وفاة عبد الباسط المقراحي ألقت الضوء من جديد على قضية لوكربي

رغم مرور 23 عاما على تفجير لوكربي ومقتل 270 شخصا، لا يزال الملف مفتوحا والتساؤلات حول من هم المسؤولون عن هذا الحادث، وألقت وفاة عبد الباسط المقراحي، المدان الوحيد في عملية التفجير، الضوء مجددا على التفجير وأعرب أهالي الضحايا عن فرحهم بموته.


لندن: بعد أكثر من 23 عاما على تفجير طائرة بان أم، فوق قرية لوكربي الاسكتلندية ومقتل 270 شخصا، اتسمت وفاة عبد الباسط المقراحي، المدان الوحيد في عملية التفجير، بالجدل نفسه الذي اتسم به الحادث حول مَنْ هم المسؤولون عن الهجوم في نهاية المطاف وما إذا كان المقراحي أحدهم.

رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي يحضر قمة حلف الأطلسي في شيكاغو أعرب عن اقتناعه بمسؤولية المقراحي، كما قررت هيئة القضاة الاسكتلنديين الذين حاكموه في هولندا عام 2001.

وكرر كاميرون ما قاله في زيارته الاولى للولايات المتحدة قبل عامين بأن تفجير الطائرة كان عملا ارهابيا مريعا وما كان على الحكومة الاسكتلندية ان تفرج عن المقراحي في آب (اغسطس) 2009 على أساس انه لن يعيش أكثر من ثلاثة أشهر لإصابته بالسرطان. واتفق مع كاميرون ذوو الضحايا وخاصة الـ 189 اميركيا الذين كانوا على متن الطائرة. وتحدثت باسمهم سوزان كوهين التي قُتلت ابنتها ذات العشرين عاما في تفجير الطائرة قائلة ان المقراحي quot;إذا مات بألم وعذاب فأنا راضية بذلكquot;. اضافت ان وفاة المقراحي يوم الأحد ليست عزاء لذوي الضحايا مؤكدة quot;ان السلام لا يوجد في الحقيقة للآباء والامهات الذين فقدوا اطفالهمquot; وان وفاة المقراحي quot;لا تسدل الستار على الواقعةquot;.

ودأب المتعاطفون مع المقراحي على القول منذ ادانته وبطاقة متجددة بعد السماح له بالعودة الى ليبيا بعد أن قضى 8 سنوات من الحكم عليه بالسجن 27 عاما في سجن اسكتلندي، على القول إنه ضحية أدلة خاطئة وتواطؤ بين اجهزة الاستخبارات الغربية في حجب معلومات بالغة الأهمية. واشار المتعاطفون مع المقراحي الى ايران والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة التي تتخذ من سوريا مقرا لها ، بوصفهما الجهتين المسؤولتين عن تفجير لوكربي.

وطبقا لهذه الرواية، فإن البداية كانت قرارا بالثأر من هجوم أميركي سابق، وان هذا الهجوم ليس الهجوم الذي ورد ذكره اثناء المحاكمة، أي قصف مقر العقيد معمر القذافي في طرابلس، بأمر من الرئيس رونالد ريغان عام 1986 بعد مقتل عسكريين اميركيين في تفجير ملهى ليلي في برلين، بتدبير من الاستخبارات الليبية، وانما اسقاط طائرة مدنية ايرانية بصاروخ اطلقته مدمرة أميركية بطريق الخطأ في تموز (يوليو) 1988 فوق مياه الخليج ومقتل 290 شخصا كانوا على متن الطائرة.

ولكن كوهين والعديد من ذوي الضحايا الاميركيين اقتنعوا منذ فترة طويلة بقرار المحكمة التي توصلت الى ان ليبيا مسؤولة عن تفجير لوكربي في كانون الأول (ديسمبر) 1988 وان المقراحي الذي كان عنصرا في الاستخبارات الليبية ينتحل صفة مسؤول أمني في شركة الطيران الليبية، كان احد المسؤولين الكبار عن تخطيط عملية التفجير.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن كلوديا غريس ويلز التي فقدت صديقتها في الحادث قولها يوم الأحد quot;انا عادة لا افرح بوفاة أحد لكني لا أستطيع القول اني آسفة أو أشعر بأي أسى على هذا الرجلquot;.

