إنتقد الناشط السياسي السوري السياسة الإعلامية الرسمية للنظام السوري القائمة على التعتيم،مثنياًعلى التجارب الجديدة للإعلام المعارض الذي quot;ينقل إحساس الشارع السوري وصوته دون تكلفquot;، مقدرًاان نسبة المشاركة بالثورةبلغت17% من الشعب بكافة أطيافه.


تظاهرة للمعارضة السورية

bull;هل تعتقد أن الثورة السورية والحراك الشعبي أخذ حقه من التغطية الإعلامية مع إصرار النظام على التعتيم الإعلامي؟

من حق الشعب السوري على الضمير العالمي أن تدخل محطات التلفزة والإذاعة المستقلة ووكالات الأنباء العالمية لترصد ما يرتكب بحقه من مجازر، ورغم كل ما سعينا لأجله كصحافيين إلا أننا بالتأكيد لم نستطع الإحاطة بعظمة الحدث وعظمة التضحيات التي قدمها الشعب السوري أمام أبشع آلة قتل عرفها التاريخ.

ورغم كل ما نقل من صور وفيديوهات تبقى التغطية الإعلامية مقصرة وقاصرة عن مستوى الحدث، نظراً للضغط الفظيع الذي يمارسه النظام، لكن يمكن القول إن الثورة كسبت المعركة الإعلامية ضد النظام منذ الأشهر الأولى للانتفاضة، وهذا بفضل شبابها المنتشرين في كل مكان والذين باتوا بكاميراتهم أخطر على النظام من صواريخ الأرض كلها.

وهنا أعود لأقول دائماً الرهان الأهم على الشعب السوري الذي يخوض معركةً أخلاقية أيضاً ضد كل هذه الوحشية، اليوم عدد شهدائنا تجاوز 8 آلاف، هؤلاء بالنسبة لي 8 آلاف خبر و8 آلاف قصة و8 آلاف فيلم وثائقي، ورأيي المهني أن سوريا اليوم أرض خصبة ليثبت كل إعلامي مدى التزامه بالمهنة وأخلاقياتها ومدى قدرته على كشف الحقيقة وأدعو كل إعلامي إلى خوض هذه التجربة على أرض سوريا ليعيش ما عشناه من أحداث.

bull;ما رأيك في أسلوب تغطية الإعلام السوري للحراك الشعبي، وهل تعتقد أنه تطور من بداية الثورة؟

سأتحدث هنا كصحافي قبل أن أتحدث كمعارض، الإعلام السوري يعاني فشلا تاريخيا وليس في هذه الأزمة فقط، فكما تقول الطرفة إن في سوريا محطتين الأولى تبث خطب القائد، وإذا هرب المواطن إلى الثانية وجد شرطياً يحمل عصاه مهدداً، ويأمره بالعودة إلى المحطة الأولى ليستمع إلى خطاب القائد.

لم أكن أتوقع من الإعلام السوري أكثر من هذا، لكني كنت أعول أكثر على دور الأصدقاء والزملاء الصحافيين في الانشقاق عن هذه المؤسسة الأمنية بامتياز، وهنا أوجه التحية والتقدير لكل صحافي سوري رفض أن يكون شريكاً في الدم، فالإعلام السوري يستحق المحاكمة بتهمة نشر الأنباء الكاذبة، وأكبر مثال موثق وقريب هو المقابلة الوهمية التي أجرتها قناة الدنيا مع الباحث الفرنسي (أوليفييه روا) والتي نسبت إليه فيها quot;دعمه للرئيس الأسدquot;، وبعد أيام خرج الرجل وهو باحث في الشؤون الإسلامية ومعروف بمواقفه المساندة للقضايا العربية، لينفي أنه أجرى أي مقابلة منذ أربعة أشهر وأن ما قالته الدنيا كاذب، وأكد أن: quot;النظام في الرمق الأخير، وأرى هذا النوع من الحوادث الرعناء، علامة هلع إضافية.quot;

وإذا أردت التأكد راجع عدد جريدة الحياة رقم 17848 تاريخ 16 شباط 2012 وسترى هذه الفضيحة وتقرأها من مصدرها.

