أكد رجل الدين الشيعي السعودي حسن النمر أن المملكة تحمل قيمة رمزية للعالم الإسلامي، وأن على مواطنيها عدم هدر طاقاتهم عبر إقصاء الآخر، نافياً ولاء شيعة السعودية لإيران، ووصف في حوار مع quot;إيلافquot; ما يرتكبه النظام في سوريا ضد الشعب بالجرائم الدنيئة، وأكد أن نار الفتنة بين السنَّة والشيعة quot;ينفخهاquot; السياسيون من أهل السياسة والأنانيون من أهل الدين.

وفي ما يلي نص المقابلة كاملة:


رجل الدين الشيعي السعودي حسن النمر

سماحة السيد أنت من الشيوخ السعوديين الشيعة، الذين عُرف عنهم تأثيرهم على الشباب، وتتواصل عبر الشبكة العنكبوتية مع الجميع، سواء كانوا شيعة أو سنة، ويعتبر موقعك الشخصي على الشبكة من أنشط المواقع .. ما الذي تقوله في بداية هذا الحوار للشباب السعودي؟

بداية أقدم الشكر لـ quot;إيلافquot; على إجراء هذا الحوار، الذي أرى فيه فرصة ثمينة للتعرف إلى رؤية، قد تصنَّف أنها (أخرى) لواقعنا (المشترك).

أما كلمتي للشباب السعودي فهي أن وطنكم يحمل قيمة رمزية لعالمنا الإسلامي، بكل تنوعه الجغرافي والتاريخي والفكري والاقتصادي، وهذا يفرض عليكم أن تكون همومكم واهتماماتكم تتناسب وهذه القيمة الرمزية، كما إن الله تعالىمنح لهذا البلد ثروة طائلة، تتيح له أن يكون في الصدارة على مستوى التنمية الشاملة، فألحّوا على المسؤولين بأن يتيحوا لكم الفرصة للمشاركة في بناء الوطن تخطيطاً وإدارة. وكفاكم هدراً للطاقات في المعارك العبثية في إقصاء الآخر، فقدركم أن تتعايشوا مع بعضكم بعضًا، وأنتم مختلفون، واجعلوا تنوعكم المذهبي والفكري والمناطقي نعمةً، ولا تحولوه إلى نقمة (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

يأخذ بعض المسؤولين في وزارة الداخلية السعودية على بعض شيوخ الطائفة الشيعية خطابهم التعبوي ضد الحكومة، في وقت يرى فيه هؤلاء المسؤولون أن مثل هذا الخطاب يمزّق النسيج الوطني السعودي .. فكيف ترد؟

هذا كلام غير صحيح على الإطلاق، فنحن المواطنين الشيعة، الذين نعاني حملات التحريض والتعبئة الدينية والسياسية على المنابر، ويُترجم ذلك في سياسات ممنهجة للانتقاص من مواطنة الشيعة وحقوقهم ... وكمثال على ذلك:

أ - البرامج الدعوية التي يقوم بها، برعاية رسمية، أولئك المتشددون السلفيون والموجّهة ضد الشيعة.

ب - الكتب والمطويات التي توزّع في البلاد طولاً وعرضًا، والمتضمنة للحكم على الشيعة بأنهم مبتدعة، بل ومشركون، ويُضيّق عليهم مذهبيًا.

جـ - خطب الجمعة التي تصدح ليل نهار بالدعاء على الرافضة.

د - ولعل آخر ما في هذا الصدد ندوة (حقيقة المعتقد الرافضي وخطره على المجتمعات السنية)!!، وقد احتوت فقرات الندوة عناوين تحريضية صارخة، وإن كان العنوان كافياً.

الأشد خطراً هو أن يتأثر ويتفاعل المواطن السني، ومن الطبيعي أن يتأثر ويتفاعل، إلا من عصمه الله تعالى، ويتشكل لديه وعيٌ مبنيٌّ على أساس أن هناك عداوة متأصلة بين السنة والشيعة، وعندها لا حاجة إلى قرار رسمي بالتمييز، فثقافة الموظف وابن الشارع كافية في سلب حق المواطن الشيعي، الذي يجد نفسه مضطرًا للتعبير عن ظلامته عبر عريضة أو بيان، وإن لم يجن ثمار تواصله ذاك، فقد يعبّر عن ذلك في مسيرة سلمية، خصوصاً وقد عمّ العالمَ العربيَّ النزول إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاح.

