رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان

كلام وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً، ففي ظل الوضع المتأزم في سوريا، والتوتر المتزايد في العراق، ومحاولة دول الربيع العربي تلمّس طريقها للمضي قدماً، ظهرت تركيا كلاعب بارز بالنسبة إلى الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى.


بيروت: أشادت وزيرة الخارجية الأميركية هذا الشهر بدور تركيا، معتبرة أنها في موقع quot;الزعامةquot; بشأن المسألة السورية، وواصفة إياها بـ quot;الأمّة التي تملك ضميراً حياً يتفهم معاناة الشعب السوري، وتضع الكثير على المحك من أجل إسقاط الرئيس السوري بشار الأسدquot;.

وأثناء لقائها مع نظيرها التركي أحمد داوود أوغلو، قالت كلينتون إن quot;ديمقراطية تركيا الناجحة تشكّل مصدر دعم قوي جداً بالنسبة إلى بلدان ما بعد الثورة في المنطقة ومثالاً حقيقيًا بالنسبة إليهمquot;.

في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;فاينانشال تايمزquot; أن تركيا شهدت تحولاً ملحوظاً يحظى بتقدير الغرب لوقوفها ضد التوسّع الروسي، وهي الآن منهمكة بالإنخراط مع الدول المجاورة جنوباً وشرقاً، لأن مستقبلها يتشابك مع مستقبل هذه البلدان.

quot;نحن لا نطمح إلى أن نصبح قوة إمبريالية مرة أخرى، لكن التاريخ والجغرافيا تطاردناquot;، يقول مسؤول تركي كبير، في إشارة إلى التغيرات التي تؤدي ببلاده من جديد إلى لعب دور أكثر حزماً في المنطقة منذ فترة طويلة مضت. وأضاف: quot;نحن نفهمهم (الدول الأخرى) على نحو أفضل من غيرنا، وهم يتفقون معنا أكثر مما يتفقون مع غيرناquot;.

تساعد تركياعلى قيادة الحملة الدولية للإطاحة بالرئيس الأسد وتقديم المساعدات إلى المجلس الوطني السوري المعارض. ويقول مسؤول تركي quot;إننا نبذل كل ما بوسعنا لمساعدة المجلس الوطني السوريquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أن القضية أبعد من سوريا، فأولئك الذين يرغبون في عالم عربي ديمقراطي، بدلاً من الحكم الاستبدادي والراديكالي، ينظرون إلى النموذج التركي كمصدر إلهام لهم. لكن هناك تساؤلات عن مدى تأثير تركيا، وما هو نطاق طموحها، وعمّا إذا كان دورها الموسع انعكاساً للخطر أم للفرص.

خطة أنقرة، كما أوضح داود أوغلو في حديث لصحيفة quot;فاينانشال تايمزquot; في العام الماضي، هي أن تصبح quot;لاعباً عالمياًquot;، وتساعد على بناء quot;حزام من الرخاء والاستقرار والأمنquot; حول نفسها، مضيفاً إن تركيا ستكون لها رؤيا ورأي في كل مناسبة وكل حدث quot;نحن لن نكون محايدين أبداًquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا القرار تحوّل إلى برنامج عمل، ولم يكن مجرد كلام. فهذا العام، بدأت محطة رادار حلف شمال الأطلسي، التي تهدف إلى مواجهة برنامج إيران للصواريخ، عملياتها على الأراضي التركية.

ومازال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في تناقض مع نظيره العراقي على الطائفية السائدة في البلد المضطرب. وتستضيف تركيا، إلى جانب المعارضة السياسية والعسكرية لنظام الأسد، نحو 10 آلاف لاجئ من السوريين، الذين فرّوا عبر الحدود منذ العام الماضي.

تشير دراسة أجريت أخيرًا من 16 بلداً في منطقة الشرق الأوسط من قبل (TESEV)، وهي مؤسسة فكرية، مقرها إسطنبول، إلى أن تركيا تعتبر الدولة ذات الصورة الأكثر ملاءمة ونموذجًا فيالمنطقة، وأنها زعيم اقتصادي يسهم في معظم جهود السلام في المنطقة.

رسم نائب رئيس الوزراء وصاحب محفظة الاقتصاد التركي، علي باباجان، تصوراً لمنطقة اقتصادية مشتركة، تمتد من ألبانيا إلى دولة الكويت، ومن البحرين إلى المغرب، وستكون هذه المبادرة بقيادة تركيا.

