في الوقت الذي طالبت فيه عضو لجنة حقوق الانسان النيابية اشواق الجاف الحكومة العراقية ومجلس النواب الاسبوع الماضي بعدم السكوت على ظاهرة انتحار النساء، التي ازدادت مؤخرًا، داعية الى التحرك والإسراع في اقرار قانون العنف الاسري، فإن المؤشرات تؤكد تفاقم الظاهرة التي يتم تداول قصصها بين الناس.
ظاهرة الانتحار تبدو أكثر حضورًا لدى الفئات الشعبية الفقيرة في العراق |
بغداد: حاولت سعاد حسن من مدينة الشعلة في بغداد الانتحار بسبب عدم تمكنها من النجاح في امتحان الثانوية النهائي حيث كانت تأمل في الدخول الى الجامعة، وبسبب ضغوط الاهل وتأنيبها على الفشل، حاولت الانتحار.
تصف سعاد التي تعافت من الازمة النفسية التي ألمت بها كيف أن عدم اكتراث الاهل ترك آثارًا نفسية في داخلها. وتتابع :quot;حين تناولت حبوب (الباراسيتمول) بكثرة، فقدت الوعي تدريجيًاquot;، لكنها نقلت الى المستشفى في الوقت المناسب. وتسعى سعاد اليوم الى الاجتهاد وإعادة الكرة في محاولة الدخول الى الجامعة رغم الصدمة التي تركت آثارًا لا تمحى من حياتها.
العلاقات العاطفية والشك في السلوك
يشير الخبير التربوي عصام حسن الى أن محاولات الانتحار بين الطلاب تصبح اكثر انتشارًا بسبب المرحلة العمرية الحرجة التي يمرون بها والتي تتميّز بالحساسية وقوة الاندفاع والطموح. كما تلعب العلاقات العاطفية والشك في السلوك دورًا كبيرًا في سلوكيات الشاب أو المراهق.
ويصف حسن حالة شاب عراقي حاول الانتحار بسبب انقطاع علاقته العاطفية مع فتاة احبها.
كما يصاب الكثير من الطلاب باليأس والإحباط بسبب تعثرهم في الحصول على معدل نجاح يؤهلهم للدخول الى الجامعة. لكنّ انتحار الطالبات ndash; بحسب حسن ndash; هو الاكثر شيوعًا، وغالبا ما ينتج عن احباط دراسي أو عاطفي أو عنف أسري.
طرق الانتحار
الطبيب لؤي العتبي يشير الى أن الطرق التي يسلكها المنتحرون مختلفة، لكن الشائع منها في العراق هو الحرق - يشيع ذلك كثيرًا في اقليم كردستان في العراق ـ أو عبر تناول السموم مثل مبيد الحشرات أو مادة الكلور أو تناول الحبوب الدوائية بكميات كبيرة مثل الباراسيتيمول.
وبحسب العتبي فإن الحالات التي عايشها لا تشمل طبقة أو فئة اجتماعية معينة، وهي تحدث بين الأسر الفقيرة والغنية على حد سواء لكن اكثرها يحدث بين الأسر الفقيرة.
الناشطة النسوية لمياء الجبوري تقول إن الاسباب الاقتصادية والعنف الأسري أحد دوافع الانتحار بين الأسر الفقيرة، في حين أن الازمات النفسية مثل الكآبة واليأس العاطفي والعلاقات الجنسية، من الاسباب المهمة للانتحار بين أناس ينتمون الى الطبقات المتوسطة والغنية.
وتتابع: quot;اكتشاف علاقة جنسية يعد سببًا رئيسيًا في انتحار الفتيات في العراق، تضاف الى ذلك ايضًا الخلافات العائلية والزوجية وجرائم الشرفquot;.
وبحسب الكاتبة والناشطة النسوية بيان صالح فإن quot;الانتحار حرقًا أصبح أحد الخيارات المرة للمرأة في كردستان العراق في ظل سيادة المجتمع الذكوري الذي تُمارس فيه جميع أنواع العنف الأسري والنفسي والجنسي وشتى أنواع الضغوطات التي تقيد حرية المرأة، وحيث تهان كرامتها ويقلل من قيمتها وإنسانيتها في كل لحظةquot;.
وتشير احصائيات العام 2009 في اقليم كردستان الى أن هناك 2658 امرأة تعرضن للعنف في سنة 2009، منهن 414 امرأة انتحرن حرقًا أو تم حرقهن.
