مع انزلاق سوريا إلى حرب أهلية، أخذت روسيا تومئ إلى أنها لم تعد تعتبر الرئيس بشار الأسد في وضع يمكن الدفاع عنه، وراحت تعمل مع الولايات المتحدة للبحث عن عملية انتقال سياسي منتظمة.


إعداد عبد الإله مجيد: من المقرر أن يتوجه وفد أميركي برئاسة فريد هوف المستشار الخاص لوزيرة الخارجية هيلاري كلنتون بشأن الملف السوري إلى موسكو في 8 حزيران/يونيو لإجراء محادثات مع المسؤولين الروس. وسيحاول الجانبان الاتفاق على معالجة مشتركة لتنحية الأسد أو حتى إبعاده من سوريا، والاستعاضة عنه بوجه مقبول من طرفي النزاع، كما نقل موقع بلومبرغ الإخباري عن اثنين من المسؤولين الأميركيين طلبا عدم ذكر اسميهما.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) ونظيره السوري بشار الأسد

ويمكن لتطور الموقف الروسي في عهد الرئيس المنتخب حديثًا فلاديمير بوتين بالابتعاد عن دعم حليف روسيا الرئيسي في الشرق الأوسط، أن يكسر الجمود الدبلوماسي الحالي. وكان سيف الفيتو الروسي المسلط على مجلس الأمن الدولي عطل 15 شهرًا من الجهود الدولية للضغط على نظام الأسد بالعقوبات وإجراءات أخرى، في وقت تفاقمت الأزمة من احتجاجات سلمية إلى نزاع مسلح ذي بعد طائفي.

وقال فيودور لوكيانوف المحلل في مجلس السياسة الخارجية والدفاعية في موسكو لموقع بلومبرغ quot;إنهم في موسكو يفهمون الآن أنه ليست هناك فرصة للحفاظ على الوضع الحالي، وأخذوا يدرسون مسألة تغيير النظامquot;. وأضاف لوكيانوف quot;إن الشيء الوحيد الذي تستطيع أن تفعله روسيا هو أن تحاول الإبقاء على قدر من النفوذ في سوريا. فإن تغيير النظام تغييرًا موجَّهًا هو الخيار الوحيد الآنquot;، بحسب المحلل الروسي.

وفي حين أن الحكومة الروسية ترى للمرة الأولى إمكانية تغيير النظام عبر سلسلة من الخطوات فإنها لا تزال مصرّة على ألا تكون النتيجة مفروضة من الخارج، كما قال مسؤول في الحكومة الروسي امتنع عن ذكر اسمه. وتسعى روسيا، التي لديها قاعدة إمداد بحرية في ميناء طرطوس، إلى الحفاظ على نفوذها في سوريا ما بعد الأسد، وهو سيناريو ربما أدرجه بوتين ضمن حساباته في بداية ولايته التي تمتد ست سنوات.

وتعارض روسيا في مجلس الأمن فرض عقوبات على النظام السوري، عازية ذلك إلى تفادي تكرار التدخل الأميركي والأوروبي بمشاركة دول عربية حليفة للمساعدة في إسقاط نظام العقيد معمّر القذافي.

وقالت ليليت غيفورغيان الباحثة المتخصصة في الشؤون الروسية في مؤسسة آي ايتش اس غلوبال انسايت في لندن إن روسيا تدرك أن موقفها quot;المبدئيquot; قد يكون من الصعب تسويقه بعد الآن إزاء ارتفاع عدد القتلى. وأضافت quot;إن الأهم من ذلك أنه قد يلحق ضررًا بالغًا بالعلاقات الروسية مع مناطق مهمة من العالم العربيquot;.

وأوضحت غيفورغيان quot;أن أي تغير محسوس في الموقف الروسي لن يحدث، إلا إذا اقتنعت موسكو بأن الغرب لن يهمشها، كما حدث في الأزمة الليبية، وأن روسيا سيكون لها دور كامل في حل الأزمة السوريةquot;.

وكان بوتين أعلن عقب اجتماعه مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في باريس في مطلع حزيران/يونيو أن روسيا ليست مع الأسد، ولا مع معارضيه، وأنها تريد وضعًا ينتهي فيه العنف، ويمكن معه تجنب اندلاع حرب أهلية شاملة.

وستهيئ محادثات هذا الأسبوع في موسكو بشأن سيناريو ما بعد الأسد الأرضية لاجتماع بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وبوتين على هامش قمة مجموعة العشرين من 18 إلى 19 حزيران/يونيو في لوس كابوس في المكسيك.

ونقل موقع بلومبرغ عن مسؤول روسي طلب عدم ذكر اسمه إنه طالما أن روسيا والولايات المتحدة لا تستطيعان الاتفاق على معالجة مشتركة فإن الطريق المسدود سيبقى مسدودًا. وأضاف إن الجميع ينتظر توصل الزعيمين إلى موقف مشترك.

ولكن ثلاثة مسؤولين في الأمم المتحدة امتنعوا عن ذكر أسمائهم لفتوا إلى أنه يكاد يكون من المحال تخيل سوري يجده بوتين والمعارضة مقبولاً، حتى إذا توصلت الولايات المتحدة وروسيا إلى تفاهم مشترك. والأنكى من ذلك أنه من المستبعد أن تتقدم المعارضة المنقسمة الآن أكثر منها في بداية الانتفاضة بمرشح يمكن أن تلتف حوله جملة مصالح، بينها دول خليجية داعمة للمعارضة، كما نقل موقع بلومبرغ عن المسؤولين الأمميين الثلاثة.

وبحسب مسؤول أميركي طلب عدم ذكر اسمه فإن الوضع في سوريا استفحل إلى حد أنه الآن أفلت من سيطرة الجميع بلا استثناء، وأن النزاع الذي يزداد عنفًا بين انتفاضة ذات قيادة سنية ونظام أقطابه ورموزه من الأقلية العلوية، تعرَّض أيضًا إلى اختراق جهاديين أجانب يستغلون الأزمة.
يأتي التحرك الروسي بعيدًا عن الأسد في أعقاب أسوأ مجزرة منذ اندلاع الانتفاضة، راح ضحيتها أكثر من 100 قتيل، غالبيتهم من النساء والأطفال في قرية الحولة. واتهمت الأمم المتحدة قوات الأسد بالمسؤولية عن المجزرة.

وكانت المجزرة أسطع دليل حتى الآن على فشل الاتفاق منذ شهرين على وقف إطلاق النار، الذي رمت روسيا بكامل ثقلها وراءه. ونكث الأسد بوعوده بسحب قواته من المدن والعمل على إيجاد حل سياسي. وعارضت روسيا أي حديث يلمح مجرد تلميح إلى رحيل الأسد، شاجبة ذلك بوصفه دعوة إلى تغيير النظام. واستخدمت حق الفيتو ضد قرار يشير إلى انتقال السلطة.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف طرح الانتقال السياسي على الطريقة اليمنية، بوصفها نموذجًا، لكنه قال إن تطبيقه ليس ممكنًا، إلا بعد اتفاق جميع الفرقاء السوريين. ويرى مراقبون أن سوريا ليست اليمن، حيث أُقنع الرئيس علي عبد الله صالح بتسليم السلطة إلى نائبه، مقابل حصانة كاملة من الملاحقة القضائية.

وقال لوكيانوف إن روسيا تريد مثل هذا الانتقال الموجَّه، ولكن ظروفه ليست متوافرة في سوريا، حيث نموذج تقاسم السلطة على الطريقة اللبنانية قد يكون هو المطلوب، بحسب المحلل الروسي.