واشارت ويلز التي تقول انها نفسها كانت مصابة بالسرطان الى تفهم شيء مما عاناه المقراحي في مرضه وربما تكاد تتعاطف مع معاناته حين توفي بالسرطان، ولكنها أضافت ان المقراحي أُعيد الى أهله ليكون بين أحبائه في حين ان صديقتها لاقت حتفها ساقطة من ارتفاع 31 الف قدم.

وقالت الحكومة الاسكتلندية إنه حتى وفاة المقراحي قد لا تغلق ملف الطائرة الاميركية المنكوبة. ولاحظ رئيس الحكومة الاسكتلندية اليكس سالموند ان تحقيقات الشرطة الاسكتلندية في عملية التفجير لم تُغلق، وان الحكومة الليبية التي شُكلت بعد مقتل العقيد القذافي العام الماضي quot;وعدت بالتعاون في محاولة لتحديد المسؤول في نهاية المطافquot;.
وقال كولن بويد المدعي العام في محاكمة المقراحي وعضو مجلس اللوردات حاليا، quot;ان آخرين كانوا ضالعين بلا ريب في عملية التفجير وان هناك لا شك فرصا جديدة للتحقيقquot;.

وأوضح مسؤولون كبار في الحكومة الانتقالية الليبية ان أي ملاحقات قانونية جديدة سيتعين ان تكون تحت اشراف ليبيا. وانضم مسؤولون كبار من مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي الى مسؤولين من الادعاء العام الاسكتلندي في زيارة طرابلس خلال الاسابيع الأخيرة، للمطالبة بتمكين المحققين الأميركيين والبريطانيين من العمل على القضية في ليبيا، ولكن مسؤولين في الحكومة الانتقالية الليبية أبدوا تحفظا في هذا الشأن وأصرّوا على ان أي تحريات وملاحقات جديدة هي من اختصاص القضاء الليبي.

وبعد وفاة المقراحي، استأنف الدفاع عنه أشد المؤمنين ببراءته واكثرهم اثارة للجدل في بريطانيا وهو الطبيب جيم سواير (75 عاما) الذي قُتلت ابنته فلورا ذات الثلاثة وعشرين عاما في التفجير، وأعرب الدكتور سواير عن شكه في القضية قبل سنوات على تسليم النظام الليبي المقراحي والامين خليفة فهيمة للمحاكمة، وأُغمي عليه في قاعة المحكمة عندما أُدين المقراحي وبُرئ فهيمة.
ومنذ ذلك الحين، لم يكف سواير عن المطالبة بفتح تحقيق مستقل جديد في عملية التفجير قائلا انه ليست هناك أدلة موثوقة تؤكد ضلوع المقراحي، وان هناك الكثير من الأدلة التي تشير الى ايران بوصفها الجهة المسؤولة وليس ليبيا.

وقال الدكتور سواير في مقابلات بُثت يوم الأحد إن قرينتين حاسمتين من الأدلة التي قدمت خلال محاكمة المقراحي قرينتان لا يُعتد بهما وباطلتان هما تعرُّف صاحب متجر مالطي على المقراحي بوصفه الرجل الذي ابتاع ألبسة لُفت بها العبوة الناسفة، وقطعة من لوحة دائرة كهربائية عُثر عليها بين الأدلة وقيل إن مصدرها شحنة دوائر كهربائية كهذه صُدرت الى ليبيا. وذهب الدكتور سواير الى ان صاحب المتجر أُقنع بالتعرف إلى المقراحي مقابل quot;ملايين الدولاراتquot; التي وعدت بها أجهزة استخبارات غربية، وان لوحة الدائرة الكهربائية هي من نوع استخدمته الاستخبارات الايرانية في سلسلة تفجيرات.

وتحدث الدكتور سواير بحزن عن وفاة المقراحي قائلا انه التقاه آخر مرة في كانون الأول (ديسمبر) حين كان المقراحي على فراش المرض يعاني آلاما شديدة.