تقرير سري ألقى الضوء على قدرة الناتو على شن حملات جوية

ألقى تقرير سري الضوء على قدرة الناتو على تنفيذ حملات جوية مماثلة لتلك التي حصلت في ليبيا، من دون دعم الولايات المتحدة. وقال مسؤولون أميركيون إن عملية كهذه في سوريا ستحتاج إلى قدرات أكبر إذ إن لدى سوريا جيشًا أقوى ودفاعات جوية أكثر تطورًا.


لندن: رغم الثناء الذي كالته العواصم الغربية على قيادة حلف الأطلسي (الناتو) للحملة الجوية في ليبيا، فإن تقريرًا سريًا يرسم صورة مغايرة لقدرة الحلف على تنفيذ مثل هذه الحملات من دون دعم كبير من الولايات المتحدة.

وخلص التقرير الذي أُعد لتقييم العملية الأطلسية الى أن الحلفاء لاقوا صعوبة في تبادل معلومات بالغة الأهمية عن الأهداف، وكانوا يفتقرون الى المخططين والمحللين المتخصصين واعتمدوا اعتمادًا مفرطًا على الولايات المتحدة في عمليات الاستطلاع والتزود بالوقود في الهواء. وتقوض نتائج التقرير الفكرة القائلة بأن التدخل كان عملية نموذجية، وأن بإمكان الناتو أن ينفذ حملة أعقد في سوريا من دون هذا الاعتماد المفرط على القوات الأميركية. وقال التقرير إنه حتى بمساعدة الولايات المتحدة لم تكن لدى حلف الأطلسي إلا 40 في المئة من الطائرات التي كان يحتاجها لاعتراض الاتصالات الالكترونية، وهو نقص نال من فاعلية العملية، بحسب التقرير.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين أن القيام بعملية مماثلة في سوريا سيطرح تحديات أكبر على الحلف من حملة الأشهر السبعة التي أنهت نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا. وأن لدى سوريا جيشًا أقوى ودفاعات جوية روسية الصنع أكثر تطورًا، سيحتاج تدميرها الى أسابيع من الغارات الجوية، كما يرى مسؤولون في البنتاغون.

وقال مسؤول كبير في حلف الأطلسي إن المعارضة السورية أيضًا مفككة وأكثر تشتتًا مما كانت عليهالمعارضة الليبية وأن هذا يجعل التنسيق مع الثوار أصعب.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن دبلوماسي اوروبي اطلع على التقرير السري الذي يقع في 37 صفحة أن أي خطة بشأن سوريا، حتى إذا أُعدت بمفردات افتراضية محضة، ستعتمد هي الأخرى اعتمادًا كبيرًا على الولايات المتحدة.

ومن المتوقع أن تنال نتائج التقرير وتوصياته مصادقة وزراء الناتو في اجتماعهم في بروكسل الأسبوع المقبل، بحسب نيويورك تايمز مشيرة الى أن اتفاق خلاصات التقرير مع تقييمات أولية سابقة، توصل الى أن الطائرات الأوروبية والكندية نفذت القسم الأكبر من الطلعات القتالية لحماية المدنيين الليبيين في حين تولت الولايات المتحدة تأمين الاسناد العسكري الذي كان ضروريًا لإنجاز المهمة.

ولكن التقرير وأكثر من 300 صفحة من الوثائق المرفقة التي حصلت نيويورك تايمز على نسخ منها، يتضمن تفاصيل جديدة عن وجود ثغرات في التخطيط ونقص في الكادر وقصور في تنفيذ المهمات القتالية فضلاً عن ارتجال القادة للتكيّف مع الوضع.

كما يسلط التقرير الضوء على قضية مهمة تعود الى حروب البلقان في عقد التسعينات وهي أن الولايات المتحدة تدخلت بسبب عجز حلف الأطلسي بقدراته الذاتية وحدها عن حسم الموقف. فالولايات المتحدة كانت المصدر الرئيسي للذخيرة الموجهة ذات الدقة العالية التي استُخدم منها في ليبيا 7700 قنبلة وصاروخ كلها عمليًا من الولايات المتحدة فضلاً عن الغالبية العظمى من طائرات الاستطلاع الجوي.

وقال التقرير: quot;إن حلف الأطلسي يبقى شديد الاعتماد على حليف واحدquot; لتوفير طائرات الاستطلاع الجوي، وجميع المعلومات الضرورية للقائد العسكري.