واعتبرت الصحيفة أن تركيا quot;بمعنى من المعاني، تعمل على ملء الفراغ في المنطقة في الوقت الذي تقلّص فيه الولايات المتحدة وجودها في منطقة الشرق الأوسط عبر الانسحاب من العراق، وتتطلع إلى حلفاء، مثل أنقرة، للمساعدةعلى تحقيق الأهداف المشتركةquot;.

كما أشاد الرئيس الأميركي باراك أوباماأخيرًا بدور أردوغان، باعتباره واحداً من زعماء العالم الخمسة الذين يعمل معهم بشكل وثيق.

علاوة على ذلك، وبينما تعمل إيران والمملكة العربية السعودية على تعزيز النماذج المتنافسة من السياسة والحكم في البلدان التي تعاني التغيير، أثبت أردوغان أنه وتركيا يشكلان نداءً مستقلاً.

وخلال جولة أردوغان في شمال أفريقيا في العام الماضي، استقبله الآلاف من المصريين في مطار القاهرة بالهتافات والتهليل. وبدا أنه في تلك المرحلة المنتصر الأكبر بلا منازع في الربيع العربي، وذلك بفضل نجاح النموذج التركي، الذي انتقد إسرائيل، إضافة إلى الضغوط على الرئيس السابق حسني مبارك.

لكن في هذه الأثناء، أصبحت أنقرة مشغولة على نحو متزايد بالمشاكل الداخلية، quot;فعلى الصعيد السياسي، تتمتع تركيا بعلاقات جيدة مع دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدةquot;، وفقاً للديبلوماسي أوزدم سانبرك. ويضيف: quot;لكن العلاقات مع سوريا المجاورة والعراق تبدو متوترةquot;.

اعتبرت الـ quot;فاينانشال تايمزquot; أن سوريا قد تكون اختباراً لحدود نفوذ تركيا، فبعد محاولة طويلة وفاشلة في نهاية المطاف من أجل تحسين العلاقات مع دمشق وإقناع الرئيس الأسد بإجراء الإصلاحات، انخرطت أنقرة المحبطة من الأسد في جهود لإسقاط النظام في سوريا.

وذهبت تركيا إلى أبعد من ذلك بترتيب مقابلات صحافية مع قيادة الجيش السوري الحر، مجموعة من المنشقين عن الجيش النظامي السوري الذين يقاتلون ضد الأسد. كما إن أنقرة عضو قيادي في ما يسمّى quot;أصدقاء سورياquot;، وهي مجموعة غير رسمية لدعم المعارضة السورية التي اجتمعت في تونس يوم الجمعة.

لكن خوفاً من تصاعد حدة الصراع على حدودها، تبدو أنقرة غير راغبة في تسليح قوات المتمردين، مشيرة إلى أن كلا الجانبين في الصراع يتلقون بالفعل أسلحة ودعمًا عسكريًا من الدول الأخرى. وعلى الرغم من أنها تسعى إلى إقامة منطقة عازلة على الجانب السوري من الحدود أو quot;ممر إنسانيquot; تحت حراسة قوات حفظ السلام، تقول تركيا إنها لن تنظر في هذه التدابير إلا باتفاق متعدد الأطراف، وكملاذ أخير.

وتعمل تركيا في الوقت الراهن على وضع دستور جديد لتعميق القطيعة مع ماضيها الاستبدادي، غير أن التقدم في هذا الإطار يبقى أمرًا غير مؤكد. ويعترف دبلوماسيون أوروبيون بأن قدرة الاتحاد الأوروبي على إقناع أنقرة باحتضان أكبر قدر ممكن من الإصلاحات قد تلاشت، كما إن إمكانية حصول تركيا على العضوية في الاتحاد باتت ضعيفة.

وشهد اقتصاد تركيا المزدهر في العام الماضي نمواً بنسبة 8 % تقريباً، أي أقل بقليل من الصين ودول العالم البعيدة عن الاقتصادات المتعثرة في منطقة اليورو. لكن الأفق لا يبدو خالياً من السحب، فتركيا تعاني عجزًا بنسبة 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ معدل التضخم فيها أكثر من 10 في المائة.

لكن في المدى المتوسط، يبدو أن تركيا تتقدم إلى موقع أفضل، فأكثر من نصف السكان تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً، وهو مصدر ثابت للنمو في اقتصاد موجّه نحو الطلب المحلي. لذلك من المرجّح أن تشهد أنقرة مستقبلاً أفضل، وتبقى الجار اليقظ والقائد الأبرز في المنطقة.