عاشت الجزائر يوم حداد الخميس غداة وفاة احمد بن بلة اول رئيس للبلاد بعد الاستقلال الذي ستقام له جنازة وطنية الجمعة.


الجزائر: عاشت الجزائر يوم حداد الخميس غداة وفاة احمد بن بلة اول رئيس للبلاد بعد الاستقلال الذي ستقام له جنازة وطنية الجمعة تليق بهذا المناضل الكبير ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي.

وتوافد العشرات من الرسميين والدبلوماسيين والقادة العسكريين على قصر الشعب، احدى مقار رئاسة الجمهورية الجزائرية، لالقاء النظرة الاخيرة على جثمان احمد بن بلة في ثاني يوم من الحداد الوطني الذي يدوم ثمانية ايام.

وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اول المعزين في بيت الفقيد بحي حيدرة الراقي، قبل ان يتوجه الى قصر الشعب ليتقدم الرسميين الذي القوا النظرة الاخيرة على الراحل الذي لف جثمانه بالعلم الوطني.

ووقف رئيس الوزراء احمد اويحيى ووزراؤه واكبر قادة الجيش الجزائري والعديد من السفراء والعشرات من الجزائريين العاديين الذين تنقلوا تحت سماء ممطرة الى قصر الشعب لتوديع quot;اب الجزائريينquot; كما وصفته الصحافة الذي توفى عن 95 سنة والذي لم ينجب ابناء.

وقال السيد احمد سيكارا (77 سنة) الضابط السابق في جيش التحرير الجزائري ورفيق بن بلة لفرانس برس quot;جئت لألقي النظرة الاخيرة على رفيقي بعدما لم اتمكن من عيادته في المستشفى العسكري، فقد كان بن بلة من المناضلين الاوائل في حرب تحرير الجزائر واستلمها بعد الاستقلال في وضعية صعبة لكنه بذل جهده ليحافظ على استقلال البلاد وسيادتها على كل اراضيهاquot;.

اما ياصف سعدي قائد المنطقة الحرة في الجزائر العاصمة خلال حرب التحرير (1954-1962) فاكد ان quot;بن بلة سيبقى خالدا في ذاكرة الجزائريين كما بقي نابليون خالدا في ذاكرة الفرنسيين، فهو من الشخصيات التي ساهمت في صناعة التاريخquot;.

واوضح سعدي انه زار بن بلة اخر مرة في بيته منذ ثلاثة اشهر ووجده quot;مازحاquot;.

وكان ياصف سعدي هو الذي مهد الشارع الجزائري لتقبل دخول بن بلة واعتلاء السلطة في ظل النزاعات التي اندلعت مباشرة بعد انسحاب الفرنسيين في 1962 بين قادة جيش التحرير الجزائري.

من جانبه قال الامين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين (المقاتلين القدامى) سعيد عبادو لوكالة فرنس برس quot;يكفي انه كان اول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة وقبلها عرف بنضاله، وسيبقى رمزا من رموز الجزائرquot;.

اعلنت الجزائر الحداد الوطني لثمانية ايام على احمد بن بلة الذي كان رئيسا للجزائر بين 1962 و1965 والذي توفي الاربعاء في منزل العائلة في الجزائر.

وقال محمد بن الحاج كاتب سيرته لفرانس برس ان الرئيس السابق quot;كان بخير الثلاثاء، لكنه شعر فجأة بارهاق وصعد الى غرفته لينام. وتوفي بعد ظهر (الاربعاء) الساعة 15,00 (14,00 تغ) خلال نومه وكانت الى جانبه ابنتاه مهدية ونورياquot;.

وتقرر تنظيم جنازة وطنية لبن بلة الجمعة بعد الصلاة قبل دفنه في مربع الشهداء في مقبرة العالية في الضاحية الشرقية للعاصمة. وهي نفس المقبرة التي دفن فيها الرئيسان الراحلان هواري بومدين قائد الانقلاب على بن بلة في 1965 الذي توفي في 1978 ومحمد بوضياف الذي اختار المنفى بعد خلافه مع بن بلة مباشرة بعد الاستقلال.