لكنّ مسؤولين أميركيين ومن دول الحلفاء رأوا جانبًا ايجابيًا في انتقادات التقرير. وقال المسؤولون إن حلف الأطلسي قام بدور مهم في مساعدة أعضائه على الموافقة في شباط (فبراير) على بناء منظومة استطلاع خاصة به تتيح رصد القوات المعادية واستهدافها.

كما أسهم التقرير في تمرير مبادرة فرنسية مدعومة أميركيًا لإقامة مركز متخصص بطائرات الاستطلاع، بما في ذلك طائرات بدون طيار، في قاعدة جوية ايطالية في صقلية على غرار المركز الذي أقامه الأطلسي في افغانستان.

يضاف الى ذلك أن وزراء دفاع الأطلسي وافقوا الشهر الماضي على مشروع طموح لتوسيع أسطول الحلفاء من طائرات تزويد الطائرات الحربية بالوقود في الجو.

وأشارت صحيفة نيويورك تايمز الى أن غالبية توصيات التقرير وخاصة المتعلقة بشراء طائرات وتكنولوجيات باهظة الكلفة تحتاج الى سنوات لتنفيذها، وأن هذه الحلول لن تلبي المطالب الآنية لدعاة استخدام القوة الجوية في حماية المدنيين من المجزرة التي يتعرضون لها في سوريا.

وكان اثنان من الداعين الى مثل هذا التدخل وهما عضوا مجلس الشيوخ الأميركي جون ماكين، وجوزيف ليبرمان، زارا مخيمًا للاجئين السوريين في تركيا قبل اعلان وقف اطلاق النار يوم الخميس الماضي. وجدد الاثنان دعوتهما الى تسليح المعارضة السورية والتدخل عسكريًا بإقامة ملاذات آمنة للاجئين السوريين والمعارضين الذين يتدربون فيها.

وكان الرئيس اوباما طلب من البنتاغون اعداد قائمة اولية بالخيارات العسكرية في سوريا، وهي خطوة روتينية يقتضيها التخطيط العسكري تحسبًا لنشوء أوضاع طارئة خلال الأزمات التي تحدث في انحاء العالم، ولكن الإدارة ما زالت تعتقد ان استخدام الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية هما الطريق الأجدى لوقف البطش الذي يمارسه النظام السوري.

وأعد التقرير الذي أُنجز في 28 شباط (فبراير)، مركز التحليل المشترك والتعلم من الدروس التابع لحلف الأطلسي في البرتغال، وحدد 15 درسًا سياسيًا وتنظيميًا وتسليحيًا بما في ذلك نواقص متعددة.

واكتشف التقرير من بين نواقص أخرى أن المعلومات الخاصة بالاهداف في ليبيا توفرت من القواعد البيانية لدول منفردة، وأن الكثير من هذه المعلومات لم يتسنَ تبادلها بسرعة بين أعضاء الأطلسي وشركائه، بسبب quot;تصنيفها أو لأسباب اجرائيةquot;.

وكانت قيادة الأطلسي في ايطاليا تعاني من نقص خطير في المستشارين السياسيين والقانونيين والمحللين الاستخباراتيين والمخططين اللوجستيين والمتخصصين في انتقاء الأهداف.

والتزم التقرير جانب الصمت حول اتهامات بمقتل عشرات المدنيين في عمليات أطلسية، وثّقها باحثون مستقلون والأمم المتحدة على السواء، وامتناع سفن الحلف عن الاستجابة لنداءات استغاثة وجهتها زوارق تحمل مهاجرين هاربين من القتال هلكوا لاحقًا في عرض البحر.

وقال فريد ابراهامز، المستشار الخاص في منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان إن التقرير يلتزم برفض حلف الأطلسي الاعتراف بارتكاب اخطاء واضحة وأنه كشف عن quot;قرار متعمد بألا ينظر في وقوع ضحايا مدنيينquot;. وأضاف ابراهامز أن التقرير لا يتعلق بدروس تعلمها حلف الأطلسي بل بدروس أضاعها.

كما أغفل التقرير الاشارة الى وضع فرق من المراقبين الجويين على الأرض في مرحلة لاحقة من النزاع، للمساعدة في توجيه الطائرات نحو أهدافها أو أن القوات المناوئة للقذافي، كانت تقدم توصيات بشأن الأهداف إلى حلف الأطلسي بوسائل غير نظامية، احيانًا، حتى باستخدام موقع تويتر أو البريد الالكتروني.