وفي النهاية لست أنا من يقيم الإعلام السوري إنما الجمهور نفسه الذي هتف بإسقاط النظام، هو الذي هتف أيضاً أن إعلام هذا النظام كاذب.

أما إذا كان المقصود الإعلام السوري المحسوب على المعارضة، فدعني أنوه بالتجارب الجديدة التي أنتجتها لنا الثورة، وأكبر مثال جريدة (عنب بلدي) التي يصدرها شباب من داريا، وراديو (واحد زائد واحد) الذي يقوم عليه شباب سوريون مقيمون في الخارج.

أعتقد أن مثل هذه التجارب تستحق الوقوف عندها وتحيتها كونها تنقل إحساس الشارع السوري وصوته دون تكلف، أما الإعلام المرئي والتلفزيوني وحتى المحسوب على المعارضة، وربما نتيجة أنه محكوم بشروط التمويل وغيرها، فأعتقد أن الطريق أمامه لا يزال طويلاً ليرتقي بمستوى أدائه ويعطي الخطاب المناسب الذي تحتاجه سوريا ويحتاجه الشعب السوري، بالتحديد تلك القنوات التي تحاول اللعب على وتر الدين والانتماءات الدينية، فهي لا تساهم إلا في صبّ الزيت على النار المشتعلة، ولا فرق بينها وبين ما تقدمه بعض قنوات النظام أحياناً، وإن من المقلب الآخر.

إقرأ أيضاً
الجزء الأول من مقابلة عمر الأسعد

bull;ما هو التيار السياسي أو الرؤى السياسية التي تتبناها؟

تماما كالكثير من النشطاء سواء في سوريا أم في مختلف دول الربيع العربي، لم آخذ موقفي المعارض للنظام لأنني أتبنى إيديولوجية معينة أو أتبنى تياراً سياسياً محدداً أريد أن أضعه على الكرسي مكان حزب البعث وإيديولوجيته القومية، إنما أتت معارضتي من موقف أخلاقي ووطني، وأعمل من أجل سوريا حرة وديمقراطية ومدنية لجميع أبنائها، دون التمييز بينهم على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الانتماء الديني أو السياسي.

أنا أعمل من أجل سوريا فيها حريات سياسية وثقافية واجتماعية أكبر، فيها تداول سلمي وحر وديمقراطي للسلطة، وفيها مجال للتعبير والسجال الفكري والسلمي بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية والإيديولوجية دون أن يكفر المؤمن الملحد ويدعو إلى قتله، ودون أن ينبذ العلماني المتدينين ويدعو إلى إخراجهم من ساحات التفكير، لا أريد لبلدنا أن تعود إلى حالة العطالة السياسية والفكرية والثقافية وحتى الاجتماعية التي فرضها حكم حزب البعث بالتحديد بنسخته الأسدية.

أريد في وطني مستوى معيشيا أفضل للمواطن السوري وفرص عمل للعاطلين عن العمل، واعترافاً بحقوق المرأة والطفل وحقوق الإنسان كافة، وأعمل من أجل تعليم أفضل، وقطاع صحي مؤمن، وقضاء عادل ونزيه ومستقل، واقتصاد بلا فساد، أعمل من أجل أن أرى مؤسسات حقيقية في بلدي من دون محسوبيات ورشاوى، وأعمل حتى من أجل بيئة وشوارع نظيفة، هذا ما أسعى إليه ولا يهمني إن صنفتم هذا على اليمين أو اليسار.

ولا يهمني إذا كان ما أقوله يتبع لإيديولوجيا قومية أو إسلامية أو أممية، بصراحة لا أستطيع الدفاع عن إيديولوجيا لا تخدم الشعب السوري، وفي ظل انعدام حياة سياسية على مدى نصف قرن لم نستطع نحن الشباب أن نخوض معترك السياسة الحزبية، وربما كان هذا من حظنا!

