جون كنيدي في موكبه قبيل اغتياله

منذ اغتيال جون كنيدي ونظريات المؤامرة لا تكف عن التواتر. لكن مسؤولا سابقا في laquo;سي آي ايهraquo; ومرجعا أكاديميا مرموقا في الشؤون الكوبية يتناول الأمر من زاوية غير مطروقة من قبل وتتعلق بالزعيم الكوبي فيدل كاسترو نفسه.


كان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو على علم تام بمخطط لي هارفي اوزوالد لاغتيال الرئيس الأميركي جون إف كنيدي، وذلك قبل أسابيع عدة من تاريخ الواقعة نفسها في 22 نوفمبر / تشرين الثاني 1963.

هذا ما يرد في كتاب جديد من تأليف الدكتور برايان لاتيل، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية laquo;سي آي ايهraquo; والذي يعمل حاليا باحثا مشاركا في الدراسات الأميركية الكوبية في جامعة ميامي. وكان هذا العميل متابعا لملف الزعيم الكوبي منذ الستينات، ويعتبر كتابه الجديد، الذي تداولته الصحافة البريطانية، إضافة لأكثر من نصف قرن من التكهنات الدائرة حول خبايا الحادثة الشهيرة.

لكن لاتيل يقول إن المعلومات التي يقدمها في الكتاب، عمّا كان كاسترو يعلم بمخطط الاغتيال وموعده، مقنعة وتستند الى عدد كبير من الوثائق السرّية وشهادات المنشقين على النظام الكوبي. ويذكر أن لاتيل يعدّ بين أبرز الخبراء بشؤون أميركا اللاتينية وساهمت تحليلاته في صياغة أجزاء مهمة من السياسة الأميركية تجاه هذه الرقعة من العالم وأيضا في صنع القرار في ما يتعلق بها.

لكن المؤلف يقر بأنه هو نفسه أُخذ على حين غرة بما تكشّف له خلال عملية البحث لكتابه المعنون laquo;أسرار كاسترو: سي آي ايه وماكينة كوبا الاستخباراتيةraquo;. ويقول إن السبب في هذا هو أن ما عثر عليه يلقي - ضمن أشياء أخرى - بكم إضافي آخر على الأسئلة الدائرة حول مدى معرفة laquo;سي اي ايهraquo; نفسها بظروف واقعة الاغتيال.

ويشدد لاتيل على أهمية مصادره لكتابه قائلا إنه أخضعها لدرجة عالية من التمحيص والتدقيق. ويضيف: laquo;التقيت عددًا كبيرًا من المنشقين رفيعي المستوى داخل وكالات الاستخبارات الكوبية، واطلعت على ما لا يقل عن 50 ألف وثيقة تصنّفها الحكومة الأميركية laquo;سريةraquo; ومعظمها يعود لأرشيف سي آي ايهraquo;.

غلاف الكتاب

ويمضي لاتيل قائلا إنه شخصيا وجد ما خرج به عسير الهضم وصعب التصديق وذا وزن أكبر كثيرا من كل ما قيل حول اغتيال الرئيس الأميركي السابق. فيكشف، مثلا، أن بين أبرز الذين أدلوا له بشهادات لا تقدر بثمن فلورينتينو اسبيلاغا الذي كان من أعمدة القيادة داخل الاستخبارات الكوبية والذي وُصف انشقاقه في 1987 عن نظام بلاده بأنه laquo;إحدى أكبر نكسات فيدل كاسترو على مدى سنين حكمهraquo;.

ويزعم اسبيلاغا أن قيادة الاستخبارات الكوبية أصدرت اليه توجيها في 22 نوفمبر 1963 (تاريخ اغتيال كنيدي) بالتخلي عن واجباته الروتينية في هافانا في ذلك اليوم والتفرغ لتلقف الأخبار الواردة من ولاية تكساس (حيث اغتيل الرئيس الأميركي في ثالث أكبر مدنها دالاس). ويقول إن هذا التوجيه غير المألوف لم يأت مرفقا بالسبب فيه.

وبعد انقضاء ساعات قليلة على هذا الأمر، يقول اسبيلاغا، حملت الأنباء اغتيال كنيدي بيد لي هارفي اوزوالد (24 عاما) الذي كان معروفا بميوله الشيوعية وصار مدى صلاته بالنظام الكوبي محل تكهنات واسعة النطاق منذ ذلك الحين. ويمضي اسبيلاغا ليفجر قنبلته قائلا: laquo;كان فيدل كاسترو على علم بما سيحدث.. كان يحيط علما تاما بمخطط الاغتيال كله. هذا بالضبط ما قلته لسي آي ايه بعيد انشقاقي في 1987raquo;.

ويقول مؤلف الكتاب ايضا إن جاك تشايلدز، أحد أكبر جواسيس الحرب الباردة الأميركيين الذين نجحوا في التسلل الى صفوف الحزب الشيوعي الأميركي منذ الخمسينات كشف في وثائق مكتب التحقيقات الفيدرالي laquo;إف بي آيraquo; عن سر صادم اثناء لقاء له مع الزعيم الكوبي في 1964.

ويقول تشايلدز إن السلطات الكوبية في مكسيكو سيتي حرمت لي هارفي اوزوالد - قبل اسابيع قليلة من عملية الاغتيال - من الحصول على تأشيرة دخول بلادها. واهتاج اوزوالد لهذا القرار وقال للمسؤولين الكوبيين: laquo;سأقتل جون كنيدي لأنه السبب في حرماني من زيارة هافاناraquo;. ويضيف تشايلدز إن كاسترو هو الذي اطلعه في ذلك الاجتماع بينهما على قصة اوزوالد في السفارة الكوبية.

وكان معروفا عن السفارة الكوبية في المكسيك أنها كانت في ذلك الوقت laquo;مشغولة فقط بمكافحة التجسس الأميركي. وقبل ساعات من اغتيال كنيدي التقطت مايكروفونات التنصت الأميركية المزروعة فيها من قبل laquo;إف بي آيraquo; حديثا بين مسؤولين كوبيين عن تفاصيل لم تكن معروفة عن أوزوالد داخل الولايات المتحدة نفسها في ذلك الوقت.

وتكشف الوثائق الأرشيفية، كما يقول لاتيل، أن أجهزة التنصت الأميركية في هذه السفارة التقطت أيضا مكالمة هاتفية من مسؤول استخباراتي كوبي يسأل فيها مسؤولة في السفارة، اسمها لويزا كالديرون، عما إن كانت قد سمعت باغتيال كنيدي. فقالت ترد عليه: laquo;بالطبع، علمت به قبل كنيدي نفسهraquo;!

ويقول لاتيل إن كاسترو لم يشعر بما يلزمه بإخطار السلطات الأميركية على نوايا اوزوالد. وهذا موقف طبيعي تقريبا إذا علمنا أنه كان قد وقف مع أميركا على شفا حرب نووية خلال ما يعرف بأزمة الصواريخ الكوبية قبل ذلك بسنة. كما أنه كان على علم تام بمخطط سي آي ايه الرامي لاغتياله هو نفسه.