واعلن الرئيس التونسي المنصف المرزوقي انه سيحضر الجنازة وكذلك رئيس الحكومة المغربية عبدالله بنكيران.

ووجه العاهل المغربي محمد السادس رسالة تعزية الى الرئيس بوتفليقة بفقدان هذا القائد التاريخي الذي قال انه لا يشكل فق خسارة للشعب الجزائري وانما للمغرب العربي والامة العربية.

كما حيا رئيس نيجيريا غودلاك جوناثان quot;شجاعة وبسالةquot; بن بلة في النضال من اجل الحرية والتي جعلته من ابطال تحرير افريقيا.

ولد الرئيس بن بلة في 25 كانون الاول/ديسمبر 1916 بمدينة مغنية (غرب) من عائلة مزارعين من اصل مغربي وواصل تعليمه الثانوي بمدينة تلمسان وادى الخدمة العسكرية سنة 1937.

كان من الزعماء الكبار الذين انضووا تحت لواء حركة عدم الانحياز الى جانب الثوري الكوبي فيدل كاسترو والزعيم المصري جمال عبد الناصر والهندي جواهر لال نهرو والصيني ماو تسي تونغ.

ولم يبق لفترة طويلة رئيسا للجزائر رغم فوزه في الانتخابات في 16 ايلول/سبتمبر 1963 ليصبح اول رئيس للجمهورية الجزائرية، فقد اطاح به نائبه ووزيره للدفاع هواري بومدين في 19 حزيران/يونيو 1965 واودعه السجن.

وقال محمد بن الحاج كاتب سيرته الذاتية ان quot;بن بلة لم يتوقع ان يتعرض للخيانة من قبل بومدينquot;.

واضاف ان quot;بن بلة اودع السجن في ظروف قاسية خصوصا بين عامي 1965 و1969. ومنع حراسه من التحدث اليه وكان يتلو القرآن بصوت عال ليستمع الى صوتهquot;. وتابع quot;كانت الغاية من ذلك دفعه الى الانتحارquot;.

ولعل هذه المعاناة من بين الاشياء quot;الخطيرةquot; في مذكرات احمد بن بلة التي لم تنشر كما اكدت صحيفة الشروق.

وقالت الصحيفة ان quot;الاديبة الجزائرية احلام مستغانمي كانت من اكثر المهووسات بكتابة قصة حياة الرئيس أحمد بن بلة (...) لكنه رفض عرضها، وقال لها في 2001 انه كتب فعلا مذكراته ولكنه لن ينشرها لأنها خطيرة جدا وتعني اناسا لا يمكنه ان يلتقي بهم بعد نشره هذه المذكراتquot;.

واشارت صحيفة الوطن الى ان quot;بن بلة هو بدون ادنى شك السياسي الاكثر اثارة للجدل والاكثر تعقيدا في تاريخ البلادquot;.

وذكرت صحيفة quot;لاكسبرسيونquot; انه quot;في عهد بن بلة جرى تأميم الحمامات والمخابز وادخال ماسحي الاحذية الى المدارس، ومواجهة تحديات ما بعد الحرب ومن بينها عودة اللاجئين وخروج الفرنسيين من المصانع والمزارعquot;.

من جهتها كتبت صحيفة وهران ان quot;القائد التاريخي للثورة رحل عشية الذكرى الخمسين للاستقلالquot; في 5 تموز/يوليو.

وبعد ان امضى بن بلة 24 عاما في السجن انتقل عام 1980 الى المنفى الارادي في فرنسا وسويسرا لكنه بقي فاعلا في الحياة السياسية حتى وفاته حيث ترأس منذ 2007 لجنة الحكماء الافارقة المفوضة تفادي وحل مشاكل القارة السمراء.

وقد استقبل بن بلة في 2011 المرشح الاشتراكي للرئاسة الفرنسية فرنسوا هولاند، الذي كان الخميس اول سياسي اجنبي يعزي بوفاته.

وحيى هولاند في بيان ذكرى بن بلة، مؤكدا انه quot;سيبقى بالنسبة للفرنسيين والجزائريين احد رموز حقبة تاريخية مصيرية للبلدينquot;.