مانينغ، وتكتفي بفترة السجن التي قضاها تحت ظروف قاسية في كوانتيكو، وفي وقت سابق في الكويت، حيث تم احتجازه في ما وصفه بأنه quot;قفص للحيواناتquot;.

بعد الضجّة، التي أثيرت حول المعاملة السيئة التي لقيها مانينغ، بما في ذلك الانتقاد العلني من المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية والخبير الأعلى للأمم المتحدة في شؤون التعذيب، نقل المسؤولون العسكريون الجندي مانينغ في شهر نيسان/أبريل 2011 من كوانتيكو إلى سجن جديد في فورت ليفنوورث في كنساس، حيث لم يواجه القيود نفسها على الملابس وظروف النوم والمحادثة مع سجناء آخرين.

الاعتراف لتخفيف مدة الحبس
في خطوة أكدت على خطورة وضعه القانوني، عرض مانينغ في الشهر الماضي الإقرار بذنبه في التهمة الموجّهة ضده، محاولاً تخفيف عقوبته المؤبدة لمدة تصل إلى السجن لمدة 16 عاماً.

حتى اللحظة، لم تعلن النيابة العامة عن نيتها في قبول مثل هذه الصفقة، وهو ما يعني أنها يجب أن تتخلى عن السعي إلى الحكم بالسجن مدى الحياة بسبب ارتكاب جرائم خطرة، من ضمنها مساعدة العدو وانتهاك قانون التجسس.

حضر جلسة المحكمة يوم الجمعة عشرات الداعمين لمانينغ، بما في ذلك توماس دريك، الرئيس السابق لوكالة الأمن القومي، الذي اتهم بتسريب الوثائق، وأقرّ بأنه مذنب في تهمة طفيفة في العام الماضي.

ميل نحو الانعزالية مع الوقت
وقالت دينيس بارنز، التي كانت مسؤولة عن الكتيبة للأشهر الأربعة الأخيرة خلال فترة احتجاز مانينغ، إن الأخير رفض طلبات عديدة لوصف حالته العاطفية بالتفصيل. وقالت إنها قررت الإبقاء على ظروف احتجازه - على الرغم من نصيحة الأطباء النفسيين العسكريين- بسبب سلوكه الغريب واثنين من التصريحات السابقة التي كان قد أدلى بها، واعتبرت بأنها مؤشر إلى نيته في الانتحار، لكنها عادت وغيّرت رأيها إلى أن تحدث لها عن مشاعره وحالته النفسية.

خلال الأشهر التي قضتها معه، تحدثت بارنز مع مانينغ لفترة وجيزة يومياً، لكنها قالت إنه صار انعزالياً مع الوقت. وأضافت: quot;لم يتواصل معي بوضوح، وبالتأكيد لم تكن هناك نية لمعاقبة الجندي مانينغquot;.

وفيما ينتظر مانينغ الخضوع للمحاكمة العسكرية، المقررة في آذار/مارس المقبل، يتحصن أسانج في سفارة الإكوادور في لندن، حيث يقيم منذ منحه اللجوء في آب/أغسطس، بعدما رفض المسؤولون البريطانيون منحه ممراً آمناً للخروج من البلاد.

أسانج لا يواجه أية اتهامات بشأن ويكيليكس، لكنه مطلوب للاستجواب في السويد في قضية اعتداء جنسي، وهو متخوف من أن السلطات السويدية قد تسعى إلى تسليمه إلى الولايات المتحدة.

وأجرى أسانج أخيراً سلسلة من المقابلات التلفزيونية المثيرة للجدل في كثير من الأحيان، متهماً الولايات المتحدة بتعذيب الجندي مانينغ. ويعتبر الكثير من المحللين أن المعاملة القاسية التي تلقاها الجندي تهدف إلى الضغط عليه للشهادة ضد أسانج.