اليوم نحن نتعلم من ثورتنا أن quot;السياسة فعل حياةquot; وعمل وتواصل مع الشارع وتبني لأحلامه وآماله وصوته، وليست مجرد ربطات عنق واجتماعات واستقبالات، ما أسعى إليه هو أن أرى سوريا تنعم بالحرية والديمقراطية، وسيدة على كامل ترابها الوطني بما فيها الجولان المحتل، وأن تكون quot;دولة لها سلطتهاquot;، لا أن يكون لدينا quot;دولة السلطةquot; كما هو الآن، ولا أستغرب أن أكون في موقع المعارض دائماً طالما لم يتحقق ما نعمل لأجله كشباب ومثقفين ونشطاء.

bull;ما الذي يميز الثورة السورية عن غيرها من ثورات الربيع العربي؟

هناك عدة نقاط هامة تميز هذه الثورة من غيرها من ثورات العالم العربي، أستطيع أن أوجزها بالتالي: هذه الثورة تواجه أعتى وأشرس نظام قمعي عرفه تاريخ المنطقة وليس فقط العالم العربي، في الوقت نفسه هناك فارق الجيش بين الثورة السورية وباقي الثورات، فما لدينا هو جيش عقائدي ينتمي إلى مؤسسة السلطة أكثر من انتمائه إلى الوطن ويدافع عن النظام حتى هذه اللحظة.

ومن جهةٍ أخرى قابلية سوريا للتدويل وأن تكون ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية، هو من أهم العوامل التي ساعدت على إطالة عمر النظام، وتدخُّل قوى خارجية فيه سواء الغرب والولايات المتحدة أو روسيا والصين وإيران.

لكن من النقاط الإيجابية التي تميز هذه الثورة أيضاً حجم المشاركة الشعبية في فعالياتها وتظاهراتها، فقد بلغت نسبة المشاركة بما تقدره مراكز الإحصاء ب17% من الشعب السوري، وهي النسبة الأكبر في تاريخ ثورات العالم، إذ إن أكبر نسبة مشاركة في ثورة كانت في الثورة الفرنسية وبلغت 5%، وبالطبع لم يكن لدى لويس السادس عشر وماري أنطوانيت لا شبيحة ولا فرقة رابعة ولا 14 جهاز مخابرات، وهذا يعني أن الشعب السوري إذا أنصفه التاريخ، وسينصفه حتماً، يستحق تسمية (الأسطورة الحية).

كذلك علينا أن لا ننسى أنها ثورة شعبية وعامة بامتياز، ففيها تشارك مختلف شرائح الشعب السوري من المثقفين والأدباء والكتاب والحقوقيين، ولن ننسى الأطباء ودورهم الهام أثناء الثورة إلى أبسط عامل في أقصى سوق سورية.

ومن ناحية أخرى، كشفت هذه الانتفاضة عن دور هام للمرأة السورية التي لم تشارك في الشأن العام والحياة السياسية منذ استقلال سوريا كما تشارك اليوم في هذه الثورة، وهناك أسماء نسائية أعتقد أن تاريخ سوريا لن ينساها أبداً سواء على مستوى الحقوقيات والناشطات والمثقفات، أو على مستوى بطلات الأحياء الشعبية والمناطق الأهلية، وهذا نصر عظيم للمرأة السورية ما كانت لتحققه لولا هذه الانتفاضة.

bull;ما المطلوب الآن لدعم الحراك الشعبي في سوريا وإنجاحه؟

كي ينجح الحراك الشعبي ويصل إلى أهدافه مطلوب العمل على أكثر من مستوى، المستوى الأول هو المعارضة السورية التي يطلب منها بالفعل أن تتبنى quot;سياسة ثوريةquot; بمعنى الكلمة، تقوم على وضع خطط عمل لإغاثة المناطق المنكوبة، وإيصال المساعدات المالية والطبية والغذائية إليها، وفي الوقت ذاته طرح برنامج أو رؤية لمستقبل سوريا السياسي والاقتصادي والاجتماعي يمكن أن تستقطب مختلف شرائح المجتمع السوري بالذات من لا تزال صامتة حتى الآن.

أما المستوى الثاني، وهو المستوى العربي والدولي، فعليه أن يحاصر النظام ويعزله سياسياً ويجفف منابع دعمه اقتصادياً وعسكرياً، كذلك يتحمل العرب والمجتمع الدولي مسؤولية جماعية عن حماية المدنيين السوريين الذين يتعرضون للقتل بشكل يومي، وتتحمل الإنسانية مسؤولية العمل الإغاثي للشعب السوري الذي يواجه أعتى موجات تسونامي الرصاص والقتل اليومي.