وتعدد الجبوري طرق الانتحار في العراق وهي إما بشنق النفس التي هي طريقة نادرة جدًا في العراق، بينما يشيع الانتحار بالسم والأدوية والإطلاقات النارية.
بين النساء
يفسر الطبيب النفسي كاظم جبر أن اغلب حالات الانتحار في العراق سببها اليأس والإحباط، لاسيما بين النساء، حيث تواجه المرأة ضغوطًا أسرية ومجتمعية، من جانب، وتتعايش يوميًا مع انفتاح اعلامي عبر التلفزيون والانترنت مما يجعلها تعيش حياتين في وقت واحد، الحياة الاولى هي الحياة الواقعية بايجابياتها وسلبياتها، والحياة الثانية هي الحياة الافتراضية التي تمتاز بالحرية والانفتاح.
ويتحدث جبر عن مريضات يعانين من الكآبة الحادة لعدم قدرتهن على الانسجام مع الواقع ويفضلن الجلوس خلف الحاسوب حيث يقضين اغلب الوقت في تصفح النت، وهنّ من عائلات غنية ويتوفر لهن من سبل الحياة ما لا يتوفر للفتاة الفقيرة.
غياب العلاج والرعاية
وتروي امينة حاتم أن ابنتها كانت تفضل الموت بسبب عدم قدرتهاعلى الحصول على وظيفة رغم أنها خريجة جامعية وتتميز بمهارات جيدة في الثقافة واللغة، لكنها اصيبت بانتكاسة حين رأت أن الكثيرات ممن لا يمتلكن مثل مؤهلاتها اكملن دراستهن وحصلن على وظائف مرموقة.
وحاولت ابنة امينة الانتحار مرتين بتناول الحبوب المخدرة لكنها نجت من الموت بإعجوبة. لكن الكثير من حالات الانتحار، بحسب الباحثة الاجتماعية لمياء حسن ،سببه العلاقات العاطفية، والتزويج بالاكراه للمرأة، وعدم الاكتراث لإرادة المرأة في هذا الصدد.
فقد فضلت هيفاء معتصم من بغداد ndash; بحسب الباحثة لمياء ndash; الموت على ارغامها على الزواج من ابن عمها.
وانتحرت هيفاء بعد مضي نحو أشهر من زواجها، لكنها لم تسلم من الإشاعات، فقد تردد بين المجتمع الذي تعيش فيه أن زوجها اتهمها بأنها لم تكن بكرًا ليلة ( الدخلة)، ودارت نقاشات بين اهل الزوجين حول الموضوع، مما جعلها تنهي حياتها بإحراق نفسها.
وبحسب الباحثة، فإن عدم لجوء الأسر الى الباحثين الاجتماعيين ومراكز العلاج النفسي، يفاقم من الظاهرة ويجعل حوادث الانتحار (ملتبسة) فحتى الطبيب يجهل الكثير عن تاريخ المرأة المرضي.
وتتابع: quot;اغلب أسباب الحوادث غير موثقة، بل وغير صحيحة في بعض الاحيان لأنها تصل الى الجهات المعنية عن طريق الاستماع الى شهادة اشخاص هم في الكثير من الاحيان مجرد شهود عيان طارئين ويجهلون الحالة النفسية للمرأة المنتحرةquot;.
وحاولتلمياء عبر بحث لها الاقتراب من الاسباب الحقيقية للانتحار فوجدت أن الكثير من الاسر ترفض الحديث عن الظروف التي قادت الى هذا المصير، بل أن بعض الاسر ترفض حتى استقبال الباحث الذي يحاول دراسة الظاهرة.
وتعتقد الباحثة لمياء أن صعوبات الحياة بين الطبقات الفقيرة سبب رئيسي في انتحار النساء، يضاف اليه الانتحار بدوافع الشرف، ومثال ذلك ساجدة حسن من الديوانية (193 كلم جنوبي بغداد) التي فضلت الانتحار بعدما اغتصبت.
وتضيف لمياء: quot;بعد حادثة الاغتصاب عاشت ساجدة وحيدة لا أحد يقترب منها واعتبرت فتاة منبوذة، كما لم تعالج نفسيًا أو تخضع لجلسات علاج على يد طبيب أو مراكز رعاية ضحايا الاغتصاب والعنف الاسري، وكل تلك العوامل جعلتها تنهي حياتها بنفسها.
الجدير بالذكر أن عراقيين دعوا مجلس النواب الاسبوع الماضي الى الاسراع في اقرار قانون العنف الأسري الذي تطالب به شرائح مختلفة من النساء والشباب في مختلف انحاء العراق.
التعليقات