ويفترض بالمطالبة بالحقوق والإصلاحات أن لا يتحسس منها مخلصٌ لوطنه، خصوصًا إذا كانت متواضعة وهزيلة، إذا قيست بما نراه في بلدان أخرى.

دائماً ما تشير أصابع الاتهام إلى بعض الشيعة في السعودية، وحتى في الخليج، إلى أنهم مرتبطون بإيران، وأن هناك أيادي إيرانية تستغلهم طائفياً، وتقوم بالتخطيط لهم ضد مصالح أوطانهم .. كيف ترد على مثل هذا الاتهام؟

أصبت كبد الحقيقة بوصفك ذلك أنه (اتهام)، فما يؤسف له أن العلاقة غير الحسنة، التي تسود العلاقة بين المواطنين الشيعة وجهات نافذة في بنية الدولة في السعودية تحديداً، وغالب منطقة الخليج، والتي تنعكس على الواقع الحقوقي للمواطنين الشيعة، رسميًا وشعبيًا، نتيجة الاستغلال البشع لهذا الواقع من قبل بعض الأطراف، هي التي تفسح المجال لمثل هذا الاتهام بأن ينمو، بل ويُصدَّق، خصوصاً في ظل العلاقة المتقلبة بين دول الخليج والجمهورية الإسلامية في إيران.

أما الواقع الحقيقي فهذه التهمة هي، في جوهرها، أقرب إلى الفرية. وقد شهد تقرير بسيوني في البحرين على ذلك بشكل صارخ، حيث لم يجد دليلاً ملموساً على هذا الارتباط، مع أن الرجل مكلَّف من دولة البحرين، وهو غير متهم بالانحياز إلى الشيعة.

والذي أقوله بكل صراحة هو أن هناك مظالم للمواطنين الشيعة يجب أن تُرفع لتكون المواطنة، والمواطنة فقط، هي الحكَم في تنظيم العلاقة بين الدولة والمواطن، بعيداً عن أي خلفية مذهبية.

هناك من يرى في دول الخليج أن هناك خطراً من إيران على أمن الخليج .. ما هو تعليقكم؟

إيران جار كبير، وقدرنا أن نتعايش مع هذا الواقع، ومن مصلحة الجميع أن تسود لغة الوئام والمصالح المتبادلة، فلإيران حق في الخليج، كما لأي دولة من الدول العربية في الضفة الأخرى.

بل إن مصلحة دول الخليج كلها، بما فيها العراق، أن لا تكون طرفاً في أي نزاع بين إيران ودول غربية، لم تحمل وداًّ لهذه الدولة منذ نشأتها بعد سقوط الشاه حليف الغرب وانتصار الثورة، وتاريخ الثورة يشهد بأنها لم تعتدِ على دول الخليج، مع أنها كانت داعماً مباشراً لصدام إبان حربه الظالمة.

أما سوء الفهم والتفاهم، الذي يحصل بين الدول، على خلفية تباين وجهات النظر الإيديولوجية والسياسية، فينبغي ألا يكون هو القاعدة التي تحكم العلاقة بين الدول بالخصوص المتجاورة، والتي يفترض أن تكون المصالح المشتركة هي الأساس فيها. وهذا حالنا مع جمهورية إيران الإسلامية.

وصفت الأعمال التي يقوم بها النظام السوريضد المتظاهرين السلميين، عبر تويتر، بالإجرام والدناءة، كيف تعلِّق لنا على هذه التغريدة، في وقت يظن الكثير من الناس أن غالبية علماء الشيعة وعوامهم مع النظام السوري؟

بصدق أقول لك، لا يهمّنا النظام السوري أو غيره، بقدر ما يهمّني العدل هنا وهناك. وشخصياً لست أرى النظام السوري مختلفاً عن أي نظام عربي آخر، فالأنظمة العربيةمن دون استثناء نظم غير ديمقراطية، ولا تعبّر عن إرادة شعبية حقيقية. والإجرام - الذي هو سفك دم البريء بغير حق - لا يصحّ وصفه سوى بأنه (إجرام)، سواء كان في سوريا أو في البحرين.

