لا تزال قضية الطفل الفلسطيني محمد الدرة تثير الجدل بعد مرور أكثر من 11 عاماً على وقوعها.

الصورة التي هزت العالم قبل 11 عاماً
القدس: بعد اكثر من احد عشر عاما على مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة في غزة في تبادل لاطلاق النار بين الجيش الاسرائيلي وناشطين فلسطينيين، ما زال الجدل مستمرا حول لقطات اصبحت رمزا للنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين.
ومنذ الثلاثين من ايلول/سبتمبر 2000، ثاني ايام الانتفاضة الثانية، قتل 1141 فلسطينيا قاصرا جميعهم عزل في النزاع، سقط ربعهم خلال الهجوم الاسرائيلي على غزة في 2008-2009، كما تقول منظمة بتسيلم الاسرائيلية للدفاع عن حقوق الانسان.
لكن اللقطات التي صورتها محطة فرانس-2 لمحمد الدرة (12 عاما) وهو يحتضر بين ذراعي والده في منطقة قريبة من مدينة غزة وعرضت في جميع انحاء العالم، بقيت محفورة في الذاكرة.
وبعد اكثر من عقد وبعد سنوات على انتهاء الانتفاضة، يبقى هذا الريبورتاج عنصرا رئيسيا في الحرب الاعلامية بين اسرائيل والفلسطينيين.
وفي العالم العربي، اصبح quot;الطفل محمدquot; بسرعة شعارا لادانة الاحتلال الاسرائيلي.
اما المدافعون عن اسرائيل فيعترضون على ريبورتاج اعده شارل اندرلان المراسل الدائم لفرانس-2 ومصوره الفلسطيني طلال ابو رحمة. وقد اكد في اليوم نفسه ان الطفل قتل برصاص اسرائيلي.
وهم يشككون بمصدر الرصاص معتبرين انه قد يكون فلسطينيا.
حتى انهم ذهبوا الى حد الاتهام بان اللقطة مفبركة مشيرين الى ان الطفل لم يمت وان الفلسطينيين قاموا بتركيب كل المشهد.
وقال استاذ الاتصال في جامعة تل ابيب جيروم بوردون ان quot;القضية كان يمكن ان تطوى بسرعة بعد الانفعالات الاولى التي اثارها عنف اللقطات غير المعقول لطفل يموتquot;.
واضاف quot;لكن هذه اللقطات اصبحت رمزا كبيرا -- للمؤيدين للفلسطينيين والاسرائيليين على حد سواء -- الى درجة انهم لم يعد من الممكن التخلي عنهاquot;.
وفي فرنسا، اطلق الجدل مدير مؤسسة ميديا ريتيغز فيليب كارسينتي الذي قال ان الريبورتاج quot;مفبركquot; وتحدث حتى عن quot;موت كاذب للطفلquot;.
واوضح بوردون الذي الف كتابا بعنوان quot;الرواية المستحيلة. النزاع الاسرائيلي الفلسطيني ووسائل الاعلامquot; ان quot;كارسينتي بذل جهودا شاقة لاعادة القضية الى الواجهة وانتزع قضية الدرة على امل ان يصبح (الكاتب الفرنسي ايميل) زولا الجديد في قضية دريفوسquot;.
وتبنت السلطات الاسرائيلية في 2007 فكرة ان اللقطات مفبركة بعدما بقيت صامتة لفترة طويلة.
وقبل اسبوعين، برأت محكمة الاستئناف في باريس جراحا اسرائيليا ساهمت شهادته في تاجيج الجدل حول الريبورتاج.
وقد روى ديفيد الذي اجرى عملية جراحية للدرة في 1994 ان الجروح التي اصيب بها اثناء اطلاق النار الذي اودى بحياة ابنه عام 2000 يعود تاريخها الى ما قبل الحادثة.
وعبر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في اتصال هاتفي مع الطبيب ايهودا ديفيد، عن ارتياحه لنتائج quot;المعركة المثالية التي خاضها من اجل الحقيقةquot;.
وقال quot;انتم مثال للدفاع عن العدالة التي يصنعها شعبنا (...) وقدمتم خدمة كبيرة لشعب اسرائيلquot;.
واعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي ان الحكومة ستتخذ في اجتماعها المقبل اجراءات لتدفع الدولة العبرية نفقات القضاء التي سددها الطبيب في فرنسا.
ولقيت فرضية فيليب كارسينتي ارتياحا لدى قسم كبير من الجالية اليهودية في فرنسا.
وقال بوردون quot;انها ليست مجرد قضية تسييس يقوم به متطرفون. فكثيرون من الفرنسيين اليهود شعروا ان اسرائيل اتهمت ظلما خلال الانتفاضة الثانية. لقد روعتهم قضية محمد الدرة ولولا هذا البعد العاطفي لما كان لقيت فرضية كارسينتي صدىquot;.
وفي الجانب الفلسطيني تبقى قضية مقتل quot;الطفل محمدquot; رمزا.
وقال امال جمال استاذ العلوم السياسية في جامعة تل ابيب ان quot;هذه اللقطات تتضمن كل تاريخ الانتفاضة الثانية والمأساة الفلسطينية والظروف اللاانسانية التي يعيشون فيها وطبيعة القوة التي تستخدمها اسرائيل ضدهمquot;.
واضاف quot;لا يهم ان كان الرصاص الذي قتل محمد فلسطينيا او اسرائيلياquot;.
واكد ان quot;القوة الرمزية للقطات مقتل محمد شديدة الى درجة انها لن تزول بالكامل ابدا. وقد بدأت تنافسها في المخيلة الجماعية الفلسطينية لقطات الربيع العربيquot;.
وبعد اكثر من احد عشر عاما على ريبورتاج بثته قناة فرانس-2 واثار جدلا، حول مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة في غزة، تبت محكمة التمييز الثلاثاء في ما اذا كان الاتهام الموجه لمعده شارل اندرلان quot;بالتزويرquot; يعد تشهيرا.
ويظهر في الريبورتاج محمد الدرة (12 عاما) بين ذراعي والده وهو يلفظ انفاسه الاخيرة بعد اصابته في تبادل لاطلاق النار بين الجيش الاسرائيلي وناشطين فلسطينيين.
واثارت اللقطات التي عرضت في جميع انحاء العالم، جدلا حول مصدر اطلاق النار الذي ادى الى موته واتهامات من مصادر اسرائيلية ومؤيدين للدولة العبرية بان المقطع مركب.
وفي مواجهة هذه الاتهامات، ادعت فرانس-2 بتهمة quot;التشهيرquot; على مدير مؤسسة ميديا ريتيغز فيليب كارسينتي الذي قال ان الريبورتاج quot;مفبركquot; وتحدث حتى عن quot;موت كاذب للطفلquot;.
وبعدما ادين امام المحكمة الابتدائية في 2006، برأت المحكمة الاستئنافية كارسينتي في 2008، معتبرة انه quot;مارس بحسن نية حقه في حرية النقدquot; وquot;لم يتجاوز حدود حرية التعبيرquot;، وقررت اطلاق سراحه.
لكنها لم تبت بشكل واضح في مضمون الريبورتاج بينما اصبحت القضية الان في محكمة التمييز.
وطعنت فرانس-2 بهذا القرار معتبرة انه quot;مناقض تماما لقرار محكمة البدايةquot;.
وفي جلسة الرابع عشر من شباط/فبراير اشار المحامي ايمانويل بينيكا الى quot;السعي الى التدميرquot; من جانب فيليب كارسينتي والى quot;تصريحاته التي تنم عن كراهيةquot;.
في المقابل، قال المحامي ديني كاربونييه ان فرانس-2 واندرلان quot;لم يعترفا يوما بانهما عالجا الموضوع باستخفافquot;، مؤكدا ان كل التحليلات التي اجريت quot;رجحت فرضية فبركةquot; اللقطة.
وهذا الشق من القضية يرتبط بدعوى رفعها جمال الدرة والد الطفل امام القضاء الفرنسي ضد مقالين نشرا في ايلول/سبتمبر 2008 في نشرة quot;اكتواليتيه جويفquot; الاسبوعية.
وفي المقالين يؤكد الجراح الاسرائيلي ايهودا ديفيد الذي اجرى عملية جراحية للدرة في 1994 ان الجروح التي اصيب بها اثناء اطلاق النار الذي اودى بحياة ابنه عام 2000 يعود تاريخها الى ما قبل الحادثة.