والشيعة حسب معرفتي - من الداخل - هم مع المقاومة والممانعة، ولو أن المتحدثين باسم المعارضة السورية لم يعتمدوا خطاباً طائفياًّ وممارسةً طائفيةً منبداية الأحداث، وكذلك من ناصر المعارضة السوريةمن غير السوريين، لاختلف الأمر، ولعبَّر كثيرٌ من الناس عن تأييدهم للحراك الشرعي في سوريا، كما فعلتُ أنا. غير أن الحابل اختلط بالنابل إلى أن تبنت قوى غربية معادية للحراك السوري بشكل مكشوف، وأصرّت على إسقاط النظام، كحلٍّ وحيدٍ، وأوضحت عن دواعيها بكل وضوح، وأنها تقوم على أساس إضعاف المقاومة، ثم تصفيتها لاحقاً، وهذا ما جعل كثيرين يتحفظون على الأحداث في سوريا.

الموقف في ذلك يشبه، إلى حدٍّ كبيرٍ، موقفَ إخواننا السنَّة من أحداث البحرين، والتي أصرّ أطراف معروفون على اتهامها بالطائفية، لتُعزَل عزلاً شبهِ تامٍّ عن سياق الربيع العربي، المطالب بالحرية والديمقراطية، وهكذا تحوّل الربيع العربي في كلٍّ من سوريا والبحرين إلى ما يشبه الأزمة المذهبية، التي أخشى أن تتسع لتعمّق الشرخ بين الشيعة والسنّة.

لا شك في أن الفتنة بين الشيعة والسنة نيرانها بدت واضحة للعيان.. كيف تنطفئ تلك النيران بين أبناء المذهبين؟

الخلاف المذهبي بين الشيعة والسنة ليس جديداً، بل هو قديم قدم الإسلام نفسه. بل إن السنة غير متفقين في ما بينهم تماماً، كما إن الشيعة غير متفقين تماماً في ما بينهم. وقد أُلِّفت في ذلك كتبٌ ومصنفاتٌ، تبيِّن مقالات الفرق، وفصَّلت واقعَ الملل والنحل. وشارك في ذلك مؤلِّفون كبار من السنة ومن الشيعة.

ومجرد الاختلاف في الرؤية ليس مستغرَبًا ولا مستهجناً، والمستهجن هو نفخ نار الفتنة واستغلال هذه الفروق العميقة أحيانًا لتمزيق الصف الإسلامي، الذي يتسع للجميع ويستوعبهم على قاعدة (يعذر بعضنا بعضاً في ما نختلف فيه).

بكل أسف وأسى أقول إن نار الفتنة هذه إنما ينفخها السياسيون من أهل السياسة والأنانيون من أهل الدين، ممن يرغبون في الحصول على امتيازات جهوية أو شخصية أو الإبقاء عليها. أما أهل العلم والنزاهة والحكمة والأفق الواسع فيخمدون نيران الفتن ولا يؤججونها،والحلّ لإطفاء نار الفتنة هو تكريس واقع (التعددية) وتوسعة قاعدة (التسامح) ونشر العلم والفكر بعيداً عن التعصب والطائفية المقيتة.

في هذا السياق أشير إلى أنهكانللأزهر الشريف دور رائد إبان فترة الإمام محمود شلتوت، الذي تبوأ مشيخة الأزهر في الستينات؛ حتى أفتى بجواز التعبد وفق المذهب الجعفري في موقف مشهود ومشهور، كما قرر تدريس المذهب الجعفري في جامعة الأزهر، وكذلك أسّس الإمام السيد حسين البروجردي دار التقريب، وجعل القاهرة مقرًا لها، وصدر منها مجلة رسالة الإسلام لسنين طويلة.

ولا تزال جهود التقريب الإسلامي مستمرة في إيران عبر مجمع التقريب ومؤتمره الوحدوي السنوي، وكذلك مملكة المغرب. وفي تقديري فإن دخول السعودية كقطب سنّي كبير ومؤثر على خط التقارب مع إيران في هذا المجال سيكون له أثرٌ إيجابيٌّ وسيدفع بكل جهود الفتنة المذهبية إلى أن تتلاشى.

كيف يمكن التوفيق بين الولاء الوطني والولاء المذهبي بالنسبة إلى الأقليات إذا تضاربت المصلحة السياسية (السعودية وإيران كنموذج)؟

كان لنا، نحن الشيعة السعوديين، تجربة واضحة في فترة الحرب العراقية الإيرانية التي كانت فيها السعودية في طرف وإيران في طرف، وأظهر المواطنون الشيعة عن قدرة عالية على التكيف مع وطنيتهم من دون التخلي عن مذهبيتهم، فهم مواطنون، وفي الوقت نفسه هم شيعة.

وبكل صراحة أقول: ولاؤنا لمذهبنا، وليس لإيران الدولة، ونحن شيعة قبل الثورة الإسلامية في إيران، ولا نسمح لأحد بأن يزايد على ولائنا الوطني الثابت والراسخ، مهما تباينت رؤيتُنا مع مسؤولي الدولة في هذا الملف أو ذاك، سيبقى الوطن أكبر من المسؤول مهما علا قدره، والاختلاف معه في قراءة سياسية لا يعني انعدام الولاء للوطن.

كيف يمكن صناعة مجتمع مدني متعايش في ظل التعبئة الطائفية في المنطقة، التي شرخت مجتمعات، كانت مثالاً للتعايش، مثل العراق ولبنان؟

الشرخ الطائفي موجود، ليس في لبنان والعراق فقط، بل موجود في السعودية، وكذلك في البحرين. ويمكن تجاوزه بكل سهولة، إذا بنينا (دولة) تجعل من (المواطن) هو اللبنة الأساس لكيان الدولة والمجتمع. وأما انحياز الدولة إلى هذه الرؤية المذهبية على حساب تلك، فسيجعل الشرخَ الطائفيَّ قاعدةً، والتعايشَ استثناءً.

وإذاسيطر العقلاءُ فسنتمكن من التأسيس لتعدديةٍ، أصبحت ضرورةً من ضرورات الدولة، أي دولة، إذ لا يوجد دولة في العالم ليست فيها تعددية دينية أو مذهبية أو فكرية أو قبلية أو إثنية.

لماذا تتحمّل الحكومات ذنب ضعف البنية الوطنية، في حين أن رجال الدين من كل الأطراف يعملون على الاصطفاف والاستقطاب الطائفي، بعض الحكومات تقول إن رجال الدين يعملون ضد محاولاتها لتأسيس هذه البنية الوطنية؟

السؤال يفترض أن الحكومات بعيدة عن رجال الدين، وليس الأمر كذلك، ففي الدول المبتلاة بالاصطفاف المذهبي، نجد انحيازاً من الحكومة لطيف مذهبي معين، وتهميش آخر أو محاربته، فيقع الاصطفاف. وهذا يعني أن الحكومة مذهبية، وتتحمّل هي في الدرجة الأولى تبعةَ أيِّ اصطفاف مذهبي، لأن الحوْل والطول لها، فهي التي تسمح بالاصطفاف وتغذّيه، وهي التي تحول دونه وتمنعه.

هل الحرب على التنويريين والمثقفين وإضعاف دورهم ساهمت في أن يتحكم رجال الدين في الشارع، وبالتالي سهولة قيادة الرأي العام من خلال توجّه طائفي؟

لستُ مع هذه الثنائية، التي تجعل من رجال الدين بالمطلق، في مقابل المثقفين والتنويريين بالمطلق، فنحن بقراءة الواقع واستقرائه، قد نجد طائفية ورجعية عند بعض مَن يوصف بأنه تنويري ومثقف، وقد نجد تنويراً عند بعض رجال الدين.

لذلك أرى أن المقاربة يجب أن تكون بين مناهج الفكر المستنير؛ بما يترتب عليه من طرح استيعابي للآخر من جهة، والفكر المتخلف، الذي يضيق ذرعاً بالمخالف من جهة أخرى.

وهذا يعني أن تتبنى الدولة رؤية استيعابية وانفتاحية، يكون فيها المجال متاحاً في التفكير والتعبير والممارسة للسنّي وبالقدر نفسه للشيعي، مهما تباينت رؤاهما في هذا الحقل المعرفي أو ذاك. كما يكون للرأي الثقافي وضده الحق في التفكير والتعبير والممارسة من دون حجر أو منع.

وبالطبع، تُراعى في ذلك الثوابتُ، التي يتفق عليها أبناء الوطن غالباً من دون إقصاء لمكوِّن من مكوناته. وهكذا نكون بنينا قاعدة متينة للعيش الكريم والمشترك بين أبناء الوطن الواحد ذي الهوية الواحدة، مع حفظ الهويات الخاصة لهذا الفريق أو ذاك.

وإذا أتيحت الفرص بشكل متكافئ للأطياف المتنوعة، فإن الرأي العام سيتوازن، وإن حصل فيه بعض التجاذب الحاد أحياناً، فالدولة المتوازنة مع الجميع والحاضنة للمجموع، ستعيد بوصلة التوازن، للحؤول دون الحيف والإجحاف بطرف من قِبَل